القاهرة — سبوتنيك. "تجد الحكومة السوفيتية نفسها مضطرة إلى لفت نظركم إلى الحرب العدوانية التي تشنها بريطانيا وفرنسا ضد مصر، والتي لها أوخم العواقب على قضية السلام. ترى كيف كانت بريطانيا تجد نفسها إذا ما هاجمتها دولة أكثر قوة تملك كل أنواع أسلحة التدمير الحديثة؟ هناك دولة الآن لا يلزمها إرسال أسطول أو قوة جوية إلى سواحل بريطانيا بل يمكنها استخدام وسائل أخرى مثل الصواريخ. إننا مصممون على سحق المعتدين، وإعادة السلام إلى نصابه في الشرق الأوسط، عن طريق استخدام القوة. إننا نأمل في هذه اللحظة الحاسمة أن تأخذوا حذركم، وتفكروا في العواقب المترتبة على ذلك"، كان هذا نص الإنذار الذي وجهه الاتحاد السوفيتي لدول العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.
الإنذار السوفيتي الذي اشتهر باسم "إنذار بولغانين" صدر في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر 1956، وكان تثيره كالسحر، إذ أعلنت كلا من بريطانيا وفرنسا وقف الحرب في السابع من تشرين الثاني/ نوفمبر، أي قبل انقضاء 48 ساعة على الإنذار، بينما لم تتوقف موسكو عن تهديدها وتأكيد موقفها فنشرت وكالة الأنباء الروسية الرسمية بيانها الشهير الذي أكد أن قيادة الاتحاد السوفيتي "تؤكد أنه في حال عدم سحب فرنسا وبريطانيا وإسرائيل لقواتها من الأراضي المصرية فإن الهيئات السوفيتية لن تتردد في السماح بالسفر للمتطوعين من المواطنين الروس للقتال إلى جانب الشعب المصري ودعمه في نضاله من أجل الاستقلال"، الموقف السوفيتي بالنسبة لدولة حديثة الاستقلال تواجه قوتيين عظميين كان بمثابة طوق نجاة من أزمة كانت لتعيد مصر إلى ما قبل الاستقلال.
وحصل هذا فيما كانت العلاقات بين القاهرة وموسكو والتي بدأت رسميا في 26 آب/ أغسطس 1943، حديثة للغاية فلم يكن مر عليها 15 عام، ولكن هذا الموقف جعلها أمتن من علاقات أخرى ضاربة في القدم.
وربما كان موقف موسكو إلى جانب مصر هو الأقوى لكنه لم يكن الموقف الوحيد الذي ساندت موسكو فيه القاهرة في ظل أزماتها، ففي كل مرة كانت تواجه مصر تعنت وضغوط من الغرب، كان يأتي الدعم من الشرق، سواء بقول موسكو توريد السلاح لمصر مقابل القطن عام 1955، أو بتوجيه قيادة موسكو الأوامر لسفن القمح للتوجه إلى ميناء الإسكندرية لمواجهة منع القمح الأمريكي عن مصر عام 1964.
ولكن إعادة تسليح وبناء الجيش المصري في أعقاب حرب 1967 كان الأبرز في تاريخ العلاقات بين القاهرة وموسكو، فعلى مدار ست سنوات تمكن الجيش المصري من استعادة قدراته القتالية وإتمام استعداده لخوض حرب تحرير سيناء بدعم غير محدود من مخازن الجيش السوفيتي، حتى اعتبرت حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973 حربا ليس فقط بين مصر وسوريا من ناحية وإسرائيل من ناحية، بل بين السلاح الروسي والسلاح الأمريكي الذي حارب به الجيش الإسرائيلي، كانت الحرب علامة فارقة في دور وسائل الدفاع الجوي الروسي وخاصة صواريخ سام 6 وسام 7 في مواجهة طائرات الفانتوم الأمريكي وقتها.
شكلت العلاقات بين القاهرة وموسكو في خمسينات وستينات القرن العشرين تحالفا صلبا في مواجهة القوى الاستعمارية، واعتبرت موسكو ملاذا للقاهرة ضد ضغوط واعتداءات الغرب. ورغم فتور تلك العلاقات برحيل عبد الناصر عام 1970 وصعود السادات بخيارات سياسية تختلف عن خيارات عبد الناصر، إلا أن المكانة التي شغلتها موسكو لدى المصريين كصديق داعم لمصر لم تتغير.
وفي عهد مبارك زال الجليد نسبيا عن العلاقات المصرية الروسية وعادت العلاقات تدريجيا بين القاهرة وموسكو، حيث التقى مبارك في زيارات متبادلة قادة روسيا منذ عام 1990، غورباتشوف ويلتسين وبوتين ومدفيديف.
ولكن عام 2013 عادت السمة الرئيسية للعلاقات بين القاهرة وموسكو، كصديق وقت المحن، فبينما واجه النظام المصري ضغوطا شديدة من قبل الولايات المتّحدة والاتحاد الأوروبي عقب الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي، وهو ما اعتبر من قبل واشنطن وبروكسل انقلابا، دعمت موسكو النظام المصري سياسيا في مواجهة الضغوط.
وشهدت زيارات السيسي منذ كان وزيرا للدفاع ترحيبا روسياً خفف الضغوط عن القاهرة، واستمرت تلك الزيارات بعد توليه الرئاسة، ولكن مع المزيد من التعاون العسكري والاقتصادي والتجاري، والذي انتقل إلى مرحلة جديدة بتوقيع اتفاقية مشروع بناء محطة للطاقة النووية في منطقة الضبعة بمصر، وإنشاء منطقة صناعية روسية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس في إشارات واضحة إلى عودة التعاون بين البلدين لمستوى التحالف الاستراتيجي.
ويضيف العرابي "أعتقد أن آفاق العلاقات المصرية الروسية حاليا أرحب حتى من فترة الستينات، فبداية العلاقات المصرية الروسية كانت في ظل الاتحاد السوفياتي، والذي كانت تتحكم في علاقاته الخارجية الاعتبارات العقائدية والإيديولوجية، أما الآن فروسيا أكثر مرونة في العلاقات الخارجية بعد أن تحررت من الاعتبارات العقائدية، وأصبحت المصالح المشتركة والتعاون والشراكة أساس العلاقات والتحالفات، وهو ما يدعم العلاقات بين بلدين يحتاج كلا منهما للآخر".
ربما تغير الكثير منذ عام 1943، وبداية العلاقات بين القاهرة وموسكو، حتى أن مصر لم تعد هي نفسها الدولة حديثة الاستقلال، ولم تعد روسيا هي قلب الاتحاد السوفياتي بأيديولوجيته، ولكن جوهر العلاقة بين البلدين اللذان تغيرا لم تتغير.