هل ينجح وزراء خارجية دول الجوار في وضع آليات مقبولة لوقف الحرب السودانية؟
© AFP 2023 / -الصراع في السودان - مدينة الخرطوم
© AFP 2023 / -
تابعنا عبر
عقد وزراء خارجية دول الجوار أول اجتماعاتهم التنفيذية لبحث وضع آليات وقف الحرب وإحلال السلام بعد ثلاثة أسابيع من عقد القمة الأولى لدول جوار السودان في القاهرة، حيث يواجه الاجتماع تحديات كبرى قد تمثل عائقا كبيرا أمام التوصل لأي تسوية، نظرا لما طرأ على المشهد من تغيرات مأساوية على الأرض.
وقامت "سبوتنيك" بإجراء حوارات مع خبراء لمعرفة مدى احتمالية نجاح اجتماع وزراء خارجية دول جوار السودان في تحقيق خطوات نحو وقف الحرب.
وقال محمد فوزي، الباحث المصري في الشؤون الإقليمية في مركز الأهرام: "ترتبط أهمية الاجتماع الأول للآلية الوزارية الخاصة بقمة "دول جوار السودان" باعتبارين أساسيين، الأول اعتبار موضوعي يتمثل في كونها أحد الآليات التنفيذية لقمة دول جوار والسودان وهي الآلية التي كانت أحد مخرجات القمة، وتستهدف تنفيذ بحث الإجراءات والخطة التنفيذية المطلوبة لمعالجة تداعيات الأزمة السودانية على مستقبل واستقرار السودان، ووضع حلول تنفيذية شاملة للأزمة الراهنة".
تداعيات كارثية
وأضاف فوزي في حديثه لـ"سبوتنيك": "أما الاعتبار الثاني فهو اعتبار رمزي، ويرتبط بشكل رئيسي بدلالات توقيت انعقاد هذا الاجتماع، إذ أنه يأتي بعد نحو 3 أسابيع من انعقاد قمة دول "جوار السودان"، وهو أمر يعكس حرص دول الجوار السوداني، على عدم التباطؤ على مستوى وضع رؤى وتصورات خاصة بحلحلة الأزمة، انطلاقا من الإدراك بأن إطالة أمد الأزمة سوف يكون له انعكاسات وتداعيات كارثية ليس فقط على السودان، وإنما على دول الجوار أيضاً".
أحد الدلالات اللافتة فيما يتعلق بالاجتماع الخاص بالآلية الوزارية، تتمثل في التأكيد على فكرة أن "قمة دول جوار السودان" لم تكن مجرد قمة بروتوكولية أو شكلية تقتصر أصدائها على وقت انعقاد القمة، بمعنى أن الاجتماع الحالي يؤكد على رغبة الدول المنخرطة في مسار القمة، الشروع في خلق آليات فعالة تنفيذية تساهم في حل الأزمة السودانية بشكل سلمي.
الحلول الأفريقية
وفي سياق متصل يرى الباحث في الشؤون الإقليمية، أن "قمة دول جوار السودان وما صاحبها من مخرجات وآليات تنفيذية على غرار الاجتماع الوزاري الحالي، تكرس لمبدأ مهم نادت به العديد من الدوائر سواء الرسمية أو غير الرسمية".
وهو مبدأ "الحلول الأفريقية للمشاكل الأفريقية" خصوصا وأن التجربة التاريخية وحتى تجربة التعامل مع الأزمة السودانية الراهنة، تُشير إلى أن دول الجوار هي الأقدر على إحداث حلحلة للأزمات التي تدخل في محيط أمنها القومي، على اعتبار أنها الدول الأكثر تأثراً بالأزمة، فضلاً عن امتلاك هذه الدول للعديد من الأدوات التي يمكن توظيفها بما يدعم حلحلة الأزمة.
وأردف فوزي: "في تقديري أن دول الجوار السوداني وعلى رأسها مصر لا تملك رفاهية السماح بإطالة أمد الأزمة السودانية، أو اتخاذ مواقف يغلب عليها البروتوكولية، خصوصاً في ضوء التداعيات السلبية الكبيرة للأزمة الراهنة".
لكن مدى فاعلية تحركات دول جوار السودان سوف يكون مرهوناً ببعض المحددات الرئيسية وعلى رأسها مدى القدرة على إجلاس أطراف النزاع الرئيسية على طاولة المفاوضات وإقناعهم بفكرة عدم وجود حل عسكري للصراع، فضلاً عن مدى القدرة على صياغة رؤى شاملة لحل الأزمة، والتعامل مع تداعياته، بما يجنب هذه التحركات المعوقات التي أدت إلى تعطيل أو فشل بعض المبادرات الأخرى.
