وتطرقت رحاب في حوارها مع "سبوتنيك"، إلى أوجه القصور ونقاط الضعف في المدونة والتي باتت بحاجة للتعديل في ظل المتغيرات الحالية والمشاكل التي تواجه النساء في العديد من القضايا.
إلى نص الحوار...
بداية.. شكلت مدونة الأسرة حين صدورها في 2004 نقلة هامة...لكن الآن تعددت المطالبات بضرورة المراجعة..هل ترتبط بقصور أم اختلالات في التطبيق؟
نعتبر أن مدونة الأسرة لسنة 2004، والتي شكلت حينها ثورة هادئة فيما يتعلق بتكريس الحقوق الإنسانية للنساء والاعتراف بدورهن الأساسي في الأسرة وفي المجتمع، جاءت بمجموعة من المكتسبات للأسرة المغربية، من قبيل المسؤولية المشتركة، على قدم المساواة بين الزوج والزوجة، في رعاية الأسرة، وحق الراشد في تزويج نفسها، والتأسيس لإمكانية التعاقد بشأن تدبير الأملاك المكتسبة خلال فترة الزواج، وتقييد التعدد، وجعل الطلاق حقا متاحا للزوج والزوجة على حد سواء وتوسيع حق المرأة في طلب التطليق.
إلا أن مجموعة من المقتضيات في المدونة لازالت تحمل نفحة تمييزية ضارة، أو منتقصة من مركز المرأة، إضافة إلى أن العديد من المكتسبات التي أتت بها شابتها اختلالات في التنزيل (التطبيق)، لذلك تعتبر مراجعة مدونة الأسرة ضرورة ملحة، بما يحمي حقوق الأطراف جميعها، خاصة النساء والأطفال.
ما أوجه هذا التمييز والتي تستوجب التعديل في الوقت الراهن؟
لازالت الولاية الشرعية على الأبناء تقيم تمييزا بين الوالدين حيث تعتبر حقا حصريا للأب، ولا يمكن أن تنتقل إلى الأم إلا في حال غياب الأب أو وفاته (م236 و238)، وهو الأمر ذاته الذي ينسحب على الحضانة التي تعلق على شرط عدم زواج الأم المطلقة، وإلا آلت للأب ماعدا في حالات معدودات (م 175).
في حين أنه عندما تؤول الحضانة للأب فإن زواجه للمرة الثانية لا يسقطها عنه، ما يستوجب إعادة النظر في هذه المقتضيات بما يحصن حق الأم في الحضانة وجعل المقتضى الوحيد الذي يمكن أن يرتكز عليه في هذه المسألة هو المصلحة الفضلى للطفل.
وما تأثير التمييز بين الأب والأم بشأن الولاية على الأبناء وحقوقهم؟
التمييز بين الأب والأم في مسألة الولاية يمس بشكل كبير مصالح الأبناء وحقوقهم كلما تعلق الأمر بإجراءات إدارية على بداهتها، من قبيل تغيير المؤسسة التعليمية، ويصبح الأمر غاية في التعقيد في حال انفصام عرى العلاقة الزوجية، حيث تصبح موافقة الطليق على مباشرة مصالح المحضون شرطا للأم الحاضنة، وهو ما يجعل الطفل رهينة في معظم الحالات بما لا ينسجم وإعمال المصلحة الفضلى للطفل في هذا الباب.
هناك جوانب أخرى مرتبطة بضعف التمكين الاقتصادي للمرأة..ما أثرها من وجهة نظرك؟
في ظل البنية المجتمعية الحالية الموسومة بضعف التمكين الاقتصادي للنساء واستمرار البنية القائمة على وضعية التبعية الاقتصادية للرجل أبا كان أو أخا أو زوجا، وفي انتظار تحقيق المساواة الكاملة في الولوج للموارد، وخلق الثروة بالنسبة للنساء، تبقى النفقة من القضايا المثيرة للمفارقات في المجتمع المغربي، إذ في الوقت الذي تشير فيه مجموعة من نصوص المدونة إلى النفقة الواجبة على الرجل تجاه الزوجة ( 194-195-196)، والأولاد (198-202)، مع استثناء عجز الزوج ويسر الزوجة (199)، فإن الإحصاء العام للسكان سنة 2014 أثبت أن 16.2 بالمائة من الأسر المغربية تعولها نساء، وهو ما كرسته تداعيات الجائحة على الوضع الاقتصادي للنساء .
