ما هو إقليم تيغراي؟
وقبل أن نتطرق إلى أصل المشكلة، ينبغي أن نعرف ما هو إقليم تيغراي نفسه، وطبيعة تكوينه والأعراق الموجودة فيه لنعرف أصل تلك الأزمة التي تجتاح إثيوبيا منذ قرابة 8 أشهر تقريبا منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020، والتي تسببت في انتقادات دولية واسعة النطاق لصاحب نوبل للسلام، بسبب الصراع الدائر بين جبهة تحرير تيغراي والحكومة الفيدرالية.
والذي لا يعرفه الكثيرون أن إثيوبيا تتمتع بالحكم الفيدرالي، أي أن إقليم تيغراي يمتلك سلطة تنفيذية وحكومة إقليمية وسلطة تشريعية تتمثل في مجلس الدولة، حتى أن السلطة القضائية تتولاها المحكمة العليا للولاية.
موقع إقليم تيغراي
يقع إقليم تيغراي شمالي إثيوبيا، ويحدها من الشمال إريتريا، ومن الغرب السودان، ومن الشرق ولاية عفر، ومن الجنوب إقليم أمهرة.
عدد سكان إقليم تيغراي
أظهر آخر إحصاء أجرته السلطات الإثيوبية عام 2020، إن إقليم تيغراي يسكنه أكثر من 7 ملايين نسمة، من أصل 117 مليون نسمة في إثيوبيا كلها.
وأشار الإحصاء أن حوالي 80% من شكان إقليم تيغراي من المزارعين، الذين يساهمون بنحو 46% من الناتج المحلي الإقليمي للدولة الإثيوبية.
أغلب سكان تيغراي، حوالي 96% منهم من المسيحيين الأرثوذكس، ثم الإسلام بنسبة 4% والمسيحيين الكاثوليك بنسبة 0.4%، والمسيحيين البروتستانت بنسبة 0.1%.
تعتبر المرتفعات في شرق ووسط تيغراي هي المناطق الأعلى كثافة سكانية. بعكس الأراضي المنخفضة.
اللغات في إقليم تيغراي
اللغة الرسمية في إقليم تيغراي هي اللغة التيغيرية، ولكن هناك لغات أخرى مستخدمة من بينها الأمهرية والساهو والكوناما والفرنسية والإسبانية، والعربية التي يستخدمها عرقية "بني شنقول".
عرقيات إقليم تيغراي
يوجد عرقيات عديدة في إقليم تيغراي، ولكن عرقية تيغراي هي السائدة التي تشكل ثلاثة أرباع السكان تقريبا.
ولكن يوجد أيضا عرقيات اليوروب المتحدثين بلغة الساهو، وعرقية الأمهرية والكوناما والرايا وبني شنقول الموجودين قرب الحدود السودانية.
تاريخ إقليم تيغراي
يمتلك إقليم تيغراي تاريخا عريقا يرجع إلى عصر ما قبل التاريخ، حيث اكتشفت فيه حفريات للإنسان الأول الذي يبلغ عمره 4.2 مليون عام، المعروف باسم أسترالوبيثكس أفارينسيس، كما عثرت أيضا في على حفريات لإنسان الأومو في العصر الحجري الأوسط قبل 300 ألف عام، وهو أقدم هيكل عظمي لإنسان عاقل وجد على الأرض حتى الآن، أي أن إقليم تيغراي يعد مهد الحضارات فعليا.
كما رصدت دراسات تاريخية أخرى، أنه كان في إقليم تيغراي أوائل السكان في العالم الناطقين باللغات، والتي كانت مكتوبة ومنطوقة في في نفس الوقت وكان يطلق عليها اللغة "الأفروآسيوية".
وكان إقليم تيغراي أيضا مسرحا رئيسيا للحضارات الأخرى المتقدمة، والتي تفاعلت مع الحضارات الأخرى، وكونت مملكة "آكسوم" التي كانت تضم تيغراي وإريتريا ووسعت حكمها إلى اليمن وكانت واحدة من القوى العظمى الأربع في العالم حينها بجانب روما وبلاد فارس والصين.
