يرى مراقبون أنه بعد الجولات السابقة في المفاوضات وبعد التعنت الإثيوبي المتكرر أصبحت الأمور أكثر وضوحا وشفافية أمام العالم، ورغم عدم تحقيق مكاسب مادية على الأرض إلا أن مكاسب سياسية حققتها القاهرة بتسويق الموقف الإثيوبي المخالف لكل المواثيق والأعراف الدولية، مشيرين إلى أن التمسك بالتفاوض هو مكسب سياسي سيؤدي في النهاية لمكسب تفاوضي، ويبدو أن القاهرة مستمرة في هذا الطريق إلى نهايته وأنها لن تتنازل عن قطرة مياه من حصتها.
الطريق الوحيد
قال الخبير الاستراتيجي في شؤون المياه بالشرق الأوسط، الدكتور نور أحمد عبد المنعم، إنه لا سبيل أمام مصروالسودان سوى المفاوضات، وهذه ليست المرة الأولى التي ترفض فيها إثيوبيا الاتفاق الملزم أو النهائي، إثيوبيا على الدوام توعد وتخلف الوعود وقد تفاجىء بتصرف غير مخطط مثل عملية ملء السد.
وأضاف الخبير الاستراتيجي لـ"سبوتنيك"، في ظل الوسائل الدبلوماسية والضغوط الإفريقية ومجلس الأمن والدعم الأمريكي والأوروبي لا سبيل أمام مصر إلا التفاوض والوصول إلى اتفاق ملزم، إذا كان الإثيوبيون يقولون أنهم لن يضروا مصر والسودان، فما عليهم إلا ترجمة هذه التصريحات إلى اتفاقات مكتوبة، فليس معقولا
نقطة رئيسية
وتابع عبد المنعم، والنقطة الأخيرة والمؤجلة حاليا تتعلق بكيفية التصرف في حالات الفيضان الشحيحة والشحيحة جدا، فنحن نعلم أن فيضان النيل والأمطار في إثيوبيا في دورة "عشرينية"، ممثلة في 7 سنوات فيضان خطير وعالي، 7 سنوات أخرى فيضان متوسط ثم 7 سنوات جفاف وحدث هذا الجفاف عام 1977 واستمر حتى عام 1988 ولم يصل طوال تلك السنوات فيضان إلى مصر يكفي لتشغيل توربينات توليد الكهرباء بالسد العالي، وفي حال وجود سد النهضة كيف سيكون التصرف في سنوات الجفاف المتتالية، وهى نقطة رئيسية أمام نظر المفاوض المصري.
وأوضح خبير المياه أن على إثيوبيا أن تعلم أنه لا توجد نوايا سيئة بالمرة لدى مصر نحو التوجه الإثيوبي للتنمية ولكن لا يكون هذا على حساب مصالح مصر المائية، حيث أن مياه الفيضان التي تأتي من إثيوبيا إلى مصر هى مياه وجودية، فلا حياة للشعب المصري بدون هذا الفيضان، فكيف تخسر مصر من حصتها المائية المقدرة منذ عقود في ظل توقعات بزيادة سكانية تصل إلى 150 مليون نسمة عام 2050، وعلينا أن نهدأ وأن يكون النفس طويل في تلك المفاوضات سواء التوافق اليوم أو الشهر القادم أو السنة القادمة، لأننا نبغي في النهاية الوصول إلى اتفاق ملزم.
مرحلة الفيضان
وأشار عبد المنعم إلى أننا نعيش الآن في مرحلة الفيضان المتوسط والذ يعطي 84 مليار متر مكعب لكل من مصر والسودان، لكن بعد نهاية السبع سنوات الحالية .. هل سيأتي الجفاف أم الفيضان الأخير هذا مالا نعلمه، ويجب أن ينقل المفاوض المصري للجانب الإثيوبي أنه لا ثبات أو استمرارية في الفيضانات.
أهمية المفاوضات
من جانبه قال خبير المياه ومستشار وزير الري الأسبق الدكتور ضياء الدين القوصي، إن تعليق مصر والسودان جولة المفاوضات الثانية لا يعني إنهائها، حيث أن أمل الإثيوبيين أن تتخذ الدولتين تلك الخطوة، بل يجب أن تستمر تلك المفاوضات وأن تطلب القاهرة والخرطوم من الاتحاد الإفريقي أن يكون له موقف، حيث أن
وأضاف مستشار وزير الري الأسبق لـ"سبوتنيك"، إن كل الأطراف المشاركة في المفاوضات يجب أن تأخذ موقف جاد وأن تعد مسودة اتفاق يتم التوقيع عليها من الأطراف الثلاث، حيث أن كل المواقف أصبحت واضحة وإن كان لديهم رؤية حول تعنت المصريين والسودانيين عليهم أن يقولوا ذلك، وإن كانوا يرون أن إثيوبيا متعنتة عليهم أن يوضحوا ذلك، وهذا هو دور الاتحاد الإفريقي.
موقف الاتحاد الإفريقي
ودعا خبير المياه مصر والسودان إلى التوجه إلى الاتحاد الإفريقي بخطاب يطالبوه بإبداء الرأي ويطالبوه بإعداد مسودة اتفاق يوقع عليها الجميع، نحن الآن أمام مشكلة قد تهدد الأمن والسلم في القارة الإفريقية والقرن الإفريقي والشرق الأوسط والعالم أجمع.
