طفلتان مغربيتان تواجهان الحياة بمفردهما بعد فقدان ذويهما تحت أنقاض الزلزال.. فيديو وصور

في واد ذي زرع، بين أشجار اللوز والتفاح والتين، أعلى قمم جبلية محيطة يبلغ ارتفاعها نحو 4 آلاف متر فوق سطح البحر، هنا كل ما تبقى اسم المكان "دوار أنرني"، أما منازله فسويت بالأرض كاملة، فوق رؤوس ساكنيها ومواشيهم وطيورهم.
Sputnik
على مرمى البصر يظهر الدوار كما لو كان "حفنة تراب" عبثت بها عاصفة، لم يبق مرتفعا من عشرات المنازل إلا ثلاثة حوائط شُطرت لنصفين، كي تبقى شاهدة على مكان كان هنا ذات يوم.
رائحة الماشية الميتة تعم المكان، ملابس متناثرة بين الركام، اختلطت بالدم والتراب، أحذية ذات مقاسات مختلفة لأطفال وشباب ونساء وشيوخ، وكتب مدرسية لأطفال توفوا تحت الأنقاض.
متطوع لجمع المساعدات يصف لـ"سبوتنيك" حالة التضامن الواسعة من جميع مدن المغرب... فيديو
بين من نجا هنا عشرات الأشخاص والأطفال وبعض الماشية والطيور، تجلس الطفلة نعمة، البالغة من العمر ثلاثة أعوام، مرتدية قميصا أسود بلون الحزن الذي لم تدركه بعد، كما لم تدرك ما حدث حولها، لكنها تواصل النداء على والدتها التي لا تجيب ولم ترَها منذ 5 أيام، ولن تراها بعد.
أما شقيقتها ياسمين، البالغة من العمر 11 عاما، التي تجلس إلى جوارها فهي تدرك كل شيء، حزن العالم في عينيها، كما لو كانت امرأة ذاقت من الألم سنوات حتى ابيضّ شعرها حزنا.

تحت أشجار اللوز

وسط خيمة وأدوات الطهي، يجلس العشرات من الناجين مع من تبقى من طيورهم التي تدور حولهم في المكان، وماشيتهم الناجية، أسفل أشجار اللوز التي تظلل المكان، ويستظل بها أيضا ما نجا من الماشية.
تقضي الطفلة الصغيرة نعمة الوقت في اللعب بين الأطفال تارة والبكاء تارة أخرى، إذ لا تجيبها والدتها التي رحلت، وبينما تحاول ياسمين طمأنة شقيقتها الصغرى، فإنها تنهار في البكاء معها حزنا على أسرتها.
1 / 9
ياسمين ونعمة طفلتان مغربيتان فقدتا أسرتهما تحت أنقاض الزلزال
2 / 9
ياسمين ونعمة طفلتان مغربيتان فقدتا أسرتهما تحت أنقاض الزلزال
3 / 9
ياسمين ونعمة طفلتان مغربيتان فقدتا أسرتهما تحت أنقاض الزلزال
4 / 9
ياسمين ونعمة طفلتان مغربيتان فقدتا أسرتهما تحت أنقاض الزلزال
5 / 9
ياسمين ونعمة طفلتان مغربيتان فقدتا أسرتهما تحت أنقاض الزلزال
6 / 9
ياسمين ونعمة طفلتان مغربيتان فقدتا أسرتهما تحت أنقاض الزلزال
7 / 9
ياسمين ونعمة طفلتان مغربيتان فقدتا أسرتهما تحت أنقاض الزلزال
8 / 9
ياسمين ونعمة طفلتان مغربيتان فقدتا أسرتهما تحت أنقاض الزلزال
9 / 9
ياسمين ونعمة طفلتان مغربيتان فقدتا أسرتهما تحت أنقاض الزلزال

طفلة وأم وأب

لم تظن ياسمين ذات يوم أنها ستصبح أما وأبا وشقيقة كبرى وهي في سن الحادية عشر، لكن ما وقع في التاسع من سبتمبر/ أيلول الجاري، قلب الحياة رأسا على عقب وغيّر وبدل ملامح الأماكن والبشر في إقليم الحوز وأكادير ومناطق أخرى في المملكة المغربية.
تحمل ياسمين شقيقتها الصغرى صعودا وهبوطا، على حطام منزلهم، حيث تتناثر ملابسهم وكتبهم وكل حاجاتهم بين ركامه، وكأنها تنتظر أن يجيبها والدها أو والدتها في أي لحظة.
تتحدث ياسمين بصوت أجهده النداء على والديها دون إجابة، ولسان أثقله الألم، وفي عينيها حسرة وانكسار لا يفارقان النظر للأرض والمنزل.
وسائط متعددة
زلزال المغرب بعدسات المصورين الصحفيين
تسرد ياسمين لـ"سبوتنيك" تفاصيل ما وقع مساء الجمعة في ليلة حزينة، بلهجتها الأمازيغية التي نصيغها بالعربية: " كنا نجلس أنا وشقيقتي على مسافة داخل المنزل، بينما كانت والدتي ممددة على الأريكة، وكان والدي يتناول "دواء التفاح"، وفجأة اهتز المنزل وأدركنا أنه الزلزال، فأخرج والدي شقيقتي الصغيرة نعمة في ثوان لخارج المنزل، وعاد وحملني إلى الخارج بعد