وطوال التاريخ كان إقليم تيغراي هو المسيطر على إثيوبيا، والذي لم ينكسر إلا في أبريل/نيسان 2018، عندما تولى آبي أحمد منصب رئيس وزراء ليصبح أول مسؤول إثيوبي من عرقية أورومو المسلمة يتولى حكم إثيوبيا.
جبهة تحرير تيغراي
تم تأسيس جبهة تحرير تيغراي في فبراير/شباط 1975، وكانت حزبا سياسيا يتخذ ميكيلي عاصمة تيغراي مقرا لها.
وكانت جبهة تحرير تيغراي الحزب الحاكم لإثيوبيا منذ عام 1989 حتى عام 2018.
ولكن مع صعود أبي أحمد، بدأ الصراع علنيا بين جبهة تحرير تيغراي والحزب الحاكم الجديد، والتي اشتعلت بقوة في 18 يناير/كانون الثاني 2021، عندما أنهى المجلس الوطني للانتخابات تسجيل الحزب رسميا، ليتحول من حزب سياسي حاكم إلى حزب متمرد يتبنى العنف وسيلة لإرضاخ الحكومة الفيدرالية منذ عام 2020.
خلفية صراع تيغراي
تبدأ خلفية صراع تيغراي الحالي والحكومة الفيدرالية الحزب الحاكم في إقليم تيغراي الشمالي، وطرف الصراع مع الجيش الإثيوبي حاليا، هي "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" والتي هيمنت على الحياة السياسية في إثيوبيا لنحو 3 عقود، قبل أن يصل آبي أحمد إلى السلطة عام 2018، ليصبح أول رئيس وزراء من عرقية "أورومو".
والأورومو هي أكبر عرقية في إثيوبيا، حيث تمثل ما نسبته 34.9% من السكان، البالغ عددهم نحو 108 ملايين نسمة، يليها الأمهرة بنسبة 27% تقريبا، فيما تعد تيغراي ثالث أكبر عرقية بنسبة 7.3%.
وانفصلت الجبهة، التي تشكو من تهميش السلطات الفيدرالية، عن الائتلاف الحاكم، وتحدت آبي أحمد بإجراء انتخابات إقليمية في سبتمبر/ أيلول الماضي، اعتبرتها الحكومة "غير قانونية"، في ظل قرار فيدرالي بتأجيل الانتخابات بسبب جائحة "كورونا".
من بين الأمور التي تسببت في تفاقم الخلاف بين تيغراي وأديس أبابا، كان تقديم آبي أحمد مسؤولين بالجبهة للمحاكمة في قضايا فساد، وهو ما رفضته الجبهة وقالت إنه جرى بدوافع سياسية.
متى بدأت الحرب؟
بدأت الحرب في تيغراي، عندما في اتهم رئيس الوزراء الإثيوبي الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2020، حكومة إقليم تيغراي بمهاجمة قوات الجيش الاتحادي المتمركزة هناك، وقال إن الجيش ستستخدم القوة لتأمين البلاد.
وعلى الفور، صادق مجلس الوزراء الإثيوبي، خلال اجتماع استثنائي له، على إعلان حالة الطوارئ لمدة ستة أشهر في ولاية تيغراي، على خلفية اعتداء على قوات الجيش ومحاولة سرقة معداتها.
وذكرت وكالة الأنباء الإثيوبية آنذاك، أن جبهة تحرير تيغراي حاولت سرقة المدفعية والمعدات العسكرية من مركز القيادة الشمالية الموجود في الإقليم لأكثر من عقدين، لخدمة وحماية سكان تيغراي من أي تهديدات هجومية.
وقال مكتب رئيس الوزراء في بيان: "في حين أن الحكومة الفيدرالية قد استخدمت كل الوسائل لإحباط الاشتباك العسكري ضد جبهة تحرير تيغراي، إلا أنه لا يمكن تجنب الحرب بحسن نية وقرار من جانب واحد".