آمال كبيرة
من جانبه يقول وليد أبو زيد، المحلل السياسي السوداني، ما صدر عن الاجتماع الأول لدول جوار السودان والذي عقد بالقاهرة منتصف الشهر الماضي كان مشجعا، وأعطى آمال كبيرة بأنه قد يحدث نوع من التوافق لوقف الحرب وإحلال السلام.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، إن كم التفاؤل الذي ترافق مع البيانات التي صدرت عن اجتماع دول الجوار هدأت درجة حماسها، نظرا لطول الفترة بين تاريخ عقد الاجتماع وأول تحرك عملي تشهده العاصمة التشادية اليوم لـ اللجنة المنبثقة عن اجتماع القاهرة، في ظل مشهد سوداني تزداد تعقيداته وتضيع فرص الحل بمرور الساعات وليس الأيام والأسابيع.
طبيعة المعارك على الأرض وما يجري قد يختلف كثيرا عما يجري الحديث عنه في جلسات التفاوض والحوار، وهناك اليوم إدانات دولية كثيرة لما يصدر من أفعال من جانب قوات الدعم السريع، هذه الإدانات سواء من الأمم المتحدة أو منظمات حقوق الإنسان وحتى من السفارات التابعة لدول الترويكا أو الولايات المتحدة الأمريكية.
الإدانات الدولية
وتابع المحلل السياسي، أن الدعم السريع بعد الإدانات الأخيرة، أصبح قبوله لدى المجتمع الدولي بشكل عام والمجتمع السوداني بشكل خاص أمر أو مسألة عسيرة، وإذا أرادت دول الجوار التوصل إلى اتفاق سلام أو وقف لإطلاق النار، لابد أن تكون هناك تسوية بين الجيش والدعم السريع، وهذا ما سوف يرفضه الجيش والمجتمع السوداني وحتى الأحزاب السياسية، حتى أحزاب قوى الحرية والتغيير التي كانت تميل بشكل غير مباشر لدعم قوات حميدتي في البداية، اليوم تعيش حالة من الحرج الكبير في داخل المجتمع السوداني.
الوضع الراهن لقوات الدعم السريع هو الذي سيعطل أي اتفاق، لأنه غير مؤهل أخلاقيا للوصول إلى أي اتفاق، والشعب السوداني لا اعتقد أنه يقبل اليوم وجود الدعم السريع ضمن المنظومة السياسية القادمة بعد توقف الحرب.
تحديات كبرى
وأوضح أبو زيد، أن "هناك تحديات كبيرة أمام اجتماع وزراء خارجية دول الجوار في تشاد، أول تلك التحديات تتمثل في كيفية تجاوز عقبة تقبل المجتمع السوداني للدعم السريع في المرحلة القادمة، مشيرا إلى أن الحل العسكري الذي يتحدث عنه الكثيرين، ليس نهائيا وتعود بعده الأطراف للتفاوض والسياسة أيضا، لكن المعضلة الكبرى أن الممارسات التي يقوم بها أفراد الدعم السريع عقدت المشهد بصورة لم يكن حتى قادة الدعم يتصورون حدوثها".
الحل يكمن في اعتراف قادة الدعم السريع بارتكاب قواتهم لتلك الجرائم المفزعة في الأسابيع الثلاثة الأخيرة عقب اجتماع دول الجوار بالقاهرة، وفي اعتقادي أن تلك الأفعال التي قام بها تابعيهم لا يمكن أن تكون بأوامر مباشرة من القيادات، لأن أي فصيل لديه طموح بالحكم لا يمكن أن يقدم تعليمات بالقتل والإغتصاب والإبادة الجماعية وغيرها.
وتستضيف العاصمة التشادية إنجامينا، اليوم الأحد، اجتماعا لوزراء خارجية دول جوار السودان، لمناقشة الأزمة الحالية، ويشارك في الاجتماع وزراء خارجية مصر وتشاد وإثيوبيا وجنوب السودان وإريتريا وأفريقيا الوسطى.
ومنذ 15 نيسان/ أبريل الماضي، تجري اشتباكات عنيفة وواسعة النطاق بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في مناطق متفرقة من الأراضي السودانية، تتركز معظمها في العاصمة الخرطوم، مخلفة المئات من القتلى والجرحى بين المدنيين.
وظهرت الخلافات بين رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد القوات المسلحة السودانية عبد الفتاح البرهان، وبين قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، للعلن بعد توقيع "الاتفاق الإطاري" المؤسس للفترة الانتقالية بين المكون العسكري والمكون المدني، في شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، الذي أقر بخروج الجيش من السياسة وتسليم السلطة للمدنيين.
واتهم دقلو الجيش السوداني بالتخطيط للبقاء في الحكم، وعدم تسليم السلطة للمدنيين، بعد مطالبات الجيش بدمج قوات الدعم السريع تحت لواء القوات المسلحة، بينما اعتبر الجيش تحركات قوات الدعم السريع، تمردا ضد الدولة.
وكان مقررا التوقيع على الاتفاق السياسي النهائي لإنهاء الأزمة في السودان في الأول من أبريل الماضي، إضافة إلى التوقيع على الوثيقة الدستورية في السادس من الشهر نفسه، وهذا ما لم يحصل بسبب خلافات في الرؤى بين قادة القوات المسلحة وقادة قوات الدعم السريع، فيما يتصل بتحديد جداول زمنية لدمج قوات الدعم السريع داخل الجيش.