خريطة صراع النفط الليبي بين اللاعبين المحليين والدوليين

لا يزال الصراع في ليبيا، يخفي الكثير من المصالح والعمليات، التي تقف بشكل رئيسي وراء المشهد منذ العام 2011 حتى الآن.
Sputnik

يقف خلف تلك التحولات الجذرية الكثير من اللاعبين الدوليين المستفيدين من النفط الليبي، بدء من اكتشاف أولى الآبار منذ سنوات بعيدة مرورا، بقرار التأميم وبالحصار وفكه، وصولا لعام 2018، وذلك حسب مصادر ليبية تحدثت مع "سبوتنيك".

وزير الاقتصاد الليبي يتهم البنك المركزي بأنه سبب الأزمة الاقتصادية في البلاد
الصراع السياسي

تشهد الساحة السياسية في ليبيا حاليا صراعا سياسيا بين الشرق الممثل في البرلمان الليبي وقوات الجيش الليبي والغرب المتمثل في حكومة السراج، خاصة بعد تسليم منطقة الهلال النفطي إلى فرع المؤسسة في بنغازي بعد استعادة المنطقة في 21 يونو/حزيران الماضي من قوات آمر حرس المنشئات النفطية السابق إبراهيم الجضران، الذي سيطر على المنطقة لمدة أيام قليلة.

وقال السفير محمد سعيد القشاط، سفير ليبيا في السعودية في عهد معمر القذافي لـ"سبوتنيك"، إن الصراع الدائر على الأرض تقف ورائه الدول المنتفعة من النفط الليبي، وأن كل هذه الدول تحرك المشهد بما يضمن لها مصلحتها في حصة النفط الليبي.

وأضاف القشاط أن:

المؤسسة الوطنية للنفط بفرعها في طرابلس تورطت في دعم الكتائب والميليشيات، فيما حرم الشعب من عائد النفط ومن السيولة، وأن قطر وتركيا دعمتا عمليات التمويل من خلال شحنات النفط، وأنهما سلحا تلك الكتائب.

وتابع "فرع المؤسسة في بنغازي سيعمل على إدارة النفط بالشكل الأمثل، الذي يضمن الوصول إلى المواطن الليبي ومؤسسات الدولة دون أن يصل إلى الجماعات المتطرفة".

صراع عسكري:

الشهر الماضي يونيو/حزيران 2018، تمكنت قوات الجيش الليبي في الشرق من استعادة منطقة الهلال النفطي، بعد أيام قليلة جدا من استيلاء إبراهيم الجضران على هذه المنطقة، التي سبق وطردته قوات الجيش الليبي في عام 2016 منها.

في 2015، قام المؤتمر الوطني السابق بإطلاق عملية "الشروق"، التي لم تدم أكثر من أسابيع واجهتها قوات قادها رئيس حرس المنشآت النفطية وقتها، إبراهيم الجضران.

في مارس/آذار 2016، وصلت حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج إلى طرابلس، ومنحت قوات الجضران الشرعية واعتبرته آمرا شرعيا لحرس منشآت النفط، وطالبته بإعادة فتح الموانئ أمام حركة التصدير.

في مارس/آذار 2017، تمكنت قوات الجيش الليبي في الشرق من السيطرة على منطقة الهلال النفطي، وفى 14 يونيو/حزيران 2018، أعلن آمر حرس المنشآت النفطية السابق إبراهيم الجضران أن قواته أحكمت سيطرتها على مينائي السدرة ورأس لانوف بمنطقة الهلال النفطي.

ثم اندلعت بعدها اشتباكات عنيفة مع قوات الجيش الليبي، وبعد ذلك أعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية، يوم 21 يونيو/حزيران الجاري، عن السيطرة على منطقة رأس لانوف والسدرة بالكامل.

حسب التقديرات الليبية، فمنطقة الهلال النفطي تحتضن أكثر من 60% من الاحتياطي النفطي وتضم أربعة موانئ نفطية رئيسية: "موانئ السدرة ورأس لانوف والبريقة والزويتينة".

ويعد "السدرة" و"رأس لانوف" أكبر مينائين لتصدير النفط في ليبيا "400 ألف و220 ألف برميل يومياً على التوالي"، وصادراتهما مجتمعين تبلغ قرابة ثلاثة أرباع صادرات البلاد البترولية.

مسؤولون في شرق ليبيا يعتزمون السيطرة على عوائد النفط
صراع مؤسسة النفط

يدور الصراع الآن بين المؤسسة في الشرق والغرب، حيث يترأس المؤسسة في طرابلس مصطفى صنع الله، فيما يترأسها في الشرق فرج سعيد.