وشدد البيان على أنه "تم تجاوز الخط الأحمر وذلك بعد الهجوم على القوات الدفاع الوطني من قبل جبهة تحرير تيغراي وبالتالي اضطرت الحكومة الاتحادية إلى الدخول في مواجهة عسكرية".
تبادل الطرفان بعد ذلك التكذيب والاتهامات، واعتبرت أديس أبابا أن الجبهة ارتكبت "خيانة عظمى" بحق البلاد، فيما اتهمتها حكومة تيغراي بالتحيز العرقي، خاصة بعدما استعانت إثيوبيا في هذه الحرب بقوات دولة إريتريا المجاورة وإقليم أمهرة.
وأعلنت إثيوبيا توقيف العشرات من المسؤولين والقادة العسكريين المحسوبين على جبهة تحرير تيغراي، كما رفع البرلمان الحصانة عن العشرات من أعضاء الشعب، المنتمين للجبهة، بما في ذلك زعيمها.
ولكن تم اتهام السلطات الإثيوبية المركزية بقطع الاتصالات والإنترنت عن الإقليم، وحتى عرقلة وصول الصحفيين وموظفي الإغاثة الدولية إلى الإقليم، مع ذلك، كانت وسائل الإعلام العالمية قادرة على نقل بعض ملامح الصراع هناك.
وقُتل الآلاف وأُجبر نحو مليوني شخص على ترك ديارهم في تيغراي بعد اندلاع الصراع بين الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي والجيش الإثيوبي في نوفمبر، ودخلت قوات من إقليم أمهرة المجاور وإريتريا الحرب لدعم الحكومة. في البداية رفضت إثيوبيا وإريتريا الادعاءات لكنهما اعترفا في النهاية تحت وطأة الضغط الدولي.
والعديد من المؤسسات الدولية والصحفية أشارت أيضا إلى وقوع فظائع وجرائم حرب في الإقليم، شملت الاغتصاب والقتل الجماعي والسلب والنهب، وبات مئات الآلاف يواجهون المجاعة في المنطقة المضطربة.
وطالبت الأمم المتحدة وقوى رئيسية مرارا بالسماح بإجراء تحقيق مستقل في أحداث تيغراي. وأخيرا، دعت الولايات المتحدة وإيرلندا وبريطانيا، الثلاثاء، إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي بشأن إقليم تيغراي الذي مزقته الحرب في إثيوبيا.
ومن جانبه قال روبرت جوديك، القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية لمكتب الشؤون الأفريقية في وزارة الخارجية الأمريكية، إن واشنطن ترحب بقرار الحكومة الإثيوبية إعلان إنهاء مؤقت للأعمال العدائية.
ولكنه حذر في الوقت ذاته من أن الولايات المتحدة ستراقب عن كثب لتحديد ما إذا كان وقف إطلاق النار سيؤدي إلى تغييرات على الأرض، قائلا: "لن نقف مكتوفي الأيدي في مواجهة الفظائع في تيغراي".
إريتريا تتدخل
ولكن كان نقطة التحول الرئيسية في الصراع هو تدخل إريتريا في الأزمة، وما يحمله هذا التدخل من أبعاد عرقية وتاريخية كبيرة، خاصة وأن جبهة تحرير تيغراي كانت تمتلك عداوة كبرى تاريخية مع إريتريا.
وبالفعل حقق الجانب الإثيوبي المدعوم بقوات من إريتريا وإقليم أمهرة مكاسب سريعة في أرض الميدان، واستطاع إخضاع الإقليم لسيطرته في غضون أسابيع قليلة، ودخل عاصمة تيغراي، ميكيلي، وأعلن الفوز بالحرب، لكنه أكد استمرار القتال.
في حين اعتقلت إثيوبيا بعض رموز الجبهة ومقاتليها، فر آخرون إلى المناطق الجبلية المتاخمة، وبدؤوا حرب عصابات ضد القوات الإثيوبية والعناصر الموالية لها، رغم تعهد أديس أبابا بإلقاء القبض على جميع القادة وإنهاء الصراع سريعا.
