وبحسب حديث الخبراء لـ"سبوتنيك"، فإن إغراق السوق المحلية بالمنتجات التركية والمنافسة غير المتكافئة هي التي دفعت إلى عجز تجاري كبير لصالح تركيا.
وقال مدير التعاون مع أوروبا بوزارة التجارة التونسية، نبيل العرفاوي، أمس الجمعة، إن المفاوضات مع تركيا ستكون مفتوحة لتعديل الاتفاقية التجارية، أو حتى إلغائها، بهدف خفض العجز المتفاقم.
العرفاوي، أكد أن تونس طالبت بمراجعة عاجلة للاتفاقية التجارية مع تركيا على أساس "تقليص العجز التجاري المتنامي"، بحسب ما نقلت وسائل إعلام تركية وتونسية.
وكانت تونس وتركيا قد وقعتا اتفاقية تجارة حرة عام 2005 في إطار الجهود المبذولة لتعزيز العلاقات بين البلدين.
من ناحيته قال الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان، إن أهم الأسباب التي أدت إلى المستوى الحالي من التداين الأجنبي والعجز الحاصل، يرتبط بوضع التجارة الخارجية وخاصة مع تركيا والصين.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أنه في 2010 لم يكن لدى تونس أي عجز تجاري مع تركيا، وأن التبادل كان يسير على مستوى مقبول من الطرفين.
يوضح سعيدان أنه بعد الثورة تغيرت الأوضاع، وأصبح في الداخل التونسي من يدافع عن المصالح التركية في الداخل التونسي، حيث زادت المنتجات التركية بشكل كبير في الداخل التونسي.
يشير الخبير الاقتصادي إلى أن الوضع انتقل من صفر عجز تجاري في العام 2010 إلى 2.5 مليار دينار تونسي مع تركيا فقط في العام 2020، وهو ما يتطلب تغطيته بالعملة الأجنبية وهي غير متوفرة.
يرى أن المنتجات التركية أدت إلى منافسة "غير شريفة" وأغلقت العديد من المؤسسات أبوابها بسبب المنتجات التركية.
وشدد على أن الاتفاقية كانت غير متوازنة في العام 2005، في حين أنها أصبحت غير ملائمة بشكل نهائي في الوقت الراهن، خاصة أن بعض من كانوا في السلطة كانوا يدافعون عن مصالح تركيا أكثر من مصالح تونس.
فيما يتعلق بالموقف الحالي بشأن مراجعة الاتفاقية، يرى سعيدان أن إلغاء الاتفاقية هو الأفضل، خاصة أنها غير عادلة وكانت تهدف لإغراق الأسواق التونسية والاستفادة من الأوضاع السياسية، وأنه من الأفضل البدء بورقة بيضاء تراعي التوازن بين البلدين.
وفيما يتعلق بإمكانية مراجعة اتفاقيات التجارة مع بلدان أخرى، أوضح سعيدان أن التبادل الحر مع الصين يمثل خطورة على الاقتصاد التونسي، خاصة أن العجز أصبح يبلغ نحو 2.5 مليار دولار.
ومضى بقوله أن هناك بعض الاقتراحات قدمت للسلطات التونسية، خاصة أن هناك بعض الطرق من أجل التوازن مع الصين، وأن وجود استمارات صينية في تونس يمكن أن يوازن الأمر، أو أن تقدم الصين ضمانات من أجل حصول تونس على القروض اللازمة.
فيما قال النائب حاتم المالكي عضو البرلمان "المجمد" إن الاتفاقية التجارية بين تركيا وتونس سببت العديد من الأضرار للاقتصاد التونسي، خاصة في ما يتعلق بقيمة العجز التجاري المتواصل لصالح تركيا طيلة سنوات.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أنه من ناحية أخرى يعتبر توريد سلع من تركيا استهداف مباشر للمؤسسات التونسية المنافسة، إضافة إلى شكوك جدية حول تمويل حلفاء تركيا في تونس من خلال إسناد رخص توريد لأشخاص بعينهم.
وأوضح أن تعديل الاتفاقية يتطلب بعض الجهد من وزارة التجارة من الناحية التقنية، إلا أن القرار سياسي بالأساس.
وأشار إلى أنه من الأسلم مراجعة الاتفاقية لا إلغاءها، في مرحلة أولى نظرا لما ينجر عن عملية الإلغاء من طرف واحد على مستوى التزامات تونس الدولية والنتائج المحتملة للنزاعات القانونية، التي يمكن أن تنجر على هذا القرار.
من جهة أخرى يرى أنه في المقابل ليس من مصلحة تركيا رفض التعديل لاعتبارات جيوسياسية قد تضر بمصالحها في المنطقة في ظل الوضع الراهن.
وفيما يتعلق بمراجعة اتفاقيات أخرى، يستبعد البرلماني مراجعة أي اتفاقيات تجارية أخرى في الوقت الراهن، لعدم وجود اتفاقية مشابهة، وأن كل حالات العجز التجاري مع دول أخرى مبررة إلى حد ما.
في ذات الإطار قال إلياس القصري الباحث بالمركز الدولي للدراسات الاستراتيجية بتونس، إن القانون الدولي يخول لكل دولة مراجعة الاتفاقيًات التجاريًة في حال عدم توازن المصالح وتفاقم الأضرار الاقتصاديًة والاجتماعية جراء تلك الاتفاقيًات.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن مراجعة اتفاقيًة التبادل الحر مع تركيا باتت ضرورة، مع تقييم أضرارها على النسيج الاقتصادي التونسي، وعلى الميزان التجاري، وأنه إذا لزم الأمر يمكن تعليق العمل بها بصفة مؤقتة، أو إلغائها نهائيا بعد التشاور واتًباع التراتيب المنصوص عليها في الاتفاقيًة بذاتها والمراجع الدوليًة ذات الصلة.
وتابع أنه لن يكون لأي قرار ثنائي الأثر المأمول دون مزيد أحكام مراقبة الحدود البرًية والبحريًة التونسيًة ومنع التهريب وشبكات التجارة الموازية، وتشجيع النسيج الصناعي والفلاحي التونسي قصد تسهيل التوصًل إلى درجة أعلى من الاكتفاء الذاتي.
وشدد على ضرورة محاسبة كل من ضلع في التفاوض وإبرام الاتفاقيًة التونسيًة التركيًة، بموجب الفصل 96 من المجلة الجنائية الذي ينصً على عقوبة جرائم استغلال الصفة لاستخلاص فائدة لنفسه وللغير وللإضرار بالإدارة.
وتستورد تونس من تركيا حوالي 90 مادة من بينها نباتات الزينة وآلات الموسيقى والمواد المكتبية ومختلف المواد الغذائية، ومواد البناء والخشب والأثاث، في المقابل بقيت صادرات تونس نحو تركيا محدودة وتتمثل في الفسفاط والتمور.
ولا يتجاوز عدد الشركات التركية التي تعمل في تونس 75 مؤسسة بقيمة استثمارات تقدر بـ 2.3 مليار دينار ولا تشغل سوى 1600 يد عاملة تونسية وفق أرقام تعود لسنة 2017.
ويشير الخبراء إلى أنه منذ عام 2013، تضررت سنويا مئات الشركات والمصانع التونسية إما بتراجع إنتاجها أو أنها تغلق نهائيا بسبب غزو المنتجات التركية للأسواق المحلية.