وفي الأيام الأخيرة، بعد تسليم منطقة الهلال النفطي إلى إدارة الشرق في بنغازي، اشتعل الصراع مع مقر طرابلس، وحسب الموقع الرسمي للمؤسسة يعقد صنع الله اجتماعاته بشكل عادي مع عدد من السفراء والشركات، وهي محاولة للضغط للعدول عن العملية، كما قال "هناك مؤسسة وطنية شرعية واحدة للنفط، معترف بها لدى منظمة البلدان المصدرة للنفط، الأوبك، ومن قبل المجتمع الدولي، كما تعتبر الصادرات من قبل المؤسسات الموازية غير قانونية، وستفشل كما فشلت في الماضي".

على الجانب الآخر، قال رئيس المؤسسة الوطنية للنفط التابعة للحكومة الموقتة برئاسة فرج سعيد: "احترام العقود السابقة المبرمة كافة من الشركات المستفيدة من النفط الليبي والموقعة مع مؤسسة طرابلس".

في الإطار ذاته، قال الناطق باسم الحكومة المؤقتة، حاتم العريبي في بيان سابق له بعد عملية التسليم إن "جميع التعاقدات مع الشركات النفطية ستكون كما هي"، مشيرا إلى ضمان التوزيع العادل لعوائد النفط لجميع المناطق الليبية في شرقي وغربي وجنوبي ليبيا، والحفاظ على أموال وثروات الليبيين.

على الجانب الآخر، ظل موقف حكومة الوفاق التي طالبت كلا من مجلس الأمن الدولي ولجنة العقوبات بتتبع وإيقاف أي عمليات بيع قد تحدث بعد عملية التسليم للمؤسسة في الشرق.

وأشارت في بيان رسمي إلى القرار رقم 2362، الذي يدين كل المحاولات غير القانونية للتصرف في النفط الليبي من أي مؤسسات موازية.

وعلى مستوى المجلس الرئاسي، تباينت المواقف ففي الوقت الذي أدان نائب رئيس المجلس، أحمد معيتيق، الأمر قائلا: إن المؤسسة الوطنية للنفط هي القناة الوحيدة الشرعية المصدرة النفط وإدارة الموارد النفطية في ليبيا. وأعرب النائب بالمجلس على القطراني عن دعمه الكامل لقرار القائد العام للقوات المسلحة المشير خليفة حفتر، بشأن تسليم الموانئ النفطية إلى مؤسسة الشرق في بنغازي.

وحسب بيانه الرسمي، أضاف "الحكومات التي تعاقبت على طرابلس دون مراعاة لحقوق الشركاء في الوطن من إقليم برقة وفزان، فعانت المدن والقرى من التهميش والحرمان من التنمية، وهو أمر مرفوض ولم يعد يمكن القبول به.

واستطرد "باتت عائدات النفط التي تحال لمصرف ليبيا المركزي طرابلس، مصدر تمويل للملشيات المسلحة والجماعة الإرهابية داخل المدينة في ظل سكوت الجميع".

الشركات النفطية في ليبيا

تتواجد على الأراضي الليبية عدد كبير من الشركات العاملة بالنفط، إلا أن أهم 5 شركات عالمية تشكل تفاصيل المشهد، خاصة أنها تعمل في البترول والغاز، وأعمال التنقيب والبحث والإنتاج، وذلك بحسب دراسة أعدها المركز الليبي للدراسات، حصلت "سبوتنيك" على نسخة منها، من خلال عادل الطلحي أحد أعضاء المركز. 

برلماني ليبي: المؤسسة الوطنية للنفط أهدرت المليارات والجيش الليبي يحاول الحفاظ على الثروة
إيني الإيطالية:

بحسب الدراسة، فهذه أكبر شركة نفطية تعمل في ليبيا، ويبلغ إنتاجها نحو 600 ألف برميل نفــط مكافئ يوميا (نفط خام، غاز طبيعي، مكثفات غازية من بروبان وبيوتان ونافتا)، وكذلك إنتاج نحو 450 طنا من عنصر الكبريت يوميا.

وتابعت الدراسة، "الشركة تدير عددا من الحقول النفطية البرية المنتشرة على الجغرافيا الليبية، وحقولا بحرية متمثلة في ثلاث منصات بحرية، وخزان عائم".

كما تدير الشركة أيضاً شبكة خطوط أنابيب برية مختلفة الأحجام ممتدة لآلاف الكيلومترات، حيث يتم تصدير الجزء الأكبر من الغاز الطبيعي المعالج من مجمع مليته الصناعي عبر خط أنابيب بحري بقطر 32 بوصة وبطول 516 كم، وهو خط التصدير البحري الأول، الذي يربط بين ليبيا وأوروبا، حيث يمتد من مجمع مليته الصناعي بالساحل الجنوبي لإيطاليا.