ناهيك عن هزالة المبالغ المحكوم بها والمرتبطة عادة بإلقاء عبء إثبات مداخيل الزوج، الذي عادة ما يخفي وضعه المادي الحقيقي بطرق ملتوية، عن الزوجة، في الوقت الذي يجب على الدولة توفير آليات إجراء البحث الاجتماعي من أجل إثبات الدخل وإنصاف المرأة والأبناء خاصة مع الانتقال الرقمي المأمول في البلد، بحيث تبقى شروط الحياة الكريمة للأبناء متوفرة تحت إشراف الأبوين ومسؤوليتهما المشتركة، وهنا لا بد من إعادة النظر في وظيفة صندوق التكافل العائلي وآلية عمله وشروط الاستفادة منه والتي أثبت التجربة صعوبتها وتعقدها بما جعله إطارا لا يتسع لما أوكل إليه بفعل تعقد المساطر (الإجراءات).
بشأن تدبير الممتلكات المكتسبة أثناء الحياة الزوجية المنصوص عليه في المادة 49 ..برأيك هل هناك أوجه قصور أو اختلالات في هذا الإطار أيضا؟
في إطار الحقوق الاقتصادية المهدورة للنساء في مؤسسة الزواج، والتي تفرض نفسها بقوة عند انحلال هذه الرابطة، يأتي تدبير الممتلكات المكتسبة أثناء الحياة الزوجية والذي عالجته المادة 49 من المدونة بما أتاحته من إمكانية مفتوحة لتأطير هذا التدبير بتعاقد عادة ما تحول التقاليد والأعراف دون العمل به، لأن المشرع لم يحطه بالإلزامية، كما أن المادة لم تميز بين نظام الأموال المكتسبة، ونظام الكد والسعاية بما هو ضمان لحقوق المرأة في تنمية الأسرة بمقتضى ما تبذله من جهد في رعاية أفرادها، وتنشئة أطفالها وهو ما لا يدخل في العمل المأجور، ولا في الموارد التي تعتبر جزءا من الأموال المكتسبة سواء أثناء الزواج، أو بعد الانفصال بالنسبة للأم الحاضنة.
هناك إحدى الإشكاليات ما زالت قائمة وترتبط بتزويج القاصرات..هل المدونة لم تنجح في التصدي لهذه العمليات المتوارثة؟
إن المكانة الخاصة للزواج في المجتمع، والتعريف الذي أعطته إياه مدونة الأسرة باعتباره "ميثاق تراض وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوجين" (م4) يسائل مجموعة من الظواهر التي لازالت قائمة ومترسخة لدى العقليات السائدة للعديد من الأسر المغربية.
ونقصد هنا ظاهرة تزويج الأطفال (م20-21-22) والتي تناقض المادة 19 من نفس المدونة، والتي مهما بلغت المبررات المقدمة بشأنها سواء ما تعلق منها بالأعراف والتقاليد عبر ربوع الوطن، أو بالظروف الموضوعية او الاجتماعية التي تعيش فيها الأسر وتكرس إعادة إنتاج ظاهرة تزويج القاصرات مما يضرب في العمق حقوق الأطفال القاصرات في التربية والتعليم والاندماج الاقتصادي والاجتماعي.
ونعتبر أنه من الضروري أن نتبنى التعريف الأممي للطفل(ة) باعتباره إنسان أولا، يتوجب على الدولة والمجتمع والأسرة توفير كافة الوسائل و الإمكانيات المادية و اللامادية لتمتعه(ا) بحقوقه(ا) كاملة وعلى رأسها الحق في تعليم بمقومات الجودة والإنصاف وتكافؤ الفرص لتأهليه جميع أطفال المغاربة إناثا وذكورا لصنع المستقبل و الإسهام في تنمية المجتمع، و من تم فإن تزويج الأطفال هو إجهاز على حقهن في النمو السليم والتفتح الإيجابي والحق في الاختيار، والتمتع بكافة الحقوق الأممية و المنصوص عليها في الدستور لصالح الطفل(ة).
هل هناك أوجه تمييز أيضا فيما يتعلق بتعدد الزوجات؟
الاستمرار في تكريس مقتضى تعدد الزوجات بشكل صارخ وبممارسات تقوم على تحايل على القانون والضغط على الزوجة الأولى من أجل الموافقة، وهذا يعد في حد ذاته شكل من أشكال التمييز وانتهاك الحقوق الإنسانية للمرأة.
ومن هنا مازال سؤال التعدد يثير العديد من المطارحات بين من يتشبث بحرفية النص، وبين من يفتح باب الاجتهاد التنويري القائم على العدل كقيمة عليا مؤطرة لمضمون النص، في ضوء التطورات التي تعرفها المجتمعات والأسرة كمؤسسة تنهض بوظيفة التنشئة التربوية والثقافية في أبعادها الحقوقية.
