وتنص المبادرة التونسية التي رشحتها جامعة الدول العربية على مطالبة إثيوبيا بوقف الملء الثاني لخزان سد النهضة واستئناف المفاوضات بدعوة من رئيس الاتحاد الأفريقي والأمين العام للأمم المتحدة، والوصول إلى نص اتفاق في ظرف لا يتجاوز ستة أشهر يضمن لإثيوبيا توليد الطاقة الكهربائية المائية من ناحية ويحافظ على المصالح المائية لدول المصب من ناحية أخرى.
السعي إلى التوافق
وأوضح الدبلوماسي التونسي السابق عبد الله العبيدي لـ "سبوتنيك" أن الهدف من المبادرة التونسية هو مواصلة التفاوض بين إثيوبيا ومصر والسودان من أجل الوصول إلى حل توافقي فيما بينها في آجال معقولة.
وأضاف "هذا الحل يجب أن يراعي مصالح الدول الثلاثة لأن حجب مياه النيل عن مصر هو بمثابة حجب الحياة عنها"، مشيرا إلى أن إثيوبيا التي تعاني من فقر حاد يشمل 70 بالمائة من سكانها تعتمد على سد النهضة لتوفير الطاقة الكهرومائية وأنها تطمح بنهاية سنة 2030 إلى إنتاج 30 ألف ميغاوات من الكهرباء من المساقط المائية من أجل معالجة مشاكل سكانها والالتزام بالعقود التي أبرمتها مع بلدان الجوار.
وشدد العبيدي على أن عدم القبول بالحل التوافقي سيفضي بالضرورة إلى الحرب خاصة وأن مصر والسودان سبق وأن أعلنتا استعدادهما لذلك وشنتا حتّى مناورات دفاعا عن حقهما في المياه.
وقال إن التحرك الدبلوماسي التونسي من اجل حل أزمة سد النهضة يأتي من منطلق عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي ومن كونها دولة عربية وأفريقية تتأثر بزعزعة الاستقرار في المنطقة.
وبيّن العبيدي أن التصويت على المبادرة التونسية موكول إلى الأعضاء دائمي العضوية في مجلس الأمن وإلى التوازنات الدولية التي تغيرت وفقا لمصالح القوى الفاعلة في المنطقة، معتبرا أن مبادرة سد النهضة تنطلق من نفس الأهداف التي حصلت مع سوريا والعراق وهي تضييق الخناق على المنطقة العربية وخلق مشاكل مع جوارها.
صعوبة التوافق
وفي تصريح لـ "سبوتنيك"، قال وزير الخارجية التونسي الأسبق أحمد ونيّس إنه من الصعب الوصول إلى توافق بشأن المبادرة التونسية، خاصة وأن المفاوضات التي جمعت الدول الثلاثة انتهت بالفشل. وهو ما دفع مصر والسودان إلى مطالبة مجلس الأمن بالتدخل.
واعتبر أن الاحتكام إلى المبادرة التونسية والعودة إلى مجلس الأمن بأرضية المفاوضة على أساس أفريقي هي الحل الأنسب لفض أزمة سد النهضة.
وتابع "إذا لم يحدث التفاوض فإنه من المرجح أن يتم فرض سياسة الأمر الواقع من طرف دولة المصدر وهي إثيوبيا التي ستتفوّق على دول المصب التي ستكون ضحية المبدأ السيادي لدولة المصدر".
ويرى ونيّس أن هذا السيناريو يمثّل خطرا على منطقة أفريقيا الشرقية وعلى القارة السمراء مستقبلا خاصة بالنسبة للدول التي تساهم في الاستفادة من الأنهار في أفريقيا وهي السنغال والنيجر وغيرها من الأنهار التي تشق القارة.
وأضاف "في هذه الحالة ستكون مصر مستعدة لجميع الاحتمالات ومن الممكن أن تتخذ اجراءات شديدة في حال نقص الكم الذي تستفيد منه تقليديا من النهر".
وقال ونيّس إنه لا يجوز لتونس أن تبقى صامتة أمام هذا النزاع خاصة وأنها تنفرد بوجودها كدولة عربية في مجلس الأمن، مضيفا "من المهم الإشارة أيضا إلى أن تونس هي دولة ضفّة وليست دولة مصدر وبالتالي فإن كل ما يهم مجرى الأنهار يجب أن يكون باتفاق ملزم بين الدول المتقاسمة لذلك النهر".
خطر الصراع العسكري
من جانبه، قال الخبير في الشأن الدولي باسل الترجمان لـ "سبوتنيك"، إن مشروع القرار التونسي يأتي في إطار حماية الأمن والسلم الدوليين، وأن الهدف منه هو منع التصعيد والسعي لإيجاد حل سلمي لقضية سد النهضة.
وشدد الترجمان على ضرورة تعاطي مجلس الأمن بشكل جدّي مع هذه القضية التي يهدد عدم حلّها حياة أكثر من 150 مليون إنسان على جانبيْ مجرى نهر النيل، معتبرا أنه من واجب المجلس السعي من أجل الوصول إلى حل توافقي حسب المعاهدات والاتفاقات الدولية لضمان حقوق شعوب المنطقة بالماء الذي هو حق غير قابل للتصرف، وفقا لقوله.
وأضاف "عدم التوافق على هذا الموضوع سيقود إلى تخلّي مجلس الأمن والدول دائمة العضوية فيه عن دورها في حماية الأمن والسلم الدولييْن ويفتح الباب لمخاطر صراع عسكري مسلح، لأن قطع المياه عن الشعوب هو إعلان حرب".
وأشار الترجمان إلى أن إثيوبيا انتهجت طريق المماطلة منذ سنوات من أجل التملص من الاتفاقات السابقة، وهو ما يصعب الوصول إلى حل توافقي.
ويستبعد المتحدث توصّل أعضاء مجلس الأمن إلى توافق بشأن المبادرة التونسية، وهو ما يطرح وفقا لقوله تساؤلات كبرى حول دور مجلس الأمن الدولي في منع الوصول إلى النزاعات المسلحة وفي سعيه لضمان الاستقرار في منطقة وادي النيل.
ومنذ عرضه على أعضاء مجلس الأمن الدولي يوم الخمبس المنقضي، لم يصدر المجلس إلى حدود الساعة أي قرار بشأن المشروع الذي تقدمت به تونس، كما لم يتم تحديد موعد التصويت عليه.
يذكر أن الرئيس التونسي قيس سعيّد قد دعا نظيره المصري "عبد الفتاح السيسي" ونظيرته الأثيوبية "سهلي ورق زودي" خلال مكالمة هاتفية جمعته بهما أول أمس إلى ضرورة مواصلة المفاوضات المباشرة بين كل الأطراف قصد التوصل إلى "حل عادل وشامل وملزم يحفظ حقوق جميع الدول المعنية ولا يمس من الأمن القومي لمصر".