رغم مرور 65 عاما على إقرار مجلة الأحوال الشخصية للعديد من حقوق المرأة التي اعتبرت حينها بورة فكرية، إلا أن العديد من الحقوقيات أكدن أن المساواة لم تتحقق بعد.
في 13 أغسطس/آب 1956 صدرت سلسلة من القوانين التقدمية التونسية، بمقتضى أمر من باي تونس ضمن مجلة الأحوال الشخصية والتي دخلت حيز التنفيذ في يناير/ كانون الثاني من العام التالي 1957.
تعتبر النساء التونسيات هذا التاريخ بأنه الانتصار الأهم في مسار العمل من أجل حقوق المرأة، حيث كفلت هذه الحقوق تشريعات تمنع تعدد الزوجات وتمنح حق الطلاق للمرأة والحق في التعليم والعمل والمساواة.
أهم بنود مجلة الأحوال الشخصية
ما قبل إقرار مجلة الأحوال الشخصية لم يكن قانون الأحوال الشخصية واحدا، حي كان مجموعة من التشريعات ذات الصلة، ولا ينسى الشارع التونسي جهد الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة لإقرار هذه المجلة. تضمنت مجلة الأحوال الشخصية العديد من النقاط منها:
- منع تعدد الزوجات ومعاقبة كل من يخترق هذا المنع بعقوبة جزائية.
- سحب القوامة من الرجل وجعل الطلاق بيد المحكمة.
- إقرار المساواة الكاملة بين الزوجين في كل ما يتعلق بأسباب الطلاق وإجراءاته وآثاره
- إقرار الزواج عبر اشتراط رضاء الزوجين، ومنع إكراه الفتاة من الولي.
- منع الزواج المبكر عبر تحديد الحد الأدنى للزواج بـ17 سنة للفتاة و20 سنة للشاب.
- منع الزواج خارج إطار القانون "العرفي" وفرض الصيغة الرسمية للزواج وتجريم المخالف.
في عام 1993، منحت الإضافات الجديدة التي أدخلت على قانون الأحوال الشخصية الحق للمرأة في تمثيل أطفالها في المحاكم، وأيضا القدرة على نقل جنسيتها إلى أطفالها بالطريقة ذاتها التي أتاحها القانون للرجال، بموجب القانون عدد 74 المؤرّخ في 12 يوليو/ تموز 1993.
دستور 2014
كرس دستور العام 2014 مبدأ المساواة ومكافحة التمييز بين الجنسين في فصليه 21 و46 في باب الحقوق والحريات.
حي نص الفصل 21 منه على أن "المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات وهم سواء أمام القانون من غير تمييز".
كما نص القانون الانتخابي وهو القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 والمعدل في 2017، على مبدأ التناصف في القائمات الانتخابية.
وينص هذا القانون على التناصف العمودي بين الجنسين في القائمات الانتخابية للأحزاب في الانتخابات التشريعية، والتناصف العمودي والأفقي في الانتخابات البلدية وفق تعديل عام 2017.
هل تحققت المساواة؟
رغم المكاسب والحقوق التي حصلت عليها المرأة التونسية، إلا أن العديد من الإحصائيات أكدت تعرض نسب كبيرة من النساء للعنف على مدار سنوات عدة، وهو ما دفع منظمات المجتمع المدني والحقوق للمطالبة بتشريعات لمكافحة العنف ضد المرأة.
مكافحة العنف
في يوليو/تموز2017، صادق البرلمان التونسي على القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017، والذي يتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة.
الفصل الثاني من القانون يتضن "أن هذا القانون يشمل كل أشكال التمييز والعنف المسلط على المرأة القائم على أساس التمييز بين الجنسين مهما كان مرتكبوه وأيّا كان مجاله"، وهو ما اعتبر أحد المكاسب الجديدة للمرأة في تونس.
في الإطار قالت بشرى بلحاج حميدة، رئيسة لجنة الحريات الفردية والمساواة سابقا، إن العديد من المكاسب حققتها المرأة التونسية منذ العام 1956.
وأضافت في حديثها لـ"سبوتنيك"، أن عدم تعدد الزوجات وكذلك فيما يتعلق بالطلاق، وعدم الزواج خارج الإطار القانوني، كلها مكاسب تحققت، ومن ثم تتالت العديد من التشريعات الهامة للمرأة، منها حق السفر وقانون مكافحة العنف ضد المرأة.
دائما ما يدور الحدي عن المساواة بين المرأة والرجل في تونس، إلا أن حميدة تؤكد أنه لا يمكن الحدي عن المساواة التامة، حي أن العديد من الغرات ما زالت موجودة، ومنها بعض القوانين التمييزية، منها أن الزوج هو رئيس العائلة، في حين أن التطور الذي عرفته تونس، فإن المسؤولية مشتركة، وهو ما لا يعترف به القانون.
