ما العقبات التي قد تواجه الاتفاق السوداني-الإماراتي لتطوير ميناء "أبو عمامة"؟
© AFP 2023 / RASHED AL-MANSOORIولي عهد أبو ظبي، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، يستقبل رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، أبو ظبي، الإمارات، 11 مارس/ آذار 2022
© AFP 2023 / RASHED AL-MANSOORI
تابعنا عبر
لم تمض سوى أيام قليلة على الاتفاق الإطاري الذي تم التوقيع الأولي عليه بين قيادة الجيش السوداني وقوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، حتى تم الإعلان عن اتفاق ضخم ومؤجل منذ سنوات بين أبوظبي والخرطوم بقيمة 6 مليارات لتطوير وتشغيل ميناء أبو عمامة شرقي البلاد.
يرى مراقبون أن الاتفاق سوف يواجه الكثير من العقبات على الأرض حال البدء في التنفيذ، أولها الفترة الانتقالية وعدم الطرح في مناقصة عالمية وأزمة شرق السودان، علاوة على عدم التوقيع النهائي على الاتفاق الإطاري واستمرار القوى الرافضة له على مواقفها، ما قد يطعن في شرعية الاتفاق مستقبلا.
بداية يقول الدكتور محمد الناير، الأكاديمي والخبير الاقتصادي السوداني: "أعتقد أن توقيع اتفاق لتطوير ميناء أبو عمامة على ساحل البحر الأحمر شرقي البلاد، بقيمة 6 مليارات دولار بين السودان والإمارات وفقا لما أوردته وسائل الإعلام المحلية والدولية، بالتأكيد أن مشروعا بهذا الحجم وتلك القيمة وما سيترتب عليه من مشروعات أخرى سوف يصب في مصلحة الاقتصاد السوداني بصورة كبيرة، علاوة على أنه سوف يخلق وفرة في الإنتاج وزيادة في حجم الصادرات وإحلال الواردات، وأيضا تفعيل حجم الصادرات والواردات المتعلقة بقضية المناولة والشحن وغيرها من الأشياء بالنسبة للميناء الجديد الذي نحن بصدد الحديث عنه".
العطاء الدولي
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك" أن "المشكلة التي ستواجه هذا الاتفاق أنه لم يطرح في عطاء دولي، حيث كان يفترض أن يطرح مثل هذا الاتفاق في عطاء دولي وتتقدم له الجهات المعنية بمثل هذه المشروعات".
أضاف: "فلو كان الأمر يتعلق بمشروع زراعي فقط، يمكن أن يتم المنح أو الإسناد المباشر، لكن حينما يتعلق الأمر بإنشاء ميناء جديد أو مطارات أو غيرها من المشروعات الكبرى ذات الطبيعة الاستراتيجية والأهمية في البلاد، لابد أن تكون عن طريق عطاء دولي تتقدم له الجهات الراغبة كلها في العالم، ويفوز العطاء الأفضل الذي يحقق المصلحة الكبرى للسودان والاقتصاد السوداني، ولو أن الأمر تم بتلك الآليات، لا شك بأنه سيكون أفيد، ويكون أهل المصلحة في شرق السودان ممثلين في هذه العطاءات حتى لا تكون هناك تعقيدات في المشهد أو عقبات تواجه هذا الأمر".
وأشار الخبير الاقتصادي، إلى أن الأمر الثاني المتعلق بتلك الاستثمارات هو الشفافية، أي يجب أن يتم الإفصاح عن شكل الاتفاق وكيفية تمويله ونظام التشغيل والإنشاء ونقل الملكية (B.O.T)، أم أن هناك أنظمة أخرى جرى الاتفاق عليها.
ورأى أنه "لابد من توضيح الرؤية في قضية الملكية والتشغيل وغيرها من الأشياء، يعني هل هي ملكية مؤقتة ونقلها للدولة.. هل الدولة ستكون جزء من المنظومة الخاصة بالتشغيل، هذه كلها قضايا لابد أن يتم الإفصاح عنها بصورة واضحة حتى يكتب لهذا الاتفاق أن يتقدم إلى الأمام".
وأكد الناير على "أهمية بل وضرورة تسوية قضية الشرق بصورة عامة، يعني شرق السودان لديه مطالب عادلة، وأكثر من مرة تم إغلاق الطريق وأدى ذلك إلى تعقيدات في المشهد، ولم تنتبه الدولة أو تلتفت أو تعالج قضية الشرق السلام بصورة كلية، وأعتقد إن لم تعالج قضية شرق السودان بصورة كلية، واستطاعت الدولة أن تحقق العدالة بقسمة الموارد بين المركز والولايات والمحليات ووضع الأقاليم في وضع إيرادي جيد ومنحها استحقاقاتها، هذا يمكن أن يؤدي إلى تعقيد المشهد، خصوصا أن الشرق أصبح يلوح كثيرا خلال الفترة الماضية بإقفال الطريق القومي ويلوح بإقفال الميناء أحيانا، ويمكن أن يعيق تنفيذ هذا المشروع".
