بعد زيارة وزير خارجيتها... تونس تبحث عن توطيد علاقاتها مع روسيا
© AFP 2023 / EVGENIA NOVOZHENINAوزير الخارجية التونسي، نبيل عمار، مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، يغادران بعد إلقاء كلمة في مؤتمر صحفي مشترك في موسكو، 26 سبتمبر/ أيلول 2023
وزير الخارجية التونسي، نبيل عمار، مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، يغادران بعد إلقاء كلمة في مؤتمر صحفي مشترك في موسكو، 26 سبتمبر/ أيلول 2023
© AFP 2023 / EVGENIA NOVOZHENINA
تابعنا عبر
حصري
تسعى تونس من خلال زيارة عمل يجريها وزير خارجيتها لموسكو، إلى وضع أسس جديدة للعلاقات مع روسيا، وتوطيد التعاون المشترك معها، في خطوة يرى مراقبون أنها "أصبحت ضرورية بالنسبة لبلد بقي لعقود في سجن التعاون الغربي".
ويبدأ اليوم وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، نبيل عمار، زيارة عمل إلى موسكو، تستمر إلى يوم غد الأربعاء، ترافقه المديرة العامة لديوان الحبوب في تونس، وذلك استجابة لدعوة من نظيره الروسي، سيرغي لافروف.
وبحسب بيان أصدرته الخارجية التونسية، وحصلت "سبوتنيك" على نسخة منه: "تندرج هذه الزيارة في إطار الرغبة المشتركة للبلدين لتطوير علاقات التعاون الثنائي، كما أنها ستمثل مناسبة لدعم المساعي الأفريقية الهادفة لحل الخلاف الروسي الأوكراني، في إطار المبادرة الأفريقية للسلام، فضلا عن معاضدة الجهود الأممية والدولية لإحياء اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود".
وتأتي هذه الزيارة في خضم حاجة تونس الملحة إلى تأمين حاجياتها من الحبوب بعد أن سجلت تراجعا حادا في إنتاجها المحلي من هذه المادة بمفعول الجفاف، وهو ما تسبب في اضطرابات على مستوى تزويد الأسواق بمادتي الدقيق والسميد.
وتستورد تونس ما يزيد عن 80% من حاجياتها من الحبوب، لتأمين اكتفاء مواطنيها من هذه المادة، حيث يصل استهلاكهم إلى ما بين 2.5 و3 ملايين طن في العام.
البحث عن الحبوب وتنويع العلاقات
وفي تصريح لـ"سبوتنيك"، شدد الخبير الاقتصادي، عز الدين سعيدان، على "حاجة تونس الملحة إلى دعم تعاونها الثنائي مع روسيا"، مشيرا إلى أن "التجارة الخارجية لتونس مركزة بشكل كبير على الاتحاد الأوروبي طيلة 6 عقود".
وأضاف: "يجب على تونس أن تحافظ على هذا المكسب، ولكن هي اليوم في أمسّ الحاجة إلى تطوير وتنويع علاقاتها الخارجية في ميدان التجارة والاستثمار والتمويل والسياحة، ومن الواضح أنه ثمة قطب كبير جديد في طور البناء وهو القطب الأفريقي - الروسي".
ويعتقد سعيدان أن "على تونس تعديل وجهة طموحها من الانضمام إلى مجموعة "بريكس" باتجاه تطوير علاقاتها التجارية والمالية والاقتصادية مع الشرق، وبالخصوص روسيا التي أنقذت في وقت من الأوقات بعض المواسم السياحية في تونس".
وتابع: "تعتمد تونس بشكل كبير على التوريد في تأمين حاجياتها من الحبوب، وروسيا من المصدرين الكبار للحبوب في العالم، ومن المهم لتونس أن تعمل على هذا الجانب، خاصة وأنها تواجه في العام القادم حتمية استيراد 100% من حاجياتها من هذه المادة فصابة 2023 كانت ضعيفة جدا".
ويرى سعيدان أن "تونس مطالبة قبل أي وقت مضى بتسجيل قفزة في علاقاتها مع روسيا، التي تلعب حاليا دورا متنامي بسرعة كبيرة جدا في القارة الأفريقية".
مهمة نحو السلام
ويرى الخبير في العلاقات الدولية، باسل الترجمان، في تعليق لـ"سبوتنيك"، أن "زيارة وزير الخارجية التونسي إلى موسكو، أبعد من كونها مهمة للبحث عن الحبوب، على الرغم من أهمية هذا الملف بالنسبة لتونس، التي تعاني من أزمة في الجفاف والغذاء واضطرابات على مستوى التزود بالقمح".
وأضاف: "هذه الزيارة هي استمرار لعلاقات قديمة بين تونس وموسكو، لطالما تميزت بالتوازن والإيجابية والاحترام المتبادل، وهي تبعث برسالة مفادها أن تونس لا تقف موقفا عدائيا ضد روسيا، وتتعامل من منطلق الحفاظ على علاقاتها ضمن رؤية سيادية لا تخضع لضغوط أي طرف".
ولفت الترجمان إلى أن "تونس لطالما كان لها دور تاريخي في الدخل الإنساني لحل الأزمات والتوسط في النزاعات في عدة دول في العالم ودعم السلام"، مشيرا إلى أن "الدبلوماسية التونسية تمتلك بُعدا أفريقيا قويا".
واعتبر الترجمان أن "المبادرة الأفريقية للسلام، التي ترمي إلى حل الخلاف الروسي - الأوكراني، هي خطوة جيدة ومهمة وهي تصب في صالح الجميع"، مضيفا، بالقول: "بعد عام ونصف العام من بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، من المهم أن يتحدث المجتمع الدولي بجدية عن وضع نقطة لهذا الخلاف عوض الانقسام إلى داعم ورافض".
أبعاد سياسية
وقال المحلل السياسي، مراد علالة، لـ"سبوتنيك"، إن "هذه الزيارة تكتسي أهمية بالغة لاعتبارات عديدة، بعضها يعود إلى العلاقات الثنائية بين تونس وروسيا، وبعضها الآخر يعود إلى سياقها وإلى الأوضاع الإقليمية والدولية".
وأوضح، بالقول: "على مستوى العلاقات الثنائية، بات من الواضح أن تونس تبحث عن دعم روسي في ظل الضغوط الكبيرة والابتزاز الذي يمارسه الغرب معها سواء من أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية أو من المؤسسات المالية التي تخضع لنفوذ غربي مثل صندوق النقد الدولي".
من ناحية ثانية، يرى علالة أن "تونس في حاجة ملحّة للتفاعل مع المتغيرات الدولية خاصة على مستوى القارة الأفريقية، باعتبار أن تونس هي بوابة أفريقيا وهناك تطورات في العلاقة بحضور قوَى أخرى مثل فرنسا الذي أصبح منحصرا وغير مرغوب فيه بخلاف الحضور الروسي في القارة الأفريقية"، وفق قوله.
ولفت علالة إلى أن "زيارة عمار تتعدى كونها زيارة للبحث عن الحبوب"، مشيرا إلى أن "الأسباب السياسية حاضرة بقوة في هذه الزيارة".
وأضاف: "من المهم أن تكون هناك مواقف عقلانية لحل الخلاف الروسي الأوكراني".
وتابع: "صحيح أن تونس دولة صغيرة جغرافيا، ولكن لها وزنها ولها مصداقيتها في المشهد الأفريقي، وفي العديد من الملفات كان لصوتها صدى من خلال المبادرات التي أدت إلى الحفاظ على الأمن الدولي".