ويشمل نشاط الشركة أكثر من 85 دولة، وحسب العديد من المراجع تأسست الشركة، بعد الحرب العالمية الثانية لسد احتياجات إيطاليا من النفط حتى أنها تحولت لأكبر مجموعة من الشركات النفطية حول العالم.

توتال الفرنسية:

تعد شركة توتال الفرنسية من أكبر الشركات النفطية في العالم، ويقع مقرها في باريس وتأسست في العام 1924.

بحسب الدراسة، تقوم الشركة بتشغيل وإنتاج حقل المبروك وحقل الجرف من خلال إحدى فروعها، وهي شركة "سي.بي.تي.إل"، ويصل متوسط إنتاج الحقلين معا، إلى 60 ألف برميل في اليوم، فيما تشارك الشركة في إنتاج بعض الحقول الأخرى مثل حقل الشرارة.

وتابعت الدراسة أن "الشركة تعمل في ليبيا منذ 60 عاما".

وتعرض حقل المبروك لهجوم مسلح اكثر من مرة منذ العام 2015 دفع الشركة إلى إعلان وقف أعمالها في ليبيا في 2015، حيث قالت في تقرير نتائج أعمالها عن الربع الأول من ذلك العام إنها قامت بشطب أصول بقيمة 755 مليون دولار من حقولها البرية في ليبيا.

وتساهم الشركة في 75% من أعمال موقع الجرف في ثلاثة نقاط بعيدة عن الاضطرابات الأمنية، كما أنها تساهم في الإنتاج من حقل الشرارة بنسبة 30%، فيما توقفت أعمالها في حقل المبروك.

إكسون موبيل الأمريكية:

 شركة موبيل هي أمريكية متعددة الجنسيات.

استأنفت شركة إكسون موبيل (ExxonMobil) نشاطها في ليبيا في عام 2005، عقب رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على ليبيا، وفي سبتمبر/أيلول من العام 2013، قالت الشركة إنها ستقلص عملياتها وعدد موظفيها في ليبيا، مبررة ذلك بأنه لا داعي  للإبقاء على نشاط كبير في ظل تدهور الوضع الأمني.

ويقع مقرها الرئيس في آرفينج بولاية تكساس توظف شركة إكسون موبيل، ويعمل بها  أكثر من 82 ألف شخص في جميع أنحاء العالم، مع ما يقرب من 4000 موظف في المقر و27 ألف شخص في هيوستن.

أوكسيدنتال بتروليوم الأمريكية:

بدأت شركة أوكسيدنتال بتروليوم أعمالها في ليبيا منذ عام 1965، وتعمل في مجال التنقيب، وتوقفت عن العمل أثناء فرض العقوبات الأمريكية على ليبيا عام 1986، وعادت مجددا 2004 بعد رفع الحصار، وفي عام 2008 وقعت الشركة خمسة عقود تنقيب وإنتاج بالمناصفة مع المؤسسة الوطنية الليبية للنفط، كما نجحت في تمديد آجال عقودها في البلاد.

في عام 2011، سحبت الشركة كوادرها من البلاد بسبب الأوضاع الأمنية، وفي أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام كانت الشركة أول شركة أجنبية تعاود نشاطها بشكل فعلي في البلاد من خلال حقل النافورة.

بريتش بتروليوم البريطانية:

وقعت الشركة اتفاقية مع المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا عام 2007 للتنقيب، وتشمل امتيازات للتنقيب عن النفط على مساحة 54 ألف كيلومتر مربع في حوض غدامس على الأرض وحوض سرت قبالة الساحل الليبي.

وبعد عام 2011، قررت سحب طواقمها من البلاد وإيقاف أشغالها، وحاليا عادت للعمل مجددا.

تعتبر الشركة البريطانية، ثالت أكبر شركة نفط خاصة في العالم، بعد إكسون موبيل وشل وشكلت الشركة الذراع النفطي للحكومة البريطانية لسنوات عدة قبل خصخصتها سنة 1976، وللشركة احتياطات نفطية تبلغ 18.3 مليار برميل، بحسب الدراسة.

 وتبلغ احتياطيات ليبيا النفطية نحو 39 مليار برميل، ويكتسب نفطها أهمية في السوق العالمي لجودته، حيث إنه يحتوي على نسب منخفضة من الكبريت، قياسا بالخام المشحون بالكبريت.

خريطة الحقول النفطية في ليبيا.

في اتصال خاص مع أحد القيادات في المؤسسة الوطنية للنفط، الذي طلب عدم ذكر اسمه، قال لـ"سبوتنيك" إن

الصراع الدائر في الوقت الراهن بين الأطراف الداخلية سيؤثر بشكل كبير على إنتاج النفط، وأنه قد يتأثر بشكل كبير إذا لم يتم تسوية الأوضاع بين الأطراف المتنازعة.

