فرغم التفاؤل بتصريحات وزير العدل في الحكومة الانتقالية نصر الدين عبد الباري، بأنه يتوقع الانتهاء من إجراءات تمرير قانون تجريم ختان الإناث خلال أيام من قبل مجلس السيادة ومجلس الوزراء وترحيب المنظمات الدولية والحقوقيون.. إلا أن هناك مخاوف من الإصطدام بالعادات والتقاليد.
ووفقا لما تداولته بعض وسائل الإعلام فمن المتوقع أن يحمل القانون عقوبات تصل إلى الحبس ثلاث سنوات وغرامات مالية لمن يقوم بهذا الفعل، وفقا لما جاء في تعديلات مجلس الوزراء على قانون الجنايات.
وفي ظل حكم عمر البشير، الذي تمت الإطاحة به في أبريل/نيسان من العام الماضي، قال بعض رجال الدين السودانيين إن أشكال ختان الإناث جائزة من الناحية الدينية، بحجة أن الجدل الوحيد الذي كان دائرا هو بشأن ما إذا كان ذلك مطلوبا أم لا.
وقال محمد هاشم الحكيم، رجل دين مسلم سوداني يعارض الختان، إنه "يجب على رجال الدين مواجهة محاولات إدراج الحكم الديني في عادة متجذرة إلى حد كبير في الثقافة". وكشف أن "هذه الممارسة تسبق الإسلام وتتجاوز الخطوط الدينية.. لا يستطيع أحد أن يقول إن الممارسة الضارة تنتمي إلى الدين".
في الوقت ذاته رحبت الطبقة المثقفة أو المدنية بتلك الخطوة واعتبروها بداية لتصحيح المسار نحو مجتمع الحرية والعدالة والمساواة.. فهل تنجح القوانين في إنهاء معاناة وآلام المرأة السودانية؟
عادات ضارة
قال خليل أحمد دود الرجال رئيس مفوضية العدالة الشاملة بالسودان، "حسب رأيي المادة التي أضيفت في قانون العقوبات والخاصة بختان الإناث هى مادة ممتازة، نظرا لما لهذه العادة من أضرار صحية تلحق بالنساء، في ظل فقر بلادنا للمرافق الصحية في مجال التوليد خاصة، إذ أن تلك العادة لها تأثير سلبي على عملية الإنجاب بحسب خبراء الطب".
وأشار دود الرجال إلى أن العافية بدأت تدب في أوصال القوانين السودانية، غير أن القضاء يظل هو العقبة الحقيقة الرئيسية.
يصيب بالعقم
أما الباحثة في التراث السوداني الدكتورة نوارة بافلي، فأشارت إلى أن "ختان الإناث من العادات القديمة السائدة في المجتمعات السودانية، حيث يرجع تاريخ ختان الإناث كما تقول كثير من الأساطير إلى عهد فرعون حينما حدثه الكهنة عن ولادة طفل يمكن أن ينقلب عليه وعلى حكمه، ففكر فرعون وأعوانه في كيفية معرفة نوع المولود".
وأضافت باحثة التراث لـ"سبوتنيك"، "فكان كلما ولد ذكر قتله فرعون خشية أن ينقلب عليه، وبعدها اتبعت عادة ختان الإناث أو بمعنى آخر إصابتهن بالعقم في عدد من الدول الأفريقية والآسيوية كالسودان والصومال وإندونيسيا، وغيرها من الدول".
المعاناة تبدأ بالختان
وتابعت بافلي، "ينقسم الختان إلى قسمين كما هو معروف في السودان، الختان الفرعوني وهو النوع الأخطر، وتجرى هذه العمليات البالغة الألم للبنات من عمر سنة إلى ٧ سنوات تقريبا وبدون بنج، إذ تعاني الطفلة من الألم والتخويف من النساء في حالة الرفض، ويعتبر المجتمع السوداني الختان هو وسيلة لحفظ البنت وحفظ شرفها".
وأشارت باحثة التراث إلى أن "عملية الختان تقوم بها القابلات بالتعاون مع النساء كبيرات السن والأمهات، حيث تقوم النساء بإغراء الأطفال بدفع مبالغ طائلة من النقود ووضع الحنة على أيديهن وأقدامهن وتزيينهن بأحلى الحلي والملابس، ووضع أجمل العطور عليهن، كل هذه الاغراءات تشجع البنات الصغيرات على القبول والخضوع لهذه العملية دون التفكير في عواقبها لصغر سنهن".
ولفتت بافلية إلى:
معاناة الطفلة السودانية تبدأ بعملية الختان، إذ تتعثر الطفلة في إخراج البول وتعاني أيام ليست بالقليلة، حتى تتماثل للشفاء وذلك إذا لم يتعرض هذا الجرح للتلوث ويلتهب، وتتردى حالة الطفلة إلى أن تموت في بعض الأحيان، وتتواصل رحلة المعاناة حين تزف البنت للزواج، إذ تعاني أشد المعاناة من تلك العملية الجراحية التي تقف عائقا أمام ممارسة الحياة الزوجية بأمان، مما يعرضها للخوف والفوبيا من الحياة الزوجية مما تعانيه من الألم بسبب الختان، وتستمر المعاناة، إلى أن تأتي فترة الإنجاب، إذ نجد كثير من النساء السودانيات يمتن من تعثر الولادة أو يمروا بنزيف حاد يترك لها آثارا نفسية وجسدية وخيمة، وعانت النساء السودانيات من هذه العادة من قديم الزمان وبدأت منظمات المجتمع المدني وبعض الجامعات مثل جامعة الأحفاد للبنات بمدينة (أم درمان) بالسودان، بتوعية المجتمعات السودانية المختلفة لترك هذه العادات، والتعامل معها كعادة ضارة، وتوجه جامعة الأحفاد قافلات سنوية تغطي جميع مناطق السودان لمحاربة العادات الضارة والتوعية المجتمعية، لكن المشكلة تكمن في ربط المجتمع السوداني عادة الختان بالشرف وحفظ البنت، لكن الحكومة السودانية قامت بتجريم عادة ختان الإناث وشددت العقوبات على مرتكبي تلك الجريمة.
