من عرق السوس، إلى الجلاب، التمر الهندي، وقمر الدين، تعتلي المشروبات الرمضانية البسطات الصغيرة التي لا تشغل حيزاً ولا تزعج أحدًا من المارّة، تزين شوارع دمشق القديمة بألوانها البديعة مع استهلال شهر رمضان المبارك في العاصمة السورية.
كشف عمر محمد ديب الحجار، بائع عرقسوس، في حديثه لوكالة "سبوتنيك"، عن سر المهنة مفشيا خطوات تحضير الشراب الرمضاني الشهير، بدءاً من نقع جذور نبتة العرقسوس في إناء، لتضاف إليه بيكربونات الصوديوم والماء، ثم يوضع في قماشة ويترك جانباً حتى يختمر، ليتم تصفيته باستخدام قطعة من القماش النظيف، ويكون هناك وعاء تحتها ويتم إضافة الماء إلى العرقسوس مع الضغط عليه ليصفى في الوعاء أسفل القماشة".
الحجار الذي تعلم "مصلحة العرقسوس" من جاره منذ صغره، يصف بيع هذا المشروب بـ "العملية الرابحة" بلا شك مهما بيع بسعر رخيص، فيما يتوجه بمشروبه المميز لعشاقه ومدمنيه الذين لا يكملون إفطارهم إذا لم يتصدر كأس العرقسوس البارد موائدهم.
حين تذوي الشمس مع اقتراب المساء، يتزاحم الدمشقيون على تلك البسطات الرمضانية التي تنتقي ألوانها بعناية ملفتة، وتطالع الصائمين بروائحها التي تنفذ إلى الأنفس والأرواح وتخترق الحواس.
الروائح المنبعثة من بسطات الخبز الناعم والمعروك والمعجنات الرمضانية الأخرى، تتنافس فيما بينها للاستحواذ على اهتمام المارة، فيما يعدّ أصحابها حفنات الفئات الأصغر من العملة السورية، يقبلونها برضى ويدسونها في جيوبهم.
"الهوى رماك يا ناعم"، يصدح صوت زياد عبد الرحيم، بائع الخبز الناعم، متداخلاً مع أنغام الموالد النبوية المنبعثة من المتاجر لتضفي جواً روحانياً مميزاً على الحارات الدمشقية.
يستعد عبد الرحيم، وهو فلسطيني دمشقي، لموسم الخبز الناعم قبل موعده بنحو ثلاثة أشهر، فيحضر العجينة ويحتفظ بها، وعندما يهل شهر رمضان يحضر هذه الوجبة الشامية المميزة، يقليها ويزينها بالدبس ويبيعها.
"أنتظر شهر رمضان بفارغ الصبر، كي أرى البسمات على وجوه من يشترون مني الخبز الناعم"، هكذا يصف عبد الرحيم سعادته باستقبال الشهر الكريم، ويضحك عندما يبرر لزبائنه غير الدمشقيين عدم معرفتهم بالخبز الناعم فيسمونه "الخبز المقحمش".
أما توفيق العضل، أحد رواد سوق شارع الأمين بدمشق، فيتظر شهر رمضان بفارغ الصبر كي يتسوق هذه المشروبات والحلويات لأسرته، ويقول في حديثه لـ "سبوتنيك": "يوجد أسواق دمشقية تحتفي بشهر رمضان المبارك ولا يمكنك أن تقاومها كسوق شارع الأمين، الجزماتية، باب سريجة، وغيرها الكثير من الأسواق".
وعن تدني القدرة الشرائية للسوريين بسبب سنوات الحرب الطويلة والحصار الغربي الذي أنهك اقتصادهم، يشير العضل إلى أنه "بات يلجأ لتحضير بعض المأكولات الرمضانية في المنزل، بسبب الغلاء المعيشي الذي حال دون قدرته على شرائها".
يتنفس الرجل الصعداء بثقة مطلقة فيما يشتري حاجياته ويبتسم ابتسامة طمأنينة بأن هذا الشهر الكريم سيكون بلا شك كريماً على جميع السوريين برغم ما يكابدونه اليوم.
ينسى الدمشقيون نشيجهم اليومي الواهن، يرمون همومهم وفقرهم، يجمعون ما تيسر في جيوبهم، يرسمون ابتسامات رضى لا يوجد لها تفسير، ويتناثرون أمام البسطات الرمضانية وهم يتمتمون: "رمضان كريم".