يرى مراقبون أن العلاقات المصرية التركية لم تقطع وأن ما حدث هو سحب السفراء بين الطرفين، ويؤيد هذا التوجه عدم تأثر العلاقات التجارية والاقتصادية بالخلافات السياسية واستمرارها حتى الآن وربما زيادتها.
تصريحات المسؤولين في أنقرة قد تكون نتيجة لضغوط إقليمية ودولية بعد "تمدد تركيا في العديد من المناطق"، بحسب محللين، لكن الشىء شبه المؤكد أن العلاقات لن تعود إلى طبيعتها في الوقت الراهن لأن قضايا الخلافات الرئيسية ما زالت قائمة.
يقول المدير التنفيذي للمجلس المصري للعلاقات الخارجية السفير عزت سعد إن التصريحات الإيجابية الصادرة عن الجانب التركي يفترض أن يصاحبها أفعال على الأرض تعزز حسن نوايا تركيا، ولكن ما يتم التصريح به خلافا للواقع، لأن تركيا توفر "ملاذا آمنا لقيادات مؤثرة من الإخوان المسلمين، كما أن تصرفات وأفعال أنقرة فيما يتعلق بشرق المتوسط مازالت مستمرة، وبالتالي ليست هناك شواهد عملية".
غاز شرق المتوسط
وأضاف لـ"سبوتنيك": "تلك التصريحات التي يراها البعض إيجابية يمكن أن تكون ناتجة عن بدء تفعيل الوثيقة التأسيسية لمنتدى غاز شرق المتوسط والتي دخلت حيز النفاذ بداية مارس/ آذار الماضي، وهناك ضغوط معينة مورست من أجل قبول تركيا عضو في هذا المنتدى أو احتوائها".
وأوضح أن "الرد المصري جاء أنه ليست هناك مشكلة في ذلك، إلا أن تقبل تركيا بشروط العضوية والإلتزام بها، كما يمكن أن يكون التعاون والتنسيق المتواصل بين مصر وقبرص واليونان وباقي دول المنتدى السبعة إضافة إلى القوى الرئيسية مثل الاتحاد الأوروبي وفرنسا، له علاقة بتلك التصريحات التركية".
إرادة سياسية
وأشار سعد إلى أنه ليس هناك مستحيل في العلاقات الدولية ودائما ما تفرض المصالح نفسها على تلك العلاقات، إنما هناك حد أدنى يجب توافره لكي يكون هناك نوع من تليين العلاقة بين البلدين، لكن هذا الحد الأدنى يعتقد أنه غير متوافر حتى الآن.
ولفت المدير التنفيذي للمجلس المصري للعلاقات الخارجية إلى أن ما يحدث قد ينم عن توافر إرادة سياسية من الجانبين للإبقاء على التواصل من خلال إبقاء الطرفين على المسارات الاقتصادية، وهذا شىء جيد، لكن كل الجدل هو بشأن العلاقات السياسية والأمنية والإسلام السياسي.
وتابع: "لو كانت هناك انفراجة في هذا الأمر من الجانب التركي، هنا يمكننا القول بأن هناك تحرك نحو عملية التقارب، لكن في ظل الواقع الذي نراه الآن لدي شك في أن يكون هناك تحسن وشيك".
أمريكا والمنطقة
وحول تأثير تغير الإدارة الأمريكية على ملف العلاقات المصرية التركية قال سعد: "لا توجد شواهد من الإدارة الأمريكية الجديدة تدل على اهتمامها بالمنطقة ومشاكلها، لأن التركة التي ورثها بايدن عن ترامب كبيرة ومعقدة".
وأضاف أن تركيز الإدارة الجديدة على الأقل خلال العام الأول سيظل موجها نحو الشأن الداخلي، و"هو ما تم رصده بأن هناك تراجع أمريكي واضح عن الشرق الأوسط، ومع هذا فإن أي خطوات نحو التقارب بين القاهرة وأنقرة ترتكز على احترام الشؤون الداخلية لكل دولة وعدم التدخل، لا أعتقد أن مصر تمانع في هذا".