وأكد أن بعض حقول النفط تراجع إنتاجها، بسبب الهجوم المتكرر عليها وتعطل الأعمال بها.

وأوضح أن ليبيا خامس أكبر دول قارة أفريقيا من حيث المساحة، وتمتلك ليبيا خمسة أحواض رسوبية رئيسة، أربعة منها تنتج النفط الخام،

وبحسب بوابة "الوسط الليبية" تتوزع أحواض النفط الليبية منها حوض سرت، وحوض غدامس، وحوض مرزق، ثم حوض تريبوليتانيا البحري، بالإضافة إلى حوضين آخرين غير منتجين، هما الكفرة في الجنوب الشرقي وحوض برقة المنبسط في الشمال الشرقي.

حوض سرت

يعد من أهم الأحواض وأصغرها عمرا، ويقع في مركز شرق ليبيا، ويضم 16 حقلا منتجا، ويبلغ إجمالي النفط القابل للاستخراج فيها أكثر من 500 مليون برميل، وما يزيد على 33 تريليون قدم مكعب من الغاز.

حقل السرير

وهو أكبر حقول ليبيا على الإطلاق، وهو تابع لشركة الخليج العربي للنفط، ويبلغ الاحتياطي العام في الحوض أكثر من 117 مليار برميل مكافئ.

سياسي ليبي: مخابرات أجنبية مدعومة بـ"مستفيدين بالداخل" وراء هجمات "الهلال النفطي"
حوض مرزق
يغطي مساحة واسعة في الجنوب الغربي، ويبلغ الاحتياطي به أكثر من 5 مليارات برميل مكافئ، ويقع حقل الشرارة ضمنه، الذي وصل إنتاجه في سبتمبر/أيلول 2011 إلى 400 ألف برميل يوميا، وحقل الفيل النفطي الذي بلغ ذروة إنتاجه بوصوله إلى 125.7 ألف برميل يوميا في عام 2010.

حوض غدامس
مساحته 390 ألف كيلو متر مربع، ويقع إلى الشمال الغربي من ليبيا، ويحوي الحوض 3.5 مليار برميل مكافئ بقدرة إنتاجية وصلت في العام 2009 إلى حوالي 950 مليون برميل مكافئ، ويقع به حقل الوفاء المزود الرئيس للغاز في مشروع غاز غربي ليبيا.

حوض تريبوليتانيا البحري
ويقع في المياه الليبية إلى الشمال الغربي باتجاه مدينة صبراتة،  ويبعد 121 كلم عن طرابلس العاصمة، ويقع به حقل البوري البحري، الذي يبلغ الاحتياطي القابل للاستخراج فيه ملياري برميل نفط، ويعتبر أكبر اكتشاف في البحر المتوسط حتى الآن، وكان الحقل ينتج 45 ألف برميل يوميا بنهاية 2009.

 إنشاء المؤسسة الوطنية للنفط

أنشأت المؤسسة الوطنية للنفط بموجب القانون رقم 24 لعام 1970، لتحل محل المؤسسة الليبية العامة للبترول، والتي أنشأت بموجب القانون رقم 13 لسنة 1968، حيث أسند لها مسؤولية إدارة قطاع النفط، وقد أعيد تنظيمها فيما بعد بموجب قرار الأمانة العامة لمؤتمر الشعب العام (سابقا) رقم 10 لسنة 1979، لتعمل على تحقيق أهداف خطة التحول في المجالات النفطية، والقيام بدعم الاقتصاد القومي عن طريق تنمية وتطوير الاحتياطيات النفطية واستغلالها الاستغلال الأمثل وإدارتها واستثمارها لتحقيق أفضل العوائد.

ويجوز لها في ذلك أن تشترك مع الهيئات والمؤسسات والجهات الأخرى التي تزاول أعمالا شبيهة بأعمالها.

وتقوم المؤسسة الوطنية للنفط بعمليات الاستكشاف والإنتاج عن طريق الشركات المملوكة لها أو بالاشتراك مع الغير عن طريق المقاولة أو بأي نمط من أنماط عقود استثمار الثروة النفطية، إلى جانب عمليات تسويق النفط والغاز داخل وخارج ليبيا.

وتمتلك المؤسسة الوطنية للنفط بالكامل شركات تقوم بالاستكشاف والتطوير والإنتاج للنفط والغاز، إضافة إلى شركات التسويق الداخلي والخارجي، كما ترتبط بعقود مشاركة مع شركات عالمية مختصة في تلك المجالات، وقد تطورت تلك العقود إلى أن وصلت إلى اتفاقيات استكشاف وانتاج وفق التطور العالمي لصناعة النفط والغاز.

مناقشة