تحذيرات خرجت من قبل جهات متعددة تتنبأ بكساد أو ركود اقتصادي بدأ بالفعل، وهو الأسوأ منذ الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008 أو حتى الركود العظيم عام 1929، ونهايته وآثاره لا تبدو واضحة المعالم.
أمد الركود الاقتصادي
وحول الركود أو الكساد وإذا ما كان هناك فرق بينهما، والكارثة الاقتصادية المتوقع حدوثها في حال طال أمد الإجراءات المتبعة حاليا في العالم لمنع انتشار فيروس كورونا، تحدث الخبير الاقتصادي عمار وقاف من العاصمة البريطانية لندن لوكالة "سبوتنيك" حول ذلك ويقول: كلمة كساد وركود تحملان المعنى نفسه وهي ترجمة لكلمة Recession، لكن كلمة كساد باللغة العربية تعطي إيحاء بأنها لمدة أطول، وبالتالي كلمة ركود هي الكلمة الأصح، لأن الكل متوقع أن يكون الموضوع مؤقت وليس مستدام، وهذا يعطي الأمل لدى الناس بأنه قريبا سترفع القيود وستعود الحركة كما كانت، ولكن هذا الافتراض ليس بالضرورة أن يكون صحيح 100%.
ويرى وقاف بأن الكساد سيأخذ وقتا، حيث أن الاقتصاد العالمي كان يمشي باندفاع معين، وعجلة الاقتصاد توقفت وإعادة دورانها يحتاج إلى وقت لكي تدور رويدا رويدا، ويتابع: الموضوع في فكرة الكساد وأن يعود الاقتصاد إلى ما كان عليه، يتعلق بالعرض والطلب، وطالما حافظنا على القدرة الشرائية للناس، عن طريق دفع رواتب أو قسم معين منها للغالبية العظمى من الناس، فهؤلاء سيعودون إلى الشراء بعد رفع القيود مباشرة، ولنتحدث مثلا عن تجارة الألبسة أو الإلكترونيات أو السيارات، فمن الممكن أن يعود الشخص إلى شراء هذه المنتجات بعد انتهاء الإجراءات الحالية.
ويكمل وقاف: في حال عاد الطلب من جديد يكون من السهل إعادة تشغيل خطوط الإمداد للمنتجات، طالما كل شيء موجود من عمال ومصانع وآليات، لكن هذا الموضوع إنما يجتاج إلى وقت فقط، وهذا يختلف عن فترة كساد غير معروفة النهاية.
نتائج معروفة
يتوقع الخبير الاقتصادي بأنه يمكن التحكم بالسيناريو القادم والنتائج التي قد تخرج منه، لأن الكساد لم يكن للمرة الأولى على العالم، والذي مر بتجربة مشابهة في ثلاثينيات القرن الماضي، ويوضح فكرته بما يلي: في الثلاثينات من القرن الماضي لم يكن أحد يعرف كيف يمكن الخروج من الكساد ولم يكن هناك أي أفكار، حتى خرجت أفكار مثل أفكار جون كينز بأن يكون لدى الدولة القدرة لكي تصرف على تحسين البنية التحتية، وهذا ما يحفز الاقتصاد، وهذا ما جعل الولايات المتحدة تتجاوز الكساد، وبعد ذلك جاءت الحرب العالمية الثانية، وكانت هناك محفزات أخرى مثل تجارة الأسلحة وغيرها.
ويواصل حديثه: الآن هناك معرفة أكثر حول هذا الموضوع، والناس جميعهم يعلمون مالذي سيحدث، ولكن المسألة تبقى متعلقة بالتوقيت، وكم من الوقت يمكن أن يأخذ هذا الركود، وآليات الخروج منه موجودة، والمحافظة على القدرة الشرائية لدى المستهلك يمكن ضمانها إلى حد معين، وبالتالي يمكن أن يشتري ساعة جديدة أو منتج إلكتروني، وهذا بشكل عام.
