وفرضت الحكومة التونسية، بتوصية من اللجنة العلمية لمواجهة انتشار فيروس كورونا، منع التجمعات والتظاهرات وغلق الأسواق وتمديد توقيت حظر التجول ليبدأ من الساعة السابعة مساء، قبل أن تتراجع عنه وتعدله على الساعة العاشرة ليلا بسبب تصاعد الأصوات الرافضة لهذا القرار ومطالبة رئيس الجمهورية والنقابات الوطنية، للحكومة بمراجعة هذا الإجراء الذي يؤثر على المهنيين.
لكن هذا العام مثل استثناء بالنسبة لخديجة ولغيرها من العائلات التي تستثمر شهر الصيام في انعاش دخلها المتواضع عن طريق بيع المنتجات الرمضانية.
تقول خديجة لـ "سبوتنيك": "لم أصنع من الحلويات سوى القليل جدا مقارنة بالكميات التي كنت أعدها في السنوات الماضية، لأن جائحة كورونا أفرغت جيوب الناس واستنزفت مواردهم المالية".
وتابعت: "اقتناء الحلويات لم يعد أمرا أساسيا بالنسبة للناس وأصبح عادة مقتصرة على ذوي الدخل المرتفع، لأن هموم المواطنين أكبر بكثير من التفكير في تزيين موائدهم بحلويات رمضان".
وتذكر خديجة كيف أن معظم العائلات في مدينتها تخلت عن عادة الادخار لشهر رمضان، بسبب الخسائر التي تكبدتها نتيجة الجائحة وفقدان العديد من العمال لموارد رزقهم بسبب الغلق الصحي.
رمضان دون رائحة
ويقول محمد بن حمودة، المسؤول عن أسرة مكونة من ثمانية أفراد، إن شهر رمضان لهذا العام حل دون رائحة ومختلفا عن السنوات المنقضية حيث السمر والسهر.
وأضاف في حديثه لـ "سبوتنيك": "اعتدنا اصطحاب أطفالنا إلى المدينة العتيقة حيث تجتمع العائلات بعد الإفطار وتستمع إلى الفرق الموسيقية التي تطربنا بالأغاني التونسية القديمة المليئة بعبق الماضي".
وتابع: "بسبب حظر التجول سنقضي شهر رمضان في بيوتنا، فالتوقيت الجديد لا يسمح لنا بقضاء أمسيتنا خارج المنزل لأن المقاهي تقفل في ساعة مبكرة، فضلا عن أن التجمعات قد تصيبنا بعدوى فيروس كورونا".
ويرى بن حمودة أن "الظروف الصحية الناجمة عن وباء كورونا والإجراءات الوقائية لا يجب أن تمنع العائلات التونسية من الاستمتاع بشهر رمضان وطابعه الذي يطغى عليه التآلف والبهجة والمحبة والتضامن، مشيرا إلى أنه يمكن للناس ممارسة طقوسهم في منازلهم بطريقة تضمن لهم الحفاظ على صحتهم".
قيود على المساجد
وكسائر الشعوب المسلمة، تعتبر صلاة التراويح من العادات الدينية المحببة لدى التونسيين خلال رمضان، حيث يكثر ارتياد المساجد في هذا الشهر وتمتلئ الفضاءات الدينية بجحافل المواطنين الذين يأتون للصلاة وذكر الله وحفظ ما تيسر من القرآن وسماع القصص الدينية الهادفة.
ورغم تراجع الحكومة عن منع صلاة التراويح خلال شهر رمضان، فإن التونسيين لن يتمكنوا من أداء هذه الصلاة كالمعتاد، حتى أن بعضهم لن يذهب إلى المسجد لتأديتها، بعدما اشترطت وزارة الشؤون الدينية قيودا على صلاة التراويح، كأن لا تتجاوز مدتها الثلاثين دقيقة وأن يلتزم المواطنون بالتباعد الجسدي ما يفرض التقليص من عدد المصلين. كما فرضت أيضا حظر اصطحاب الأطفال وكبار السن إلى المساجد.
وقال زهير الخميري، وهو إمام جامع وأستاذ فقه، إن "تأثيرات جائحة كورونا لم تشمل فقط النواحي الاقتصادية وإنما حتى الدينية، مشيرا إلى أن المساجد من أكثر الفضاءات المحتملة لانتشار العدوى بفيروس كورونا نظرا للتجمعات التي تصاحب الصلوات".
وبين الخميري، في حدثه لـ "سبوتنيك" أن صلاة التراويح لهذا العام ستكون مختلفة عن السنوات المنقضية، نظرا لتزامنها مع الانتشار السريع للسلالة الجديدة من الفيروس الذي فرض على الحكومة اتخاذ إجراءات وقائية.
ويرى زهير الخميري أنه من الأفضل أن يصلي الناس صلاة التراويح في منازلهم تجنبا للعدوى، قائلا "صلاة التراويح ليست فرضا في الجوامع ويمكن لرب الأسرة أن يجمع عائلته حوله ويؤمم بهم فيحفظ بذلك سلامتهم ويحصد أجرا من عند الله".
وحذرت في وقت سابق الناطقة الرسمية باسم الحكومة حسناء بن سليمان، من إمكانية العدول عن قرار تقليص توقيت حظر الجولان وفتح الأسواق والمقاهي والمساجد في حال لم يلتزم المواطنون بضوابط البروتوكول الصحي، وتشديد الإجراءات الوقائية إذا ما تم تسجيل نتائج عكسية للفتح الجزئي.