منظمة اليونيسيف، التابعة للأمم المتحدة، قالت في تقرير لها العام الماضي، إن نحو 8 آلاف أنثى تتعرض للختان يوميا على مستوى العالم، ما يعد انتهاكاً لحق المرأة، وحذرت المنظمة العالمية من هذه الظاهرة المنتشرة في عدد من الدول، خاصة الإفريقية، وتعد مصر أولى دول العالم في نسبة ختان الإناث.
فحسب تقرير لمنظمة اليونيسيف، في اليوم العالمي للختان، إنه في 30 بلدا، تسجل أكبر معدلات لهذه الممارسة، تعرضت غالبية الفتيات للختان قبل سن 5 سنوات، أما في أفريقيا والشرق الأوسط، فتعرضت أكثر من 130 مليون امرأة في 29 دولة للختان.
نصف عدد النساء اللواتي عانين من جراء هذه الممارسة، موطنهن في مصر وإثيوبيا واندونيسيا، وتكاد تكون ممارسة الختان معممة في دول مثل مصر والصومال وجيبوتي، حيث تتخطى نسبة النساء اللواتي تعرضن للختان الـ90%.
ولكن المشكلة لا تقتصر على النساء في المنطقة، إذ ارتفع عدد النساء المتعايشات مع الختان أو المتعرضات له من 168,000 في عام 1997 إلى 513,000 عام 2015 في الولايات المتحدة. أما في أوروبا، فيقدر أن مئات آلاف النساء قد تعرضن للختان فيما آلاف البنات معرضات له في المستقبل.
في مصر:
وتبذل السلطات المصرية، بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني، جهودا كبيرة للقضاء على ظاهرة الختان، إلا أن هذه الممارسة منتشرة بشكل كبير في مصر، وتشير العديد من الدراسات إلى أن سبب انتشار الظاهرة الفقر وضعف المستوى التعليمي والسكن في الريف، حيث التقاليد والعادات المترسخة المرتبطة بالظاهرة بين السكان، مسلمين وأقباطاً.
وحسب د. نعمت الدالي، الطبيبة الأكاديمية وأستاذة الجراحة العامة، فإن الحملات التي قامت بها الدولة المصرية خلال السنوات الـ10 الأخيرة، نجحت بشكل كبير في تحجيم وكبح الظاهرة خصوصاً في المحافظات المتمدنة، والمدن في محافظات الوجه البحري، ولكن الأمر ما زال متجذراً، فالأمر يشبه الحرب لحماية منطقة "مقدسة".
وتضيف "محافظات الوجه القبلي على وجه التحديد ما زالت تشهد هذه الممارسات، حيث يجريها أطباء باعوا ضمائرهم، وأحياناً يجريها ممرضون، غير متخصصين في الجراحة، ولكن قبل أي شيء تجري عملية الختان بناء على طلب الأهل، على الرغم من تجريمها، سواء بالنسبة للأهل أو للطبيب الذي يجريها، حيث أنهم معرضون للسجن حال القبض عليهم.
ويوضح د. سعد حسن، الوكيل السابق لوزارة الصحة المصرية، "كل سنة تغلق الدولة عدداً من المراكز الطبية التي تجري "الختان"، إلى جانب سحب عدد من تراخيص الأطباء الذين يمارسونه، منذ إقرار القانون عام 2008، الذي يقضي بتجريم تشويه أو بتر الأعضاء التناسلية للإناث وتخصيص عقوبة لمن يجري هذه العمليات بالحبس مدة تتراوح من ثلاثة أشهر إلى سنتين، وغرامة مالية".
وتابع "جهود وزارة الصحة خلال الأعوام الماضية، وبعض الجمعيات الأهلية وحملات التوعية، أسفرت عن انخفاض نسبة المختتنات في مصر، والنسبة ما زالت كبيرة، لكن الوعي بمكافحة هذه الممارسة يزداد، حيث أن الوزارة تتلقي العديد من البلاغات من الأهالي عن المراكز التي تجري فيها هذه العمليات، وبالتأكيد ستواصل جهودها لحين القضاء عليها".