الختان جريمة
من جانبه قال وليد أبو زيد الأمين العام لمجموعة "حنبنيهو"، إن "ختان الإناث جريمة مكتملة ليست ضد المرأة فقط بل ضد الإنسانية و الأخلاق، ونؤيد توقيع عقوبة مشددة على مرتكبي هذه الجريمة".
عادة قديمة
أما ٱمنة أحمد مختار مؤسسة حزب الخضر السوداني فقالت، إن "ختان الإناث ممنوع بحكم القانون من فترة طويلة ولكنه يتم بطرق سرية ولم يطبق القانون، لكن خلال العقدين الماضيين كان هناك وعي كبير لدى الناس بالأضرار الجسيمة لتلك العادة على الأسرة والمجتمع بشكل عام".
وأضافت مؤسسة حزب الخضر لـ"سبوتنيك"، "الآن لم أعد أسمع بحالات ختان في المدن والبلدات الريفية الكبيرة بشكل خاص، وعلى أية حال، إدراج عقوبات رادعة من السجن والغرامة هو خير كبير، ولكن المحك يظل في تنفيذ العقوبة وعدم التساهل مع المخالفين".
الخارجية السودانية
وقالت وزارة الخارجية السودانية، في وقت سابق إن مادة جديدة ستضاف إلى القانون الجنائي للبلاد تنص على حظر تشويه الأعضاء التناسلية للنساء، لافتة أن ذلك يأتي في إطار التزام الحكومة بالاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.
مرفوضة اجتماعيا
ومن جانبها قالت أمل الصادق كبر أمينة المرأة في مبادرة "حنبنيهو"، إن "ختان الإناث عادة سيئة تتسبب في تشوية الأعضاء التناسلية للطفلة، ويمكن أن تتسبب في مشاكل فورية ومعقدة، منها النزيف الحاد والألم الذي لا تجدي معه أي مسكنات، هذا علاوة على أن الطفلة يمكن أن تصاب بالحمى والصدمة، كما يمكن أن تصاحبها حالة نفسية طويلة المدى، بجانب الحرقان والالتهابات العامة، كما يمكن أن تصاب الطفلة بمرض "الكزاز" وهو فيروس نقص المناعة البشرية والذي قد ينتج عن استخدام الأدوات غير المعقمة".
وأضافت أمينة المرأة لـ"سبوتنيك"، أن "ظاهرة الختان مرفوضة اجتماعيا وخاصة عند الأمهات المتعلمات، حيث تجد أن الطبقة المتعلمة من النساء والرجال يرفضوا هذه الظاهرة، لكن ما زالت هذه الظاهر موجوده في الريف وبعض القرى النائية، لكن الإحصائيات المنشورة خلال الأعوام الثلاث الماضية تقول إن 90 بالمئة من السودانيين يقومون بختان الإناث وبشكل خاص في المناطق الريفية، وقد دشنت حملات للنهي عن تلك العادة مثل حملة (سليمة ضد الختان)".
وتابعت الصادق، أن إدراج مادة في قانون العقوبات ضد من يمارس أو يعرض الطفلة لمثل تلك الأعمال للعقوبات قد تخفف أو تردع نسبة بسيطة ممن يقومون بتلك العادة، لكن المعروف أن عملية الختان تتم في الخفاء وليس بالعلن.
الخارجية السودانية
من جانبها قالت الخارجية السودانية في وقت سابق إنه "لا شك أن هذه المادة ستسهم في معالجة واحدة من أخطر الممارسات الاجتماعية التي تشكل انتهاكا واضحًا ضد المرأة وحقوقها".
وأضافت الخارجية السودانية "أن إقرار ذلك خطوة متقدمة من أجل إنهاء هذا الاتجاه السائد ذو الجذور الاجتماعية، وترحب وزارة الخارجية بهذا القرار وتثق بكفاءة السلطات السودانية المعينة وقدرتها ومهنيتها في حماية واحترام النساء وتعزيز "بشكل عام، ولا سيما حقوقهم الصحية والاجتماعية".
وأبرزت الوزارة أنه من أجل تطبيق هذا القانون بنجاح، يجب أن يكون هناك جهد مجتمعي وتنسيق بين "جميع الأطراف"، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية، في رفع الوعي بهذه القضية من خلال التواصل مع المجتمع.
ورحبت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" بالإجراء، ودعت في بيان لها إلى ضرورة إعلام القابلات ومقدمي الخدمات الصحية والآباء والأمهات والشباب بالتشريع الجديد.
وتعرضت الملايين من الفتيات والسيدات للختان في دول أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا، باختلاف الأسباب، ولكن يعتقد الكثيرون أن هذه العملية تحافظ على نظافة المرأة وتحمي عفتها من خلال التحكم في رغبتها الجنسية، هذه العملية يديرها ويقرها رجال الدين من خلال آرائهم وفتاواهم. البعض يفعل هذه الممارسة ويقبلها، والبعض الآخر يعمل على القضاء عليها والبعض الآخر يعتبرها غير ذات صلة بالدين.
ومنذ 21 أغسطس/ آب الماضي، يشهد السودان، فترة انتقالية تستمر 39 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات، ويتقاسم السلطة خلالها كل من المجلس العسكري، وقوى "إعلان الحرية والتغيير"، قائدة الحراك الشعبي.