وكانت الناشطة بالمجتمع المدني والمدوّنة التونسية أمينة منصور قد نشرت تدوينة على صفحتها بموقع "فيسبوك" تؤكد فيها مثولها أمام المحكمة العسكرية على خلفية تدوينة اعتبرت "مساً بشخصية القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس الجمهورية التونسية".
وأثار اللجوء إلى المحاكم العسكرية غضبا واسعا في الساحة السياسية والحقوقية، حيث سارعت أحزاب ومنظمات إلى التنديد بهذه الممارسات التي وصفتها بالمقلقة والخطيرة محذرة من توريط القضاء العسكري في تصفية المعارضين ومن طمس مكتسبات الثورة التي يفاخر بها التونسيون، خاصة وأن حرية التعبير والنشر مكفولة بنص الدستور التونسي.
سابقة خطيرة
ويرى المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية "رمضان بن عمر" أن إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية سابقة خطيرة، خاصة وأن دستور 2014 قدّم ضمانات كافية لحماية حقوق المدنيين.
وقال بن عمر لـ "سبوتنيك"، إن المنتدى يرفض رفضا قاطعا محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، مستغربا عدم إحالتهم إلى المحاكم المدنية بوصفهم مدنيين.
وذكر الحقوقي أن العديد من الشخصيات السياسية تعرّضت إلى النقد اللاذع من طرف مدونين في الفترات الأخيرة ولم تقدّم شكاوى إلى المحاكم العسكرية، قائلا "نحن نحترم القضاء العسكري ولكن لا يمكن قبول محاكمة المدنيين عسكريا على خلفية آرائهم".
وشدد بن عمر على أن حرية التعبير هي حق مقدس طالما لم يتم فيها المساس بكرامة الأشخاص أو التعرض لحياتهم الخاصة، معتبرا أن انتقاد أداء المؤسسات السياسية على غرار رئاسة الجمهورية حق لجميع المواطنين تماما مثل الثناء عليها.
ويرى المتحدث أن ما يقوم به القضاء العسكري حاليا في علاقة بمحاكمة المدونين هو حلقة أخرى من حلقات النكوث بالحريات والمساس بمكتسبات الثورة وخاصة منها حرية التعبير.
وأشار إلى التجاوزات التي دأبت السلطات التونسية على ارتكابها في السنة الأخيرة من تعنيف للمحتجين واعتقالهم وحملات شيطنة ضد التحركات الاحتجاجية والنشطاء وضد بعض الأقليات.
انتهاك خطير لحرية التعبير
من جانبه، اعتبر الناطق الرسمي باسم حزب قلب تونس الصادق جبنون في حديثه لـ "سبوتنيك"، أن ملاحقة المدونين انتهاك خطير لحرية التعبير التي يكفلها الدستور والمعاهدات الدولية التي وقعت عليها تونس.
وأكد جبنون أنه لم يسبق لأي رئيس تونسي بعد الثورة أن حاكم مدنيا أمام القضاء العسكري، مشيرا إلى أن الرئيس السابق المنصف المرزوقي ورغم حملات التشويه والثلب (الذم) التي طالته فإنه لم يقاضِ أحدا لا عسكريا ولا مدنيا.
وشدد المتحدث على ضرورة التزام مؤسسات الدولة بالمبادئ الدستورية والقانونية السارية في تونس وبمضامين المعاهدات الدولية، داعيا المسؤولين مهما علا منصبهم إلى قبول النقد والرأي المخالف باستثناء ما يجرّمه القانون وفي إطار مسارات تحددها المجلة الجزائية والقانون المدني.
ودعا جبنون إلى ضرورة التسريع بإصدار المجلة الجنائية الجديدة ومجلة العقوبات الجزائية وإضافة الضمانات الواردة في الدستور وفي المعاهدات الدولية إلى نصوصها حتى تكون منزلة في القانون التونسي بصفة مباشرة ولا يمكن حينها تجنب تطبيقها.
ضد الثلب ولكن..
ويتّفق مع هذا الرأي رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان جمال مسلم الذي أكد لـ "سبوتنيك"، أن إحالة المدنيين إلى القضاء العسكري أمر مرفوض.
ويرى مسلّم أن بعض التدوينات لا تليق بمؤسسة سيادية وبهيبة تونس، مضيفا "ولكن هذا لا يبرر محاكمة المدونين أمام القضاء العسكري لأن القانون يفرض إحالتهم على المحاكم المدنية".
وأوضح مسلّم أن الرابطة تعارض الشتم ونشر معلومات خاطئة والاعتداء على خصوصيات الغير مهما كانت صفتهم مثلما تعارض مسألة تحويل القضاء العسكري إلى فضاء لمحاكمة المدنيين.
ويرى المتحدث أن قضايا النشر وإبداء الرأي على مواقع التواصل الاجتماعي مسألة معقدة ويصعب ضبط المخالفات المرتكبة فيها خاصة وأن معظم مرتكبيها يعمدون إلى استخدام حسابات مزيفة، مشيرا إلى أن الحل لا يكمن في المقاضاة داخل المحاكم العسكرية وإنما في التعديل الذاتي.
وانتقد مسلّم تراجع منسوب احترام حرية التعبير في تونس، مؤكدا أن منظمات المجتمع المدني والقوى السياسية المؤمنة بالديمقراطية ستكون بالمرصاد لجميع محاولات المس بهذا الحق باعتباره المكسب الوحيد الذي جناه التونسيون من الثورة.