في أوائل ديسمبر/ كانون الأول، بعد شهر من بدء الحملة العسكرية، قالت إثيوبيا، إنها أسرت وقتلت معظم قادة القوة المتمردة في إقليم تيغراي بشمال البلاد، فيما رد زعيم محلي هارب بقوله إن المدنيين نظموا احتجاجات على أعمال نهب قام بها "جنود احتلال".
وقال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، حينها إن القادة المنشقين في منطقة تيغراي فروا إلى الغرب من عاصمة الإقليم بعد أسابيع من القتال، لكنه أشار إلى أن القوات الفيدرالية تراقبهم عن كثب وستهاجمهم قريبا.
مع ذلك، ظل الصراع قائما، لكنه اتخذ نطاقا محدودا لعملياته على مدار الشهور الماضي، والتي كانت سماتها التقرير الإعلامية والحقوقية التي تتهم إثيوبيا بارتكائب مذابح وجرائم حرب في الإقليم، وظل الأمر كذلك حتى تحول بشكل دراماتيكي قبل أيام.
تيغراي تعود
ولكن في الوقت الذي ظن فيه الجميع أن الأمور استقرت للحكومة الفيدرالية في تيغراي ودفاعها عن نفسها من الهجوم الدولي الكاسح، ودخولها في الانتخابات البرلمانية العامة، انقلبت الأمور على أعقابها بصورة كبيرة.
وتجدد الصراع مع عمليات فرز الأصوات في أعقاب الانتخابات الإثيوبية العامة، التي جرت الأسبوع الماضي، دون التصويت في منطقة تيغراي الشمالية وأجزاء أخرى مضطربة، ومع ذلك، اعتبر رئيس الوزراء آبي أحمد هذه الانتخابات "يوما تاريخيا لإثيوبيا".
وأشارت التقارير إعلامية التي كشفت عن تجدد المواجهات العسكرية في تيغراي الإثيوبي، بين جبهة تحرير الإقليم وقوات الجيشين الإثيوبي والإريتري، إلى تعرض الطرفين الأخيرين لخسائر متتالية في أماكن متفرقة من المنطقة الشمالية.
فيما اتُهمت أديس أبابا بقتل عشرات المدنيين في قصف جوي لأحد الأسواق في الإقليم، الأسبوع الماضي، لكنها نفت ذلك بالقول إنها استهدفت مقاتلين، وهو ما رد عليه المتحدث العسكري باسم الإقليم بالقول إنه ليس حقيقيا وإن القصف استهدف مدنيين.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية، إن الولايات المتحدة قلقة للغاية، من تقارير عن مقتل مدنيين في هجوم على سوق بمنطقة تيغراي الإثيوبية. وحثت الخارجية الأمريكية، السلطات الإثيوبية على ضمان الوصول الطبي الكامل لجميع الضحايا.
كما شهد الأسبوع الماضي، مقتل 3 من موظفي منظمة "أطباء بلا حدود" في الفرع الإسباني على يد مسلحين مجهولين في إقليم تيغراي. وصرحت المنظمة في بيان أنها "فقدت الاتصال مع سيارة تقل فريقا تابعا لها بعد ظهر الخميس". اتهمت أديس أبابا قوات تيغراي بارتكاب الحادث، فيما طالبت واشنطن بتحقيق مستقل.
في غضون تفاقم الصراع بشكل مفاجئ، وسيطرة قوات تابعة لجبهة تحرير تيغراي على مدينة ميكيلي، يوم الاثنين الماضي، ما دفع القوات الإثيوابية إلى الانسحاب من عاصمة الإقليم، وإعلان وقف لإطلاق النار من طرف واحد.
فيما قالت السلطات المتمردة في منطقة تيغراي الإثيوبية إنها ستكثف نضالها حتى يغادر جميع "الأعداء" المنطقة، ملمحةً إلى أن المعارك متواصلة رغم وقف إطلاق النار الذي أعلنته الحكومة الإثيوبية.
ويشكل دخول قوات الدفاع عن تيغراي إلى ميكيلي التي فر منها الجيش خلال النهار، منعطفا في هذا النزاع المستمر.