وأكد القوصي أن مصر لا تستطيع التنازل عن متر مكعب واحد من حصتها في مياه النيل، لأن تلك الحصة تم تحديدها عام 1959 عندما كان تعداد المصريين 59 مليون، فليس باستطاعة أي طرف في مصر التنازل عن قطرة ماء من حصة مصر وهو ما لا يفهمه الإثيوبيون، لأن مصر ستذهب بعيدا وبعيدا جدا، لأن مصر ليس لديها ما تخسره بعد مياه النيل، وسوف تحصل مصر على حقها وحصتها سواء رغبت كل الأطراف أم لم ترض.
القمة المصغرة
قال الخبير السوداني في مفاوضات دول حوض النيل الدكتور أحمد المفتي، بناء على مخرجات القمة الإفريقية المصغرة الثانية، والتي عقدت يوم 21 يوليو/تموز 2020 ، فقد بدأت الجولة الحالية من المفاوضات باجتماع يوم الاثنين 3 أغسطس/أب 2020، أحيلت فيه الأمور الفنية والقانونية ، لتبت فيها لجان قانونية و فنية يومي 4 و 5 أغسطس الجاري، وترفع تقريرها للاجتماع الوزاري، يوم الخميس 6 أغسطس الجاري، وبحيث تستمر الاجتماعات لمدة أسبوعين، لتحسم كل الأمور.
وأضاف خبير التفاوض لـ"سبوتنيك، لكن الذي حدث أن عقد اجتماع وزاري يوم الثلاثاء 4 أغسطس/أب 2020، بين الدول الثلاثة ، برعاية الإتحاد الإفريقى ، وبحضور المراقبين من الولايات المتحدة ، والاتحاد الأوروبى، وخبراء مفوضية الاتحاد الافريقى وكان الاجتماع مخصصا لمتابعة، ما تم التوافق عليه في اجتماع الاثنين 3 أغسطس 2020، إلا أنه وقبل موعد عقد الاجتماع مباشرة، قام وزير المياه الإثيوبى بتوجيه خطاب لنظرائه في كل من السودان ومصر، مرفقا به،"مسودة خطوط إرشادية وقواعد ملء سد النهضة " .
وتابع المفتي، وفقا لبيان وزارة الري المصرية، بتاريخ 4 أغسطس/أب الجاري، لا يتضمن الخطاب الأثيوبي، الثلاثة أمور الهامة التالية " قواعد للتشغيل، وإلزامية " تلك الخطوط الإرشادية وقواعد الملء، آلية قانونية ملزمة لفض النزاعات، وننبه إلى أن إلزامية قرارات الآلية، لا ينص عليها القانون الدولي، ولقد أكدت مصر على أن الخطاب الإثيوبي، جاء خلافا لما تم التوافق عليه فى اجتماع الاثنين 3 أغسطس/أب الجاري، والذى خلص إلى ضرورة التركيز على حل النقاط الخلافية، من قبل اللجان القانونية والفنية ، لعرضها علي اجتماع لاحق لوزراء المياه يعقد يوم الخميس 6 أغسطس/أب الجاري.
تعليق التفاوض
وأشار خبير التفاوض، إلى أن مصر طلبت، تعليق الاجتماعات لاجراء مشاورات داخلية بشأن الطرح الإثيوبي "، موضحة أنه كذلك يخالف، ما تم الاتفاق عليه خلال قمة مكتب الاتحاد الإفريقي في 21 يوليو/تموز 2020" ولم يوضح البيان المصري الجهات التي سوف تشارك في تلك المشاورات"أما وزير الري و الموارد
رفض صريح
وقال المفتي في اعتقادنا أن الموقف السوداني، متقدم على الموقف المصري، لأنه يعبر عن "رفض" صريح للخطاب الإثيوبي، وعدم "الأستمرار" في المفاوضات إلا بشروط، بيما الموقف المصري"علق" المفاوضات مؤقتا، إلى حين، " إجراء مشاورات داخلية "، ولا أحد يستطيع التنبؤ بما سوف تسفر عنه تلك المشاورات.
طلبت مصر وكذلك السودان تعليق الاجتماعات لإجراء مشاورات داخلية بشأن الطرح الإثيوبي، الذي يخالف ما تم الاتفاق عليه خلال قمة هيئة مكتب الاتحاد الأفريقي في 21 يوليو 2020، وكذلك نتائج اجتماع وزراء المياه الاثنين 3 أغسطس الجاري.
انتهت قمة أفريقية مصغرة ضمت كلا من مصر والسودان وإثيوبيا، وجنوب أفريقيا، إلى استمرار المفاوضات تحت مظلة الاتحاد الإفريقي. وكانت أثيوبيا أعلنت في وقت سابق عن إتمام عملية الملء الأولى لسد النهضة، دون التوصل لاتفاق مع مصر والسودان، ما أثار حفيظة دولتي المصب.
وعلى الرغم من توقيع إعلان للمبادئ بين مصر والسودان وأثيوبيا، حول قضية سد النهضة في آذار/ مارس 2015، والذي اعتمد الحوار والتفاوض كسبيل للتوصل لاتفاق بين الدول الثلاثة حول قضية مياه النيل وسد النهضة، لم تسفر المفاوضات عن اتفاق منذ ذلك الحين.
وبدأت إثيوبيا في تشييد سد النهضة على النيل الأزرق منذ عام 2011، بهدف توليد الكهرباء، وتخشى مصر من تأثير السد على حصتها من المياه، والتي تتجاوز 55 متر مكعب سنويا، تحصل على أغلبها من النيل الأزرق.