في الوقت ذاته يرى مراقبون أن قضية الختان هى إرث مجتمعي لا يمكن القضاء عليه بالتشريعات والقوانيين والأمر يتطلب وعي وثقافة مجتمعية وصحية وحرية في التعبير للرجل والمرأة مفقودة منذ عقود.
وقالت أمل الصادق كبر أمينة المرأة في مبادرة "حنبنيهو"، إن "ختان الإناث عادة سيئة تتسبب في تشوية الأعضاء التناسلية للطفلة، ويمكن أن تتسبب في مشاكل فورية ومعقدة، منها النزيف الحاد والألم الذي لا تجدي معه أي مسكنات، هذا علاوة على أن الطفلة يمكن أن تصاب بالحمى والصدمة، كما يمكن أن تصاحبها حالة نفسية طويلة المدى، بجانب الحرقان والالتهابات العامة، كما يمكن أن تصاب الطفلة بمرض "الكزاز" وهو فيروس نقص المناعة البشرية والذي قد ينتج عن استخدام الأدوات غير المعقمة".
وأضافت أمينة المرأة لـ"سبوتنيك"، أن "ظاهرة الختان مرفوضة اجتماعيا وخاصة عند الأمهات المتعلمات، حيث تجد أن الطبقة المتعلمة من النساء والرجال يرفضوا هذه الظاهرة، لكن ما زالت هذه الظاهر موجوده في الريف وبعض القرى النائية، لكن الإحصائيات المنشورة خلال الأعوام الثلاث الماضية تقول إن 90 بالمئة من السودانيين يقومون بختان الإناث وبشكل خاص في المناطق الريفية، وقد دشنت حملات للنهي عن تلك العادة مثل حملة (سليمة ضد الختان)".
وتابعت الصادق، أن إدراج مادة في قانون العقوبات ضد من يمارس أو يعرض الطفلة لمثل تلك الأعمال للعقوبات قد تخفف أو تردع نسبة بسيطة ممن يقومون بتلك العادة، لكن المعروف أن عملية الختان تتم في الخفاء وليس بالعلن.
وقال خليل أحمد دود الرجال رئيس مفوضية العدالة الشاملة بالسودان، "حسب رأيي المادة التي أضيفت في قانون العقوبات والخاصة بختان الإناث هى مادة ممتازة، نظرا لما لهذه العادة من أضرار صحية تلحق بالنساء، في ظل فقر بلادنا للمرافق الصحية في مجال التوليد خاصة، إذ أن تلك العادة لها تأثير سلبي على عمليةالإنجاب بحسب خبراء الطب".
وأضاف رئيس مفوضية العدالة لـ"سبوتنيك"، "نبارك الخطوة تماما ونأمل أن يتم ترقيع وتنقيح القوانين السودانية من جميع الشوائب الضارة التي ألحقها بها النظام السابق، وأخص بالترقيع القانون الجنائي السوداني، هذا القانون الذي لم تتسم مواده بصفة الإلزام والوجوب، وفي اعتقادي أن الغالبية من السودانيين سيكون وراءها في ظل نشر الوعي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبالتأكيد يرفضه البعض لأن هناك من يتمسكون بعادات وتقاليد اسلافهم وإن كانت ضارة أو غير ذلك لكنهم بالطبع هم أقلية".
وأشار دود الرجال إلى أن العافية بدأت تدب في أوصال القوانين السودانية، غير أن القضاء يظل هو العقبة الحقيقة الرئيسية.
جريمة مكتملة
من جانبه قال وليد أبو زيد الأمين العام لمجموعة "حنبنيهو"، إن "ختان الإناث جريمة مكتملة ليست ضد المرأة فقط بل ضد الإنسانية و الأخلاق، ونؤيد توقيع عقوبة مشددة على مرتكبي هذه الجريمة".
عادة قديمة
أما الدكتورة نوارة بافلي الباحثة في التراث السوداني فأشارت إلى أن ختان الإناث من العادات القديمة السائدة في المجتمعات السودانية، حيث يرجع تاريخ ختان الإناث كما تقول كثير من الأساطير إلى عهد فرعون حينما حدثه الكهنة عن ولادة طفل يمكن أن ينقلب عليه وعلى حكمه، ففكر فرعون وأعوانه في كيفية معرفة نوع المولود تحسبا لقدوم ذلك المولود المذكر.
وأضافت باحثة التراث لـ"سبوتنيك"، فكان كلما ولد ذكر قتله فرعون خشية أن ينقلب عليه، وبعدها اتبعت عادة ختان الإناث أو بمعنى آخر إصابتهن بالعقم في عدد من الدول الأفريقية والأسيوية كالسودان والصومال وإندونيسيا، وغيرها من الدول.
