تعود اليوم فوانيس رمضان لتزين الليالي الحلبية، فيبدو النور المنبعث من جدرانها الزجاجية الملونة أسطورة وحلماً ساحراً دافئاً في فيلم سينما.
ينكبّ خالد الحمدو، الحرفي في سوق النحاسين بحلب، على طاولته التي يعلوها موقد صغير، على ىتشكيل قطع النحاس، وانتقاء الألوان التي سيزين بها الزجاج بعناية فائقة، وعندما ينهي عمله الدؤوب ونظر إلى يديه بفخر، فيما يلقَن ابنه "سر المهنة" التي تتوارثها العائلة من حوالى أربعين سنة.
"فانوس رمضان يضفي على الشهر المبارك رونقاَ جميلاً"، يقول الحمدو في حديثه لـ"سبوتنيك"، ويبين أن سوق منتجاته اليوم بشكل أساسي المطاعم والفنادق في المدينة و(الأحواش) العربية، قاصدا منازل الأحياء القديمة في المدينة.
ويتحدث الحمدو عن مراحل صناعة فوانيس رمضان، فيبين أن الفانوس عبارة عن متوازي مستطيلات من البلور يثبت في قاعدته من الداخل الكاز، وينتهي من أعلاه بحلقة تُستعمل لحمله باليد أو لتعليقه على الحامل، وتبدأ مراحل صنعه من قص الزجاج والرسم عليه، ثم تفصيل قطع النحاس، ولحام هذه القطع مع ألواح الزجاج.
وعن أشكال الفوانيس، يؤكد الحمدو أنها عديدة لكن أكثرها طلباُ الفانوس الشمعة، وفانوس الجوهرة المطلوبين بشدة في المطاعم والفنادق، أما الفانوس الطولي الكبير فيوضع على الأرض وبجانب الأبواب والنوافذ.
لا يشعر الحمدو بالارتياح إزاء الفوانيس الخشبية المنافسة التي بدأت تلقى طلبا جيدا خلال السنوات الأخيرة، فبعد أن أضحت بديلا مقبولا لبعض الحلبيين جراء تراجع قدرتهم الشرائية بسبب الحصار والحرب، فهي "رخيصة الثمن، إلا أن لا عمر لها قياسا بالنحاسية"، بحسب الحمدو.
"قبل شهر من موسم الفوانيس برمضان، يتناهى إلى الأسماع صوت الطرق على النحاس من سوق النحاسين بحلب، معلنا اقتراب الشهر الفضيل"، هكذا يصف محمد حسين، وهو صاحب ورشة أخرى لصنع فوانيس رمضان في السوق، استعداده للموسم.
وعن الإقبال على شراء الفوانيس الرمضانية، يؤكد حسين أن الإقبال جيد، مشيراً إلى أنه قبل الحرب كان نحو 30 محل في سوق النحاسين الرائد في حلب يصدرون للدول العربية وأبرزها الإمارات ولبنان، أما حالياً فيقتصر البيع على السوق المحلية.
ويتحدث حسين لـ "سبوتنيك" عن تاريخ صناعة الفوانيس فيقول: "قديماً كانت القناديل تُعلق فوق الجدران وعلى الأقواس ثم أصبحت الشوارع تنار بفوانيس تعلق على ارتفاع معين في الأزقة والحارات ويهتم بفوانيس كل حي موظف من قبل البلدية يدعى "الدومري"، وكان هذا الموظف يمر بها قبيل المغرب ويبدأ بإشعالها ويظل حارساً لها حتى الساعات الأولى من الفجر".
تزغرد شعلة النار من قلب الفانوس الزجاجي، ترسم على جدرانه البلورية الكثير من الأشكال البديعة الملونة التي تنطفئ مع مطلع الشمس، لكن سحرها الآسر يبقى متقداً.