جدل حقوقي وإعلامي في تونس بشأن مرسوم رئاسي يقر السجن لمن ينشر أخبارا كاذبة
10:17 GMT 19.09.2022 (تم التحديث: 10:19 GMT 19.09.2022)
© AFP 2023 / FETHI BELAIDصحفيون تونسيون يرفعون لافتات كتب عليها "حرية الصحافة خط أحمر" و "سلطة رابعة لا راكعة" خلال تظاهرة خارج المقر الرئيسي لوكالة الأنباء التونسية تونس أفريقيا برس، 15 نيسان/ أبريل 2021
صحفيون تونسيون يرفعون لافتات كتب عليها "حرية الصحافة خط أحمر" و "سلطة رابعة لا راكعة" خلال تظاهرة خارج المقر الرئيسي لوكالة الأنباء التونسية تونس أفريقيا برس، 15 نيسان/ أبريل 2021
© AFP 2023 / FETHI BELAID
تابعنا عبر
تصاعد الجدل في تونس بشأن مرسوم رئاسي يفرض عقوبات بالسجن على كل من ينشر أخبارا كاذبة، بين من اعتبره "خطوة إيجابية نحو تحصين أعراض الناس"، وبين من وصفه بأنه "انتكاسة جديدة للحقوق والحريات".
وقبل يومين، أصدر الرئيس التونسي، قيس سعيد، مرسوما رئاسيا جديدا يتعلق "بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال"، تضمّن في أحد فصوله عقوبة بالسجن مدة 5 سنوات وخطية مالية قدرها 50 ألف دينار (15622 دولارا أمريكيا) "لكل من يتعمد استعمال شبكات وأنظمة معلومات واتّصال لإنتاج أو ترويج أو نشر أو إرسال أو إعداد أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو وثائق مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذبا للغير بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني أو بث الرعب بين السكان".
وبحسب المرسوم الذي تم نشره بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية: "تُضاعف هذه العقوبة إلى السجن 10 سنوات إذا كان المستهدف موظفا عموميا أو شبهه".
وشارك التونسيون مواقفهم من هذا المرسوم على شبكات التواصل الاجتماعي التي تحولت إلى حلبة نقاش مفتوح بين معارضين يرون فيه اعتداء على حرية الرأي التي ناضل الشعب من أجلها طويلا، وبين مؤيدين يعتبرونه فرصة لوقف نزيف الإشاعات والأخبار الزائفة التي يتم نشرها تحت غطاء حرية التعبير.
وعلّق المواطن التونسي، نبيل داوود، في تصريحات لـ"سبوتنيك" أن "هذا المرسوم هو في حقيقة الأمر مفتاح لفترة جديدة مبنية على قمع حرية التعبير وتكميم الأفواه. كل من يتكلم أو ينتقد أو يخالف سوف يلجم بهذا المرسوم.. كل صحافي أو إعلامي من الممكن أن يحاكم بواسطته. كنتم تقولون لا خوف على الديمقراطية ولا عودة إلى الوراء وها أننا نعود سنوات إلى الخلف".
وقال المواطن التونسي، وحيد براهمي، في حديثه لـ"سبوتنيك": "قيس سعيّد يبدأ حربه على حريّة التعبير عبر محاصرة الإنترنت وتجريم التعبير عن الآراء المعارضة والنقد عبر مواقع التواصل الاجتماعي. فقد أصدر مرسوما أطلق بموجبه الرصاص على آخر ما بقي من مكتسبات الثورة، وهي حريّة الإعلام والتفكير والتعبير".
بينما قال المواطن التونسي، بكار الفرشيشي، في تصريحات لـ"سبوتنيك" إن "مرسوم الأخبار الزائفة أزعج العملاء وأصحاب القلوب المريضة التي تتحيل على القضاء بتلفيق التهم الكاذبة وبث الإشاعات المغرضة".
مرسوم يهدف لتكميم الأفواه
وفي تعليق حول الموضوع، قالت منسقة مرصد الدفاع عن الحق في الاختلاف، سلوى غريسة، لـ"سبوتنيك" إن "المرسوم عدد 54 المتعلق بمكافحة جرائم المعلومات والاتصال هو مرسوم تعسفي".
واعتبرت أن "الهدف من هذا المرسوم هو تكميم الأفواه وإسكات المعارضين"، مشيرة إلى أن "فرض عقوبة سجنية من 5 إلى 10 سنوات وخطية مالية كبيرة هي عقوبة مبالغ فيها والغاية منها تخويف الناس وإجبارهم على الصمت".
ونقلت غريسة مخاوفها من طريقة تطبيق هذا المرسوم على أرض الواقع ومن المعايير التي سيتم اعتمادها للمحاسبة، مضيفة "تخيل لو أن شخصا سجن لأنه كتب تدوينة قال فيها إن سعر البطاطا 5 دنانير بينما تباع في السوق بـ4 دنانير".
وأشارت الحقوقية إلى أنه "سبق وأن عرض هذا المرسوم على أنظار البرلمان السابق، ولكن لم يقع تمريره لأنه كان سيفتح المجال للظلم".
وأضافت "القضاء كفيل بمحاسبة من ينشر أخبارا كاذبة أو يهتك أعراض الناس بعد التثبت وعرضه على المحاكمة العادلة".