الختان الفرعوني
وتابعت بافلي، ينقسم الختان إلى قسمين كما هو معروف في السودان، الختان الفرعوني وهو النوع الأخطر، وتجرى هذه العمليات البالغة الألم للبنات من عمر سنة إلى ٧ سنوات تقريبا وبدون بنج، إذ تعاني الطفلة من الألم والتخويف من النساء في حالة الرفض، ويعتبر المجتمع السوداني الختان هو وسيلة لحفظ البنت وحفظ شرفها.
ولفتت بافلي، إلى أن بداية معاناة الطفلة السودانية تبدأ بعملية الختان، إذ تتعثر الطفلة في إخراج البول وتعاني أيام ليست بالقليلة، حتى تتماثل للشفاء وذلك إذا لم يتعرض هذا الجرح للتلوث ويلتهب، وتتردى حالة الطفلة إلى أن تموت في بعض الأحيان، وتتواصل رحلة المعاناة حين تزف البنت للزواج، إذ تعاني أشد المعاناة من تلك العملية الجراحية التي تقف عائقا أمام ممارسة الحياة الزوجية بأمان، مما يعرضها للخوف والفوبيا من الحياة الزوجية مما تعانيه من الألم بسبب الختان، وتستمر المعاناة، إلى أن تأتي فترة الإنجاب، إذ نجد كثير من النساء السودانيات يمتن من تعثر الولادة أو يمروا بنزيف حاد يترك لها آثارا نفسية وجسدية وخيمة، وعانت النساء السودانيات من هذه العادة من قديم الزمان وبدأت منظمات المجتمع المدني وبعض الجامعات مثل جامعة الأحفاد للبنات بمدينة (أم درمان) بالسودان، بتوعية المجتمعات السودانية المختلفة لترك هذه العادات، والتعامل معها كعادة ضارة، وتوجه جامعة الأحفاد قافلات سنوية تغطي جميع مناطق السودان لمحاربة العادات الضارة والتوعية المجتمعية، لكن المشكلة تكمن في ربط المجتمع السوداني عادة الختان بالشرف وحفظ البنت، لكن الحكومة السودانية قامت بتجريم عادة ختان الإناث وشددت العقوبات على مرتكبي تلك الجريمة.
الوعي المجتمعي
وقالت ٱمنة أحمد مختار مؤسسة حزب الخضر السوداني، إن "ختان الإناث ممنوع بحكم القانون من فترة طويلة ولكنه يتم بطرق سرية ولم يطبق القانون، لكن خلال العقدين الماضيين كان هناك وعي كبير لدى الناس بالأضرار الجسيمة لتلك العادة على الأسرة والمجتمع بشكل عام".
وقالت وزارة الخارجية السودانية، في بيان، إن مادة جديدة ستُضاف إلى القانون الجنائي للبلاد تنص على حظر تشويه الأعضاء التناسلية للنساء، لافتة أن ذلك يأتي في إطار التزام الحكومة بالاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.
وفقاً لبيانات الأمم المتحدة، فإن 87٪ من النساء والفتيات في السودان قد عانين من هذه الممارسة.
وقالت الخارجية السودانية إنه "لا شك أن هذه المادة ستسهم في معالجة واحدة من أخطر الممارسات الاجتماعية التي تشكل انتهاكا واضحًا ضد المرأة وجريمة ضد حقوق المرأة".
وأضافت الخارجية السودانية "أن إقرار ذلك خطوة متقدمة من أجل إنهاء هذا الاتجاه السائد ذو الجذور الاجتماعية، وترحب وزارة الخارجية بهذا القرار وتثق بكفاءة السلطات السودانية المعينة وقدرتها ومهنيتها في حماية واحترام النساء وتعزيز "بشكل عام، ولا سيما حقوقهم الصحية والاجتماعية".
ورأت الخارجية السودانية أن هذا التعديل القانوني يعد "علامة إيجابية في خلق مجتمع تتمتع فيه المرأة بجميع حقوقها، بما في ذلك ممارسة حقوقها وواجباتها".
ورحبت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" بالإجراء، ودعت في بيان لها إلى ضرورة إعلام القابلات ومقدمي الخدمات الصحية والآباء والأمهات والشباب بالتشريع الجديد.
وقال ممثل اليونسيف بالسودان، عبدالله فاضل إن "هذه الممارسة ليست فقط انتهاكًا لحقوق كل طفل، إنها ممارسة ضارة ولها عواقب وخيمة على الصحة البدنية والعقلية للفتاة لذلك، يجب على الحكومات والمجتمعات على حد سواء اتخاذ إجراءات فورية لإنهاء ذلك".
ومنذ 21 أغسطس/ آب الماضي، يشهد السودان، فترة انتقالية تستمر 39 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات، ويتقاسم السلطة خلالها كل من المجلس العسكري، وقوى "إعلان الحرية والتغيير"، قائدة الحراك الشعبي.