يرى مراقبون أن هذا النوع من العمليات، في الغالب لا يتم تنفيذها من الجيش النظامي، بل يستخدم الجيش أذرعه المليشياوية لتنفيذ ما يريد، وقد تهدف إثيوبيا من وراء ذلك إلى توريط السودان المنهك سياسيا واقتصاديا في عمليات عسكرية قد تبقي الوضع الراهن لسنوات قادمة، حتى لا يستقر السودان سياسيا واقتصاديا وأمنيا، وهو الأمر الذي يمثل تهديدا للأمن الإثيوبي من وجهة نظرهم.
فما هي تداعيات العملية الإثيوبية؟
بداية يقول الحقوقي السوداني وخبير الدراسات الإستراتيجية محمد الزين، إن "إعدام النظام الإثيوبي لسبعة أسرى من الجيش السوداني يعتبر من أسوء وأقبح الأفعال الإنسانية عالميا، وتعد الفترة الحالية بين البلدين من أكثر الفترات توترا وتعقيدا، نظرا لأبعادها الإقليمية والدولية وصراع النفوذ بين روسيا وأمريكا في أفريقيا وخاصة في السودان".
اتفاقية جنيف
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك" أن الجيش الاثيوبي هو الذي بادر بالعدوان والاعتداء على الأراضي السودانية وقام باحتلال منطقة الفشقة الحدودية وقتل المزارعين السودانيين"، مضيفا: "أما ما حدث مؤخرا من إعدام النظام الإثيوبي لأسرى الجيش السوداني، فإن ذلك يمثل انتهاكا لاتفاقية جنيف الثالثة عن معاملة أسرى الحرب، وهي إحدى المعاهدات الأربع لاتفاقيات جنيف، والتى اعتمدت بشأن معاملة أسرى الحرب لأول مرة في عام 1929، لكن تمت مراجعتها وحلت محلها اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949، والتى تحدد الحماية الإنسانية لأسرى الحرب".
وتابع: "وعليه وقعت أكثر من 196 دولة على اتفاقية جنيف، وتحتوي الاتفاقية على 6 أجزاء ما بين أحكام عامة، الحماية العامة لأسرى الحرب وعملية الأسر، علاوة على إنهاء الأسر ومكتب الإعلام وجمعيات الإغاثة لأسرى الحرب، بالإضافة إلى تنفيذ الاتفاقية، وعليه تغطي اتفاقية جنيف على أي نزاع مسلح بين دولتين أو أكثر".
وتعرف المادة 4 من الاتفاقية "أسرى الحرب" بأنهم "أفراد القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع وأعضاء الميليشيات من هذه القوات المسلحة، وكذلك أعضاء الميليشيات وأعضاء الوحدات المتطوعة الأخرى بمن فيهم أعضاء حركات المقاومة المنظمة، شريطة تلبية لشروط معينة".
حماية الأسرى
وأشار الزين إلى أن الاتفاقية نصت أيضا على الحماية العامة لأسرى الحرب، وهذا الجزء يشمل وضع أسرى الحرب، وتنص المادة 12 على أن أسرى الحرب من مسؤولية الدولة، وليس الأشخاص الذين قبضوا عليهم وأنه لا يجوز نقلهم إلى دولة ليست طرفا في الاتفاقية، "والمواد 13 إلى 16 تنص على أن على الدولة معاملة أسرى الحرب معاملة إنسانية دون أي تمييز ضار وأنه يجب تلبية الاحتياجات الطبية لهم، علاوة على توفير معلومات السجين التي يجب أن تعطي وأساليب الاستجواب التي قد تستخدمها قوة الاحتجاز".
وتنص على أنه "لا تعذيب جسدي أو معنوي ولا استخدام أي شكل آخر من أشكال الإكراه"، كما أنها تنص على أن أسرى الحرب يجب إجلاؤهم من منطقة القتال في أقرب وقت ممكن.
مخطط للحرب
وأوضح الزين، أن ما أقدمت عليه إثيوبيا، هو جزء من مخطط للدخول في حرب واسعة مع السودان على الحدود الشرقية في وقت يسعى السودانيون للانتقال الديمقراطي وإقامة حكم مدني وهذا مايخشاه النظام الاثيوبي، والذي يعلم أن الانتقال الديمقراطي والتحول الديمقراطي يجعل من السودان دولة مستقرة أمنيا، قادرة على الاستفادة من مواردها الطبيعية وخاصة التوجه الخليجي نحو الاستثمارات في السودان في المجال الزراعي وفي منطقة الفشقة الحدودية.
المجتمع الدولي
وأكد على أنه من حق السودان التقدم بشكوى لمجلس الأمن الدولي بقيام النظام الإثيوبي بقتل الأسرى السودانيين، وكذلك شكوى لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، علاوة على طرد السفير الإثيوبي من الخرطوم وسحب السفير السوداني من أديس أبابا.
أما الرد العسكري الشامل الآن فمن المرجح أنه ضعيف، لأن الحكومة السودانية سوف تستثمر هذه الجريمة البشعة في توحيد الجبهة الداخلية والتي تمر بتصدعات سياسية، وانقسام في الصف الوطني مما يعني أن الحكومة السودانية سوف تتخذ الآن خطوات قانونية في مواجهة أثيوبيا، مع الاحتفاظ بحقها في الرد العسكري في المستقبل.