ويستدرك الخبير وقاف: أما بشكل خاص ليس بالضرورة أن يتم المحافظة على هيئات اقتصادية بعينها إن طالت الأزمة من دون تكلفة عالية جدا، فلدينا انخفاض كبير في الطلب العالمي في أسواق النفط، وهذا أدى إلى ضجيج في أمريكا بأن الشركات تخسر وإذا استمر هذا الوضع سيؤدي ذلك إلى الإفلاس والخروج من السوق، فيضغطون على الإدارة سياسيا من أجل إيجاد حل للخروج من الأزمة.
ويكمل: فترة الركود ستتبعها فترة نمو والجميع يعرف ماذا سيكون بعد هذه الفترة، حيث يتزايد الطلب العالمي على النفط بعد عودة عجلة الحياة إلى دورانها، لكن لا شيء يمنع أن تظهر شركات جديدة مكان الحالية، وأن تستخدم نفس الأساليب والطرق في العمل واستخراج النفط.
ويستطرد: الديون جزء أساسي من عمل أي شركة، ولكل مؤسسة هناك نسبة من الاقتراض، وقدرتها على دفع المستحقات تتناقص عندما تخف الأرباح وتقل المبيعات، وهذا سيؤدي إلى الخروج وإفلاس عدد من الشركات.
خسائر محدودة
ويعتقد وقاف بأن الحل الحالي يرتكز على الحد من الخسائر التي قد تنجم عن هذا الركود، ويرى الإجراءات الاقتصادية الحالية من قبل الدول هي للتقليل من الآثار خلال الفترة القادمة، ويشرح: الحكومات الغربية وبشكل عام تحاول أن تضمن بأن لا يتسبب هذا الركود بخسارات كبيرة لمؤسسات صناعية وتجارية، وألا ينفرط عقدها كمؤسسة أو أن تخسر موظفيها وتعود للصفر لتوظف أناس من جديد وتعيد هيكليتها وإلى ما ذلك من الأمور المتعلقة بالمؤسسات.
ويكمل: لذلك تقوم الحكومات بسلسلة من التحفيزات الاقتصادية والتي تعتمد على الاقتراض، هم لا يستطيعون طبع أموال بهذا الشكل حاليا، وإنما يتوجب عليهم الاقتراض من المصارف كالمركزي وغيره، بحيث تكون هذه المؤسسات قادرة على دفع رواتب العمال والموظفين وغيرهم، وأن تحاول الإبقاء على نشاط اقتصادي بالحد الأدنى عن طريق تشجيع الشركات لإرسال موظفيها للعمل في المنزل مثلا ما أمكن، بالطبع المصانع غير قادرة على القيام بذلك.
ويستطرد: بعد فترة الركود المتوقع أن تكون مؤقتة، سيتوجب العمل على إيجاد مكان لهذه الشركات في السوق، وإيجاد عمال وماركة تجارية وخطوط إمداد من البداية، والحكومات اتفقت على إعطاء هذه المؤسسات نوع من الحقن المهدئة أو المنعشة، لكن لا يوجد أي شيء يؤكد أن ذلك سينجح مئة بالمئة، لكن هذا هو الحد الأقصى الذي يستطيعون القيام به.
ويضيف وقاف: الحد الأقصى الذي يمكن علمه هو اقتراض الأموال ودعم المؤسسات لكي لا تفلس، بحيث تعود المؤسسات في أول فرصة بعد رفع القيود، وهذا لا يشكل ضمانة كاملة، لأن ذلك لا يتعلق بدولة لوحدها فقط، حيث أن هناك مؤسسات تملك مصانعها في بلدان أخرى، فإذا تم رفع القيود عن الشركات في الولايات المتحدة مثلا، فإن البعض من هذه الشركات تقوم بالتصنيع في آسيا أو الصين أو غيرها من المناطق، التي قد لا يتم رفع الحظر عنها، وهذا يؤدي إلى أن هذه الشركات لن تستفد شيئا من رفع القيود في الولايات المتحدة، بسبب وجود قسم من الأعمال معطل.