من جانبها، نفت الدكتورة زهراء خفاجي، الناشطة في منظمة "نساء معاً"، أن يكون هناك رابط حقيقي بين الأديان وعملية الختان، مؤكدة أن بعض الدول التي يحدث فيها الختان إسلامية، ولكن ليست كلها، وفي الوقت نفسه هناك أنواع قاسية من الختان، لم توردها الشريعة، مثل الختان الإفريقي، وهو الأسوأ على الإطلاق.
في الصومال:
بالبحث عن ظاهرة الختان الإفريقي، وجدنا أن الدولة الأكبر التي تتم فيها عملية الختان هي الصومال، والتي تصل فيها النسبة إلى 98%، وهي نسبة ضخمة جداً، مقارنة بالدول الإفريقية الأخرى، بالإضافة إلى أن عملية الختان التي تحدث للصوماليات مختلفة تماماً، وتعتبر الأقسى والأسوأ بالفعل كما قالت خفاجي.
ويوضح د. إسماعيل هاشم، وهو طبيب مصري مقيم في الصومال، أنه برغم أن دستور البلاد يحظر ختان الإناث، فإنه يتم إخضاع الفتيات البالغ عمرهن ما بين أربعة أعوام و11 عاماً إلى العملية بسبب تمسك أبناء المجتمع الصومالي، وخاصة النساء المسنات، بعادات وتقاليد اجتماعية يعيدونها عن غير حق إلى الدين.
وحسب الطبيب، فإن هذه العملية تؤدي في كثير من الأحيان إلى الوفاة، بسبب النزف أو الصدمة أو تسمم الدم، حيث يعمد من يجري الجراحة إزالة البظر والشفرين الصغيرين وإغلاق الفرج كاملا بتخييط الشفرين الكبيرين ببعضهما، مع ترك فتحة صغيرة لخروج البول ودم الطمث، وهي بالطبع جراحة قاتلة، ولكن العادات والتقاليد لا يمكن الخروج عنها.
في السودان:
في إحصائية منظمة اليونيسيف الأخيرة، بلغت نسبة النساء المختنات نحو 88% من السيدات، على الرغم من الجهود التي تبذلها الحكومة السودانية للقضاء على الظاهرة، التي باتت تشكل عبئاً على اقتصاد الدولة بشكل حقيقي.
وحسب الكاتب الصحفي السوداني أحمد عمران، فإن هناك خطة أقرتها الحكومة السودانية، أطلقت عليها اسم الخطة العشرية، ويجري تنفيذها في الوقت الحالي بالتعاون بين الحكومة ومنظمات المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية، بهدف القضاء على ظاهرة ختان الإناث، بحلول عام 2018.
ولكن — والحديث للصحفي السوداني — ما زالت الظاهرة منتشرة، بسبب غياب الإجراءات على الأرض، حيث لم تتخذ الدولة أية إجراءات ملموسة، وكذلك لم تبدأ تفعيل ووضع وبث برامج تعليمية وتثقيفية مناهضة لظاهرة الختان.
وأرجع عمران، في تصريحات خاصة لـ"سبوتنيك"، الأسباب التي جعلت الدولة السودانية عاجزة عن المضي بخطى ثابتة في مكافحة الظاهرة، إلى ما تحتاجه من إمكانات اقتصادية وخبراء، وهو الأمر العسير توفيره في ظل الظروف الاقتصادية والعسكرية الحالية، بعد انفصال الشمال عن الجنوب، والخلافات الداخلية الدائمة.
وعن مرجعية الظاهرة، قال إنها ترجع إلى القبائل العربية التي استقرت في شمال السودان في القرن الـ14، ولكن هناك بعض المؤرخين يرون أن الفراعنة كانت لهم يد كبرى في بدء ظاهرة الختان في السودان، ولكن في كل الأحوال فإن من يتمسكون بها هم رجال الدين السلفيين في السودان.