وبحسب الخبير الاقتصادي، فإن هناك ضوابط كان لابد العمل بها، من بينها طرح هذا الأمر المتعلق بالميناء بشكل خاص في عطاء دولي وإشراك أصحاب المصلحة كجزء من هذا الأمر، علاوة على أن نشر هذا الأمر على وسائل الإعلام المختلفة وتوضيح الجهة التي تفوز بالعطاء وفقا لمعايير محددة، بما يحقق المصلحة للاقتصاد السوداني أو أقصى مصلحة ممكنة للاقتصاد السوداني.
وأضاف: "كنا نأمل أن تكون كل هذه الإجراءات قد تمت، علما بأن هذه المرحلة مرحلة انتقالية وليس فيها برلمان منتخب لكي يقرر في قضايا كبيرة أو جوهرية مثل هذه القضايا".
علاقات المصالح
من جانبه، يقول الدكتور محمد مصطفى، رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان: "في الحقيقة نحن كسودانيين نحترم أي بلد جارة سواء كانت الإمارات أم غيرها، ونعمل لبناء علاقات دبلوماسية متوازنة نستطيع عبرها إيجاد شراكة اقتصادية، أمنية وسياسية متينة تحافظ على الأمن القومي المستقر لكل بلد".
وأضاف في حديث لوكالة "سبوتنيك"، أن المشكلة في الوضع الراهن، تكمن في تنافس إستراتيجيات العلاقات الخارجية المرتبطة بالمصالح بين أكثر من دولة جارة أو دول الإقليم أو حتى على المستوى الدولي، وهنا قد يؤدي التنافس غير المؤسس إلى تدهور الوضع الداخلي بالبلد محل التنافس، خاصة عندما يكون البلد المعني في وضع هش ذو مؤسسات ضعيفة في ظل حكومة ناقصة الشرعية.
المؤسسات المنتخبة
وأشار مصطفى إلى أن أي اتفاقية كبيرة، مثل اتفاقية ميناء أبو عمامة الموقعة مع الإمارات وفقا لما تم تناوله في وسائل الإعلام، تحتاج إلى حكومة منتخبة وذات تفويض شعبي كبير، أما الحكومات الانتقالية فهي تعمل لتحقيق أجندة الانتقال وغيره، كالسلام العادل والشامل وتنفيذه ووضع مسودة الدستور والتعداد السكاني وتقسيم الدوائر وإعداد السجل الانتخابي وإجراء الانتخابات، وبالتالي فإن توقيع أي اتفاق في هذا الوضع أي في غياب حتى الحكومة الانتقالية حتما سوف تتم مراجعته.
وقال رئيس الحركة الشعبية: "نأمل من كل الحكومات التي لديها مصالح في السودان الوقوف مع الشعب السوداني بتحقيق مدنية الانتقال والسلام والتحول الديمقراطي".
ووقع السودان، الثلاثاء الماضي، وشركات إماراتية اتفاقا لتطوير ميناء "أبو عمامة" على ساحل البحر الأحمر شرقي البلاد، بقيمة 6 مليارات دولار، بحسب إعلام عربي ومحلي.
وقال موقع قناة "العربية" الإخباري، إن حكومة الخرطوم وقعت مع مجموعة موانئ أبو ظبي وشركة "إنفيكتوس" للاستثمار، اتفاقا لتطوير الميناء والمنطقة الاقتصادية في ولاية بورتسودان.
وخلال مراسم توقيع الاتفاق، قال وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم، إن المشروع "يضم منطقة اقتصادية ومطارا ومنطقة تجارية وأخرى زراعية".
من جانبه، قال وزير النقل السوداني السابق ميرغني موسى حمد لصحيفة "السوداني" إن الاتفاق يعني نهضة وازدهار منطقة شمال بورتسودان.
وكشف أن الحكومة السودانية والمستثمرين التزموا "بمد أنبوب مياه من النيل إلى بورتسودان وإلى ميناء أبو عمامة بالإضافة إلى رصف طريق بين أبو حمد والميناء، وتخصيص نسبة 4% من إجمالي أرباح الميناء لتنمية المجتمع المحلي".
وأشار إلى أن "المشروع يحوي ميناءً ملحقاً بمنطقة حرة تتضمن مدنا صناعية وتجارية وطريقا بريا بين البحر الأحمر ونهر النيل".
ووقع المكونان العسكري والمدني في قوى الحرية والتغيير ومجموعة المجلس المركزي وقوى الانتقال السياسي، اتفاقا إطاريا يوم الاثنين 5 ديسمبر الجاري، يمهد للأطراف السودانية مناقشة قضايا محورية.
ويشمل ذلك العدالة الانتقالية وإصلاح المنظومة الأمنية والعسكرية وإعادة لجان التحقيق والتفكيك النظام السابق إلى جانب إبعاد الجيش من السلطة التنفيذية والانتقالية خلال العامين المقبلين.
فيما صرحت مجموعات سياسية أخرى بالخرطوم برفضها للاتفاقية السياسية الأخيرة معتبرة أنها اتفاق بين طرفين فقط ولم تشمل جميع السودانيين بأحزابهم وكياناتهم.