تشير حميدة أيضا إلى أن المساواة في الميراث يبقى النقطة السوداء في مجلة الأحوال الشخصية، وهي العقدة التي تميز بين المرأة والرجل في تونس.
تطلعات نساء تونس
في الإطار تقول رفيقة الشطي، ناشطة حقوقية تونسية، إن مجلة الأحوال الشخصية رغم الثورة الفكرية التي جاءت بها، إلا أنها تعتبر غير كافية لتطلعات النسويات التونسيات.
وأضافت في حديثها لـ"سبوتنيك"، أنه رغم مرور 65 سنة على إصدارها إلا أنها لا تطبق.
وأوضحت أن المرأة التونسية كباقي النساء العربيات لازالت تحت الوصاية، حيث أنها لم تتحصل على حقوقها كاملة.
وترى أن مقترح قانون المساواة في الميراث والمساواة التامة في الحقوق و الحريات، يبقى المطلب الأهم، وأن هذا المبتغى لن يتحقق الا بمجهود مثقفات الوطن، وخاصة بثورة فكرية تؤسس لها المدرسة التونسية لإنشاء جيل يؤمن بالمساواة.
فيما قالت الكاتبة زهور المشرقي المهتمة بقضايا المرأة في تونس إن ذكرى إصدار مجلة الأحوال الشخصية مناسبة تخلّد التشريعات الثورية التي أصدرها "أبو تونس" الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة عام1957، حيث حملت نساء تونس إلى عالم العلم والنور والتحرّر.
وترى المشرقي أن هناك بعض القصور في تطبيق التشريعات، حي تعيد ذلك إلى غياب الإرادة السياسية الحقيقية التي من شأنها أن تنتصر للنساء.
وتعدد المشرقي بعض القوانين منها، القانون عدد58 لعام2017 الذي تراه ثورة في المنطقة العربية لمكافحة العنف ضد المرأة، والذي تشير إلى أنه غير مطبق على أرض الواقع، خاصة في ظل نسب العنف المخيفة.
وشددت على أن كل الإحصائيات والأرقام تؤكد تراجع وجود المرأة في مراكز القرار والقيادة وفي تقلّد المناصب السياسية.
تؤكد المشرقي أن نساء تونس تعمل معا على تجاوز العراقيل التي تحد من بلوغ المرأة إلى مراكز القيادة في الوظيفة العامة، التي يشتغل فيها 600 ألف موظف تشكل النساء 37% منهم.
المساواة بين الجنسين
وبشأن المساواة بين الجنسين، قالت وزيرة المرأة التونسية السابقة في حوار سابق مع "سبوتنيك"، أن المساواة في تونس ليست بجديدة، خاصة أن الطاهر الحداد تطرق للقضية في كتابه "امرأتنا في الشريعة والمجتمع عام 1934، والقول الفيصل في هذا الأمر سيكون لمجلس نواب الشعب، هو الذي سيقرر أو يعدل أو ينقح ما تقدم به الرئيس واللجنة".
دعوات للمساواة الحقيقية
وفي العام 2019 دعت السيدة نزيهة العبيدي وزيرة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن السابقة، في تونس إلى إرساء ثقافة جديدة تؤمن بالمساواة وتكافؤ الفرص والاحترام المتبادل داخل المجتمع والأسرة. وتشارك الوزيرة التونسية في اجتماعات الدورة الثالثة والستين للجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع المرأة.
وأشارت الوزيرة التونسية حينها إلى نجاح المرأة في الانتخابات البلدية، مشيرة إلى أن 47.7% هن من المستشارات في البلدية، معربة عن الأمل في أن يتم ذلك على مستوى الانتخابات التشريعية وأن تكون هناك مرشحة للانتخابات الرئاسية.
وفي العام 2017 ألغت تونس جميع القوانين التي تحظر زواج المرأة التونسية من غير المسلم.
وأعلنت المتحدثة الرسمية باسم رئاسة الجمهورية في تونس، سعيدة القراش حينها، إلغاء جميع النصوص المتعلقة بمنع زواج التونسية بأجنبي.
وكتبت القراش على الصفحة الرسمية للرئاسة على موقع التواصل الاجتماعي ،فيسبوك، إن "منشور عام 1973 والقرارات ذات الصلة المتعلقة بمنع زواج التونسية بأجنبي تم إلغاؤها، وأصبح لنساء تونس حق حرية اختيار القرين (الزوج)".
يذكر أنه تمّ اختيار تونس عاصمة للمرأة العربية للفترة 2018-2019 من طرف جامعة الدول العربية، خلال الدورة37 للجنة المرأة العربية.