إعلان الجزائر الذي جائ في بيان صادر عن الاجتماع الاستثنائي للمجلس الأعلى للأمن، يأتي بعد أكثر من شهرين من استدعاء الجزائر لسفيرها في الرباط بشكل فوري، للتشاور حول الخطوات التي ستتُخذ، بعد غياب رد فعل رسمي من المغرب بخصوص تصريحات سفيرها، في نيويورك الداعمة لما سماه "باستقلال شعب القبائلي".
وحول أسباب وصول الوضع الحالي بين البلدين، إلى ما هو عليه اليوم، قال الأستاذ الجامعي الجزائري عمر هارون في حديث مع وكالة "سبوتنيك"، إن المشاكل بين البلدين ليست بالجديدة، لكن الجو المشحون الحالي "خلقته المغرب، بدايةً من تصريح القنصل المغربي العام الماضي، حيث قال في لقاء مع أبناء جاليته المتواجدين في الجزائر، بأنهم في بلد عدو".
ومنذ ذلك الحين، يضيف هارون: "بدأ مسار من الأخطاء، التي لا ترتكب من طرف دولة، تعتبر شقيقة وصديقة".
ويرى أن الأيام الأخيرة حملت العديد من التجاوزات الملموسة، كان "أولها دعوة ممثل المملكة لدى الأمم المتحدة، لاستقلال منطقة القبائل، مسانداً بهذا حركة مصنفة في الجزائر كحركة إرهابية، في موقف غير مفهوم، يضاف إلى ذلك فضيحة "بيغاسوس" وثبوت تجسس المملكة على مسؤولين جزائريين، حالهم حال مسؤولين أوروبيين، بالإضافة لموافقة المغرب للكيان الصهيوني، للانضمام إلى الاتحاد الإفريقي كعضو مراقب".
ويؤكد أن هذه المساعي التي أجهضتها الجزائر، حسب محدثنا، "بتحركات دبلوماسية حثيثة، مع الدول الصديقة والشقيقة، ليأتي إطلاق وزير خارجية الكيان الصهيوني لتصريحات، كشف فيها عن قلقه وامتعاضه من التقارب الجزائري الإيراني، والذي كان تعليقا عن لقاء دبلوماسي عادي بين الوزير الأول الجزائري والرئيس المنتخب حديثا في إيران ".
وعن أوجه مراجعة العلاقات الذي قد تلجأ إليه الجزائر، يضيف الأستاذ الجامعي: "قد تُبقي الجزائر في المرحلة القادمة التمثيل الدبلوماسي، بينها وبين الرباط في أدنى مستوياته، مع احتمال إعادة فرض التأشيرة على المغاربة الراغبين في دخول الأراضي الجزائرية".
كما قد يلقي التوتر السياسي بظلاله على الشق الاقتصادي، حسب هارون "هناك احتمال كبير أن تتخلى الجزائر، عن تزويد أوروبا بالغاز مروراً بالمغرب، وهذا لصالح أنبوب جديد يربط الجزائر بأوروبا على مسافة 192 كلمة والمعرف بـ " ميديا غاز".
وبخصوص حجم المبادلات الجزائرية المغربية، رأى أنها ضعيفة مقارنة بما يمكن تجسيده "المبادلات بلغت سنة 2020 حدود 600 مليون دولار أميركي، وهو رقم ضعيف، مقارنة بما يمكن القيام به، لو تعامل النظام المغربي، مع الجزائر بما يليق مع الجيرة والتاريخ المشترك، لكن دائما ما برر النظام المغربي كل ما يقوم به بقضية الصحراء الغربية، التي تعتبر قضية أممية بامتياز، لا علاقة للجزائر بها، إلا من خلال ما تقره المؤسسات الأممية الدولية".
من جانبه، قلل مدير تحرير مجلة السياسة الدولية بمؤسسة الأهرام المصرية أبو الفضل الإسناوي، من العوامل العارضة في التوتر الحالي بين الجزائر والمغرب ويعتبره حلقة في سلسلة طويلة من التوترات.
وأكد الإسناوي في تصريحات حصرية لـ"سبوتنيك": "لا يمكن أن نعتبر مثلا أن العلاقات المغربية الإسرائيلية ذات أثر مهم في التوتر بين الجزائر والمغرب، فالتوتر بين البلدين دائم، وناتج بالأساس عن قضية الصحراء المغاربية وما يتم في منطقة العيون بالصحراء الغربية، والدعم العربي والأوروبي لمغربية الصحراء".
وأضاف الإسناوي: "التنافس بين الجزائر والمغرب أصبح قوي فيما يتعلق بمنطقة الغرب الإفريقي وغيره، هناك إدراك من الجزائر بأن الاعترافات المتتالية بمغربية الصحراء من دول عربية وغربية يؤدي لفشل الدور الجزائري في دعم البوليساريو، وهو ما يخلق رد الفعل الجزائري ضمن أزمة ممتدة لعشرات السنين".
وعن أفق الأزمة الحالية أوضح الإسناوي أن "البلدين مدركين أنه على المستوى الشعبي العلاقات في المستوى المعقول، والقيادات تدرك ذلك، وهناك طرق صوفية قوية تربط بين البلدين، وتنتشر على الحدود، وهذه الطرق تلعب دور دائما في حلحلة الأزمة ووقف تصاعدها، الجزائر لها دور قوي وسط الطرق الصوفية، والرئيس الجزائري له ظهير قوي من التيار الصوفي، وملك المغرب يدعم الصوفية بشدة في إفريقيا والمغرب، لذا لا أتوقع أن تتدهور الأمور أكثر من الوضع الحالي، يمكن اعتبار أن الدبلوماسية الروحية ستلعب دورا".