ولفت الزين إلى أن الفعل الإثيوبي سوف تقابله إدانة دولية ضد أثيوبيا وتعاطف إقليمي ودولي مع السودان، ومن جانب آخر هذه الشكوى لمجلس الأمن ستؤدي لإدخال البعثة السياسية الأممية بالخرطوم "يونيتامس" في الأمر، لأنه سينعكس على الفترة الانتقالية، وإذا لم تدين البعثة الأممية إثيوبيا، سيعرض هذا التجاهل رئيس البعثة فولكر للطرد من السودان.
جريمة بشعة
من جانبه يقول الحقوقي السوداني عامر حسبو، إن هناك أكثر من رواية فيما يتعلق بمقتل الجنود السودانيين بواسطة إثيوبيا بعد اعتراضهم في منطقة الفشقة واقتيادهم إلى جهة غير معلومة وتعذيبهم ثم قتلهم بدم بارد.
الرواية الأولى تلصق الأمر بالمليشيات الموجودة في المنطقة، أما الرواية الثانية فتشير إلى أن مرتكب تلك الجريمة البشعة هو الجيش الإثيوبي الذي أعدمهم رميا بالرصاص ثم قام بالتمثيل بجثثهم أمام أهالي أمهرة الموجودين على الشريط الحدودي.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "بعد هذا العمل المشين تحرك رئيس مجلس السيادة الفريق البرهان إلى منطقة الفشقة والتقى بقوات الجيش هناك، وتلى ذلك صدام مسلح على الحدود بعد زيارة البرهان، حيث يقصف الجيش السوداني المناطق التي وقع بها الحادث بالأسلحة الثقيلة سواء كان هؤلاء من المليشيات أم من الجيش الإثيوبي، أي أن الشريط الحدودي اليوم في حالة حرب".
وأشار حسبو إلى أن رد الفعل السوداني كان سريعا وحاضرا في تلك الأزمة، وعلى المستوى السياسي والدبلوماسي فقد استدعى السودان سفيره لدى أديس أبابا، كما تم استدعاء السفير الإثيوبي للخارجية السودانية لإبلاغه برد فعل الخرطوم.
ويجب أن نعلم أن هذه الواقعة ليست الأولى، فهناك الكثير من العمليات ضد الجيش والمزارعين السودانيين تتم من جانب عسكريين إثيوبيين نظاميين، لكن في زي مليشيات أو من المزارعين الذين احتلوا أراضي تلك المنطقة "الفشقة" منذ أكثر من 7 سنوات واستوطنوا فيه.
ودعت وزارة الخارجية الإثيوبية، مساء اليوم الاثنين: "الحكومة السودانية إلى عدم التصعيد وضبط النفس بعد إعلان الجيش السوداني أنه تم إعدام عدد من جنوده على يد الجيش الإثيوبي".
وقالت الخارجية الإثيوبية، في بيان لها: "تأسف الحكومة الإثيوبية للخسائر في الأرواح نتيجة مناوشات بين الجيش السوداني ومليشيات محلية، وسيتم فتح تحقيق في هذا الأمر قريبا".
وأضاف البيان: "تأمل حكومة إثيوبيا من الحكومة السودانية ضبط النفس والامتناع عن أي تصعيد للحادث، وعدم اتخاذ أي إجراءات من شأنها أن تصعد الموقف".
وتابع أن "الحكومة الإثيوبية تعتقد أن الحادث كان متعمدا من أجل تقويض العلاقات العميقة بين شعبي إثيوبيا والسودان، وأن الحادث يهدف إلى عرقلة طريق إثيوبيا نحو السلام والتنمية".
وأعلن الجيش السوداني في الثاني والعشرين من يونيو/ حزيران مقتل شخص وفقد ما لا يقل عن 7 جنود، إثر اشتباكات وقعت على الحدود مع إثيوبيا.
واتهم الجيش السوداني، مساء أمس الأحد، الجيش الإثيوبي بإعدام 7 جنود سودانيين ومواطن كانوا أسرى لديه، في ما وصفه بأنه "تصرف يتنافى مع كل قوانين وأعراف الحرب والقانون الدولي الإنساني".
وقال المستشار الإعلامي لرئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، إن "التآمر الذي يحدث على حدود بلاده وما يخطط له خلال الأيام المقبلة، يخرج من مشكاة واحدة".
وأضاف العميد الطاهر أبو هاجة في تعميم صحفي تعليقا على إعدام الجيش الإثيوبي لسبعة جنود وأحد المواطنين السودانيين، إن ما يخطط له هناك (على الحدود) يرتبط بمخططات في الخرطوم مصدرها واحد، حسبما نقلت وكالة "سونا" السودانية.
وتابع المسؤول العسكري، أن هدف "هذه المؤامرات" هو زعزعة الأمن القومي للبلاد واستقرارها، مؤكدا أن هذه التحركات مرصودة و"ستتحطم عند صخرة إرادة الأغلبية الصامتة من جماهير الشعب وتماسك المنظومة الأمنية".
مقارنة بين دبابة "تي -90" الروسية و4 دبابات غربية