الموقف المصري
قال السفير جمال بيومي مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق: "لكي نقرأ الموقف المصري بشأن العلاقات مع تركيا علينا الرجوع إلى القرار الذي صدر من القاهرة واستدعت به سفيرها عبد الرحمن صلاح من أنقرة، وجاء في هذا البيان أن مصر تكن كل المودة لشعب تركيا الشقيق".
وتابع أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أشار إليها في كتاب فلسفة الثورة بكل الحب والتقدير، واقتربت جدا الجامعة العربية وقت أن كان عمرو موسى الأمين العام إلى اقتراح بأن تكون تركيا وباكستان وإيران أعضاء مراقبين".
وأضاف لـ"سبوتنيك": "لكن ما حدث مؤخرا هو أن جد جديد في تركيا، تمثل في الإمبراطورية التي في ذهن الرئيس الحالي أردوغان، والذي يشير إلينا على أننا كنا جزء من أملاكه وقام بفرض عضلاته من اليمن جنوبا إلى سوريا شمالا وليبيا غربا واحتلال أجزاء من العراق، هذا الأمر لا يناسبنا ولا يناسب الأمن القومي العربي والمصري".
الأحلام التركية
وتابع بيومي: "حدثت ضغوط مضادة لكل تلك الأحلام التركية وبشكل خاص من الاتحاد الأوروبي الذي يسعى للإنضمام إليه، والذي أرى أن هذا لن يحدث لأن الاتحاد الأوروبي لن يضم إليه دولة مسلمة أبدا".
وأردف بالقول: "كانت هناك ضغوط أيضا من حلف شمال الأطلنطي، بالإضافة إلى الإنذار الذي أطلقته القيادة المصرية من قاعدة محمد نجيب بأن سرت خط أحمر، ما دفع تركيا إلى مراجعة مواقفها، لكن مازالت لهم أطماع في شرق المتوسط، ويريد عمل اتفاق لترسيم الحدود البحرية الاقتصادية بينه وبين مصر، لكن اليونان قالت إنها لا تعترف بوجود تركيا على المتوسط لأن كل الجزر اليونانية تحيط بتركيا، حيث أن حدودها المعترف بها دوليا لا تسمح لها بأن تكون مطلة على المتوسط".
ورحب مساعد وزير الخارجية الأسبق بالتصريحات التركية، قائلا إنه "يريد أن يرى صدق تلك التصريحات على الواقع، فطبيعة السياسة الخارجية المصرية تقليدية ولا تغلق الباب في وجه أحد، ولو جاء وزير الخارجية التركي إلى القاهرة فلن تمانع في الحديث معه للتعرف على الناحية العملية لتنفيذ أي مقترحات".
تفاؤل حذر
وأوضح بيومي أن العقبات الرئيسية التي تقف في الطريق يمكن إيجازها في غاز شرق المتوسط، و"احتلال تركيا لجزء من سوريا"، ما يهدد الأمن القومي المصري، ويمكن أن تكون هناك خطوات جادة حال تراجعها عن تلك الممارسات، مؤكدا وجود "تفاؤل حذر".
قال وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، نهاية العام الماضي، إن بلاده ومصر تسعيان لتحديد خارطة طريق بشأن علاقاتهما الثنائية، والتحرك وفق مبدأ "عدم التضارب في المحافل الدولية".
وفي تصريحات للصحفيين خلال العام 2020، أوضح أن التواصل مع مصر على الصعيد الاستخباراتي مستمر لتعزيز العلاقات، والحوار قائم على مستوى وزارتي الخارجية، حسبما نقلت وكالة "الأناضول" التركية.
وتابع وزير الخارجية التركي حديثه بالقول إن "التواصل بين البلدين يجري أيضا عبر ممثلياتيهما في أنقرة والقاهرة"، كاشفا عن لقائه بنظيره المصري عام 2019 في اجتماعات دولية، حيث شدد الطرفان على ضرورة العمل على خارطة طريق بشأن علاقات البلدين.