ويضيف: مبدئيا يقومون بأقصى ما يستطيعون لكي تبقى هذه الشركات محافظة على كيانها ووجودها، لكن ذلك لا يعني أن جميع الأعمال أو كل شيء سيعود إلى طبيعته لحظة رفع القيود، لأن ذلك يعتمد على ماهية انتشار المرض، وماهية القيود في بلدان أخرى.
الدعم عن طريق المصارف
ويشير الخبير وقاف إلى أن الحكومات تقود عمليات الدعم لتوفير السيولة اللازمة، وعمليات ضمان لتغطية رؤوس الأموال المطلوبة لدى المصارف عند الحاجة، وبأن هذه البنوك ستضرر لأنها أقرضت بعض الشركات التي ستفلس وهذه الأموال لن تعود.
ويكمل حديثه: الشيء الذي نراه حاليا أن الدول والبنوك المركزية تقدم الضمانات لهذه البنوك العاملة، والتي هي من مفاصل الاقتصاد، ويتم الاعتماد عليها الآن أكثر مما سبق، وأضرب مثال على ذلك الحكومة في إنجلترا تقدم دعما كبيرا عن طريق المصارف، حيث أنها طلبت منها تقديم قروض مع فترة سماح لفترة عام وبفوائد مخفضة، مع تحمل المخاطر من قبل المصرف المركزي أو الحكومة.
آثار الكساد المتوقعة
يرى العديد من الاقتصاديين بأن الآثار التي يمكن أن تحل على الاقتصاد العالمي قد تصل إلى ما وصلت إليه عام 1929، حيث ارتفعت نسبة البطالة إلى حد مخيف، وانهارت أسواق المال بشكل تام، وعن هذه النقطة يقول الخبير عمار وقاف: كان هناك تخوف من تكرار سيناريو الكساد العظيم عام 1929، وهذا دعا الحكومات إلى القيام بإجراءات التحفيز بالأرقام المهولة التي نسمعها، من أجل بث روح من التشجيع والضمانات والأمان لدى المستثمرين الصغار.
ويكمل: نحن رأينا انخفاضا في أسواق الأسهم لكننا لم نجد انهيارا، والانخفاض توقف إلى حد معين نتيجة هذه الإجراءات، والمنطق السائد هو إنك إذا لم تحتج لبيع الأسهم فلا داعي لذلك لأنها فترة مؤقتة، وستعود الأسهم للارتفاع مرة أخرى، ولكن لم يعد هناك خوف كبير من الدخول في نفق غير معروف النهاية.
ويواصل الخبير كلامه: هناك ضوء في نهاية النفق لكننا لا نعرف متى نصل إليه، وعلى الجميع الصبر خلال هذه الفترة، والمنطق العام هو أنه أمر مؤقت فقط وهذا ما منع الانهيارات بشكل عام، والدفوعات التي تمنحها الحكومات لدفع الرواتب، يؤدي إلى الحفاظ على القدرة الشرائية للحاجات الأساسية، وهذا الشيء لا يؤدي إلى هلع يمكن أن يصل إلى انهيار.
وينوه وقاف إلى أنه في الدول المتقدمة الاقتصادية هناك دعوات لإنهاء حالة الحجر بأسرع وقت ممكن، لكون المؤسسات لا تستطيع تحمل الوضع القائم، رغم أن الدولة أقرت حزم إنقاذية بأرقام فلكية، وطرح مثال على ذلك الرئيس الأمريكي الذي يتحدث كل يوم عن عودة الحياة، لأنه من غير المعقول إيقاف الاقتصاد بهذا الشكل.
ويختم حديثه: في حديث الرئيس ترامب هناك نوع من تحضير الرأي العام للمزيد من الضحايا وانتشار المرض، على أساس أن العلاج أو الترياق لا يجب أن يكون أشد من المرض، بمعنى إذا وصلت الولايات المتحدة إلى مرحلة، الناس قد تموت فيها من الجوع، فنحن نقبل بمرض كورونا ولا ندخل إلى شيء لا نهائي من المشاكل التي قد تؤدي إلى قتلى وجوع وأشياء أخرى.