باحث سوري: الجولان هو الموطن الأول لفن النحت منذ 280 ألف عام
© Sputnik . Mohammad Nejimوأشار الباحث في المديرية العامة السورية للآثار والمتاحف الدكتور محمود السيد في لقاء مع وكالة "سبوتنيك"
© Sputnik . Mohammad Nejim
تابعنا عبر
كشف باحث آثار سوري النقاب عن أقدم أدلة أثرية توثق ماديًا أن الجولان السوري هو الأرض البكر لظهور الفن التشكيلي في العالم.
وأشار الباحث في المديرية العامة السورية للآثار والمتاحف، الدكتور محمود السيد، في تصريح خاص لـ "سبوتنيك"، إلى أن "سوريا تعد الموطن الأول الذي انطلق منه فن النحت في العالم".
وأضاف الباحث السيد أن "اللقى الأثرية المؤرخة بعصور ما قبل التاريخ والتي عثر عليها في أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الواحد والعشرين الميلاديين والمكتشفة في العديد من المواقع الأثرية في سورية والهند وإندونيسيا وجنوب أفريقيا وفرنسا والمغرب، تؤكد أن الفن التشكيلي احتل مكانة عظيمة في حياة البشر منذ مئات آلاف السنين وأن سوريا في ضوء المعطيات الأثرية الحالية هي الموطن الأول في العالم الذي انطلق منه فن النحت".
فنانو (الهومواوركتوس)
وتابع: "ليس بكثير على الإنسان السوري أن يكون هو أول من نحت تمثالاً بشرياً في العالم، فسوريا بالأدلة الأثرية والنقوش الكتابية واللقى الأثرية ومواقع الإقامة والسكن هي مهد الحضارات والأرض البكر في العالم لظهور أولى محاولات الفن التشكيلي، وهي عبارة عن تمثال حجري أثري نادر يؤرخ بعصور ما قبل التاريخ في العصر الحجري القديم الأدنى بالفترة الواقعة بين 280000-250000 قبل الميلاد وتنسب إلى الثقافة الاشولية وتؤكد أن فن النحت ولد في سوريا وقبل أي مكان آخر في العالم بمئات آلاف السنين، وأن مبدعي هذا الفن ينتمون إلى إنسان الهومواوركتوس".
© Photoتمثال أثري مشابه عثر عليه في منطقة درعة بالمغرب العربي
تمثال أثري مشابه عثر عليه في منطقة درعة بالمغرب العربي
© Photo
من بحيرة (رام) إلى متحف القدس
وقال السيد: "التمثال الحجري عثرت عليه بعثة تنقيب إسرائيلية عام 1981 في موقع أثري في منطقة بحيرة رام الأثرية في الجولان السوري المحتل خلال أعمال التنقيب الغير شرعية التي مارسها الاحتلال الإسرائيلي، وذلك بين سويتين أثريتين من البقايا البركانية، أرخت السوية الأعلى والأحدث بحوالي 233000 عام قبل الميلاد، في حين أرخت السوية الأدنى والأقدم بأكثر من 700000 ألف عام قبل الميلاد، وقد صُور التمثال بشكل أنثوي ونُحت على قطعة حجر بركاني محلي يبلغ طوله 3,5 سم وعرضه 2,5 سم وسمكه 2,1 سم وهو معروض حالياً في متحف إسرائيلي في القدس المحتلة دون التعريف بكامل تفاصيله ومصدره".
نسخة لتمثال الجولان في المغرب العربي
وأردف الباحث السوري بالقول: "أثبتت التحليلات المجهرية أن التمثال لم يكن نتاج تآكل طبيعي بل تم تشكيله بشكل متعمد بواسطة الأيدي البشرية بهدف تعديل شكله الطبيعي وإنتاج تصوير بشري، وأحدثت الشقوق بواسطة أداة مصنوعة من حجر الصوان ذات رأس حاد استخدمت أيضاً في تشكيل الرأس والذراع، وهذا ما يميزها بوضوح عن العلامات التي يمكن حدوثها بفعل العوامل الطبيعية والمناخية، ويلاحظ من خلال إجراء دراسة معمقة لتمثال الجولان وجود تشكيل وتجويف صحيح من نتوء الرأس وآثار واضحة للتجويف والكشط وتجانس نحتي فيما يخص عنق وجسم وذراع التمثال".
© Photoتمثال الجولان عثر عليه في بحيرة رام الأثرية
تمثال الجولان عثر عليه في بحيرة رام الأثرية
© Photo
وتابع السيد حديثه لـ"سبوتنيك"، قائلاً: "يؤكد اكتشاف تمثال مشابه لتمثال الجولان في المنطقة الأثرية في وادي درعة بالقرب من مدينة طانطان في المغرب العربي لكنه أطول حيث يبلغ طوله (6 سم)، وهو أحدث زمنياً وأكثر تطوراً من ناحية الأداة المستخدمة في النحت وأسلوب التعبير عن الأجزاء البشرية، حيث عثر عليه بين سويتين أثريتين تؤرخان بين 500000-200000 قبل الميلاد أن تمثال الجولان يمثل أقدم نحت فني تصويري بشري في العالم".
فن النحت سبق الرسم
وفيما إذا كان التمثال ينتمي لمدرسة نحتية في ذلك العصر قال السيد: "تمثال الجولان السوري يمثل أقدم محاولات نحتية في العالم لتصوير شكل بشري ولم يكن في عصور ما قبل التاريخ أي تبلور لمفهوم المدارس النحتية والتي بدأ ظهورها يتضح تدريجياً مع نهاية عصور ما قبل التاريخ وظهور الكتابة وعصر الممالك والمدن، وأصبح في تاريخنا الحديث والمعاصر للنحت مدارس واضحة ذات قوانين فنية ومزايا وخصائص متعارف عليها".
© Sputnik . Moahammad Al Najmشهادة الباحث في المديرية العامة السورية للآثار والمتاحف الدكتور محمود السيد
شهادة الباحث في المديرية العامة السورية للآثار والمتاحف الدكتور محمود السيد
© Sputnik . Moahammad Al Najm
وختم الباحث حديثه لـ"سبوتنيك"، بالقول: "التمثال المكتشف في هضبة الجولان السورية يؤكد أن التعبير الرمزي عند البشر قد ظهر في وقت مبكر من تاريخ الحياة البشرية ويوثق بالدليل المادي أن إنسان الهومو-أوركتوس عرف الفن التشكيلي بخلاف ما كان يعتقد بعض علماء الآثار من أن ولادة الفن التشكيلي قد جاءت في المراحل الأخيرة من عصر إنسان نياندرتال وأن فن النحت قد سبق فن الرسم ويمثل أقدم إبداع نحتي فني في العالم وأقدم دليل حتى يومنا هذا على ظهور فن النحت في العالم، وهناك قطع أثرية أخرى عثر عليها في الجولان المحتل تؤرخ في العصر الحجري القديم الأوسط وتنسب إلى (إنسان نياندرتال) وتكتسب صفة التفرد عالمياً بأحد مجالات الفن التشكيلي وهي قيد الدراسة حالياً من قبل باحثين سوريين".
© Sputnik . Mohammad Al Najmشهادة الدكتوراه للباحث في المديرية العامة السورية للآثار والمتاحف الدكتور محمود السيد
شهادة الدكتوراه للباحث في المديرية العامة السورية للآثار والمتاحف الدكتور محمود السيد
© Sputnik . Mohammad Al Najm
وأضاف أن "دراسة التمثال وما تم اكتشافه في سوريا من أقدم نحت في العالم بوجه من الطين البشري بكامل التفاصيل وما تم اكتشافه من تماثيل في سوريا يؤكد أن تمثال الجولان مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمميزات الفنية والنحتية لباقي التماثيل الأثرية الفريدة الطابع والمضمون عالمياً والتي تم اكتشافها في مختلف المواقع الأثرية السورية ما يؤكد أن الجولان السوري –أثرياً وفنياً- لم يتجزأ عن سوريا منذ العصر الحجري القديم وإلى يومنا هذا".
© Sputnik . Mohammad Nejimوأشار الباحث في المديرية العامة السورية للآثار والمتاحف الدكتور محمود السيد في لقاء مع وكالة "سبوتنيك"
وأشار الباحث في المديرية العامة السورية للآثار والمتاحف الدكتور محمود السيد في لقاء مع وكالة "سبوتنيك"
© Sputnik . Mohammad Nejim
ويشار إلى أن الباحث محمود السيد يتقن كتابة وقراءة /18/ لغة من بينها النقوش المسمارية والأبجدية، وقد تخرج من قسم التاريخ بجامعة دمشق عام 2000 ويحمل العديد من الشهادات العليا السورية فيما حصل في فرنسا على الماجستير في المسح والتنقيب ودراسة الأوابد والترميم والمباني الأثرية وعلى الدكتوراه في تاريخ وحضارات ولغات الشعوب القديمة من جامعة السوربون، كما حصل على الإجازة في قراءة النقوش المسمارية الأكادية والسومرية والأوجاريتية، ونال وسام الإبداع السوري عام 2013 وأشرف على ترميم الجامع الأموي بدمشق الذي تعرض لقذائف هاون أدت إلى تضرر بعض لوحات الفيسفساء الأصلية في الجامع، وكذلك أشرف على ترميم باب المدرسة السليمية في التكية السليميانية بدمشق وترميم هيكل المعبد في موقع عمريت الأثري بطرطوس وهو مكلف حالياً بأرشفة الرقم المسمارية وإعداد المعجم التاريخي اللغوي الأوجاريتي، وله العديد من الكتب والأبحاث التاريخية.