وتساءلت سلوى غريسة ساخرة: "هل سيطبق هذا القانون على المواطنين فقط؟ أم أنه سيشمل أعضاء الحكومة الذين امتهنوا الكذب على الشعب ونشر الأخبار الكاذبة؟، من قبيل حديثهم مؤخرا عن حجز 18 ألف طن من السكر تم احتكاره، ليتبين لاحقا أن الكمية لا تتجاوز 3600 طن وتم تسليمها بطرق قانونية".
وطالبت غريسة بسحب هذا المرسوم ومراجعته بصفة جدية "لأنه يمثل خطرا على حرية التعبير التي تتعرض سلفا لمضايقات كبيرة"، وفقا لقولها. ولاحظت أن "معارضي الرئيس يواجهون منذ فترة حملة من السب والتشويه فقط لأنهم عبروا عن آراء مختلفة أو أعلنوا عن معارضتهم لمسار 25 يوليو/ تموز".
وتتوقع غريسة تصاعد منسوب التضييقات بعد إصدار قانون الجمعيات والأحزاب الجديد، قائلة: "لقد أغلق قوس الديمقراطية منذ فترة، فبعد القانون الانتخابي ها نحن نطالع مرسوما تعسفيا آخرا يعود بنا إلى ما قبل 2010".
خطر على حرية الإعلام
بدوره، اعتبر رئيس النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، مهدي الجلاصي، أن هذا المرسوم يمثل "انتكاسة جديدة للحقوق والحريات"، مشيرا إلى أن "العقوبات التي تضمنها ذكّرت التونسيين بالقوانين التي كان يستخدمها نظام الرئيس التونسي الراحل، زين العابدين بن علي قبل الثورة لإسكات معارضيه".
وتخشى الصحفية التونسية، وحيدة قادر، أن "يتحوّل هذا المرسوم إلى أداة تستخدمها السلطة في وجه الإعلاميين والصحفيين لإسكات أصواتهم وتوجيهها نحو الرأي الواحد".
وأضافت في تعليق لـ"سبوتنيك" أن "هذا المرسوم خطر حقيقي على حرية الإعلام التي يلاحظ الجميع أنها تراجعت بفعل التضييقات التي تمارسها الأجهزة الرسمية على الصحفيين وخاصة منها أجهزة الأمن".
وتشير قادري إلى "وجود توجه واضح نحو طمس حرية الإعلام وحق المواطنين في المعلومة. وذكرت بمرسوم سابق يمنع المسؤولين من تقديم تصريحات صحفية إلا بعد أخذ الإذن من مرؤوسيهم".
وقالت قادري: "لا أحد يعارض تشديد العقوبات على من ينشر أخبارا زائفة أو يقوم بهتك أعراض الناس، ولكن هناك مخاوف من كيفية تطبيق هذا المرسوم وطريقة تكييف المعلومات".
تنقية للفضاء الافتراضي
على الطرف الآخر، يعتقد الإعلامي والمحلل السياسي، باسل الترجمان، في تصريحات لـ"سبوتنيك" أن "هذا المرسوم هو خطوة نحو تنظيف الفضاء الافتراضي وخاصة شبكات التواصل الاجتماعي التي تحولت إلى فضاء للتجريح وتشويه الناس وهتك أعراضهم"، وفقا لقوله.
وتابع: "هذا المرسوم كان مطلبا تقدمت به أطراف سياسية داخل البرلمان منذ سنوات، ولكن وقع تعطيله من قبل أطراف دأبت على استخدام صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي لتشويه الخصوم والكذب ونشر المعلومات المزيفة وهتك أعراض الناس".
ويعتقد الترجمان أن "هذا المرسوم جاء من أجل القطع مع الصفحات المشبوهة التي تقوم بالابتزاز والتي كانت محمية من أطراف سياسية تهيمن على القضاء وتدفعه إلى عدم مقاضاتهم".
واعتبر الترجمان أن "المرسوم عدد 54 يحصّن المجتمع من السقوط السياسي والأخلاقي والاجتماعي"، مشيرا إلى أن "العقوبات ستضمن القطع مع تشويه الخصوم السياسيين وأيضا مع هتك أعراض الناس وخاصة منهم النساء".
وحول المخاوف المتعلقة بحرية التعبير، تساءل الترجمان: "ما علاقة الحماية من التشويه وهتك الأعراض بحرية الرأي والتعبير؟ فتطبيق القانون لا يهم العمل الصحفي، لأن الصحفي ليس مطلوب منه أن يقوم بنشر الأكاذيب والشائعات".
وفي بلاغ نشرته على صفحتها الرسمية، رحّبت وزارة تكنولوجيات الاتصال بهذا المرسوم، معتبرة أنه "خطوة هامة وإنجاز ينضاف إلى جملة الإصلاحات الهيكلية الضرورية في المجال الرقمي".
وأشارت إلى أن هذا المرسوم سيضمن تحقيق "النجاعة الكافية عند التعامل مع الجرائم الإلكترونية لضمان حقوق ضحايا التحيّل والاختلاس والتدليس والتجسس والابتزاز وغيرها من الاعتداءات على البيانات والمنظومات والمصنفات المحمية الرقمية".