إذ على أهمية ما نصت عليه المدونة (موافقة الزوجة)، بحيث أفرزت العديد من الحالات القضائية على انتشار مظاهر التدليس والتحايل والتزوير للالتفاف على تطبيق الحق الشرعي للزوجة الأولى في قبول الأمر من عدمه.
ناهيك عن الآثار المترتبة عن تعدد الزوجات على الأوضاع الأسرية المادية والاجتماعية والنفسية، خاصة على الأطفال والنساء، ويزداد الأمر استفحالا حينما تطال هذه الظاهرة الأسر التي تعيش أوضاع الفقر والهشاشة، مما يلزم معه وضع إجراءات صارمة على مستوى الاجتهاد في التطبيق.
كما شكلت المادة 16 بخصوص ثبوت الزوجية، منفذا للتحايل على القانون، بل غدت سببا لتشجيع عدم توثيق العلاقات "الزوجية" عوض أن تكون آلية انتقالية للقطع مع الظاهرة، تحولت العلاقة بين النسب/ الابن المترتب على علاقة زوجية، إلى العلاقة الزوجية التي أصبح يثبتها وجود ابن من علاقة غير موثقة.
ولكن المدونة تخول للمرأة حق التطليق الشقاق بإرادتها.. هل لا تعد موازنة؟
بالرغم من تخويل المشرع للمرأة الحق في التطليق الشقاق بإرادتها، إلا أنه بمجرد سلوك المرأة لهذه المسطرة تتجرد من جميع حقوقها، وتتنازل عليها لصالح الرجل من أجل إنهاء العلاقة الزوجية، على الرغم من طول مدة الزواج التي ساهمت الزوجة في تحقيق مكتسبات مالية مهمة مع الزوج، إلا أنها تحرم منها حالة غياب عقد اتفاقي حول تقاسم الممتلكات.
هناك إشكالية أخرى تتعلق بقضايا النسب أيضا...كيف تنظرون لها وآلية معالجتها؟
مع تعقيدات الظواهر السالفة، أصبحت قضايا النسب تطرح نفسها بإلحاح، إذ أن تنامي ظاهرة المولودين خارج مؤسسة الزواج، يسائل المنظومة القيمية في المجتمع بصفة عامة، بقدر ما يستدعي إجراءات إدارية لضمان اندماج هذه الفئة في المجتمع دونما جروح.
ولأن واقعة الولادة في بعدها البيولوجي، تتطلب انخراط ذكر وأنثى في العملية، فإن منطق الأشياء يستدعي ترتيب المسؤوليات على الأطراف جميعها في نتائج هذه الواقعة، بما يكون معه اليوم من الواجب على المشرع التوفر على الجرأة الكافية لاعتماد الخبرة الجينية، التي يلجأ لها في القضايا الجنائية وترتب عليها العقوبات التي تصل إلى الإعدام، دونما تشكيك أو مراوغة، في إثبات بنوة الأطفال المولودين خارج مؤسسة الزواج ضمانا لحقوقهم الأساسية وعلى رأسها حقهم في وضع اجتماعي غير مقص وفي نفقة تسد حاجاتهم الأساسية لا يعقل بحال من الأحوال أن تتحمل وزرها الأم وحدها.
كما أن حجم المسؤوليات ودرجات الوصم والإقصاء الذي تواجه به "الأم العازبة" وأبناؤها، يؤكد ما دعونا إليه بصدد تعديل القانون الجنائي في تأطيره لنتائج الممارسة الجنسية خارج إطار الزواج، وترتيب الآثار على الأطراف بشكل يضمن المساواة بين الرجال والنساء، والإنصاف للأطفال الذين يخرجون إلى الحياة بمناسبتها بدل الاختباء وراء تأويلات لنصوص شرعية، لا تتماشى ومقاصد الدين الإسلامي في إقامة مجتمع عادل.
بعض المطالب أيضا ترتبط بإعادة النظر في منظومة الإرث..هل أنت مع ذلك؟
لابد اليوم من فتح نقاش هادئ ورصين ومتحرر من كل أحكام مسبقة حول منظومة الإرث؛ نقاش يجيب على أسئلة الواقع المغربي وإكراهاته، ويستحضر مبادئ العدل والمساواة والإنصاف.
خاصة مع التطورات الواقعية والاجتهادات الفقهية التي لم تعد تسمح بالتمييز في حق المرأة في التوارث، سواء ما تعلق منه بالتعصيب الذي يخرج من دائرة "الأحكام القطعية"، أو التمايز بين الذكور والإناث والمبني على أسباب انتفت مع واقع اليوم بناء على كون "الأمور بمقاصدها".
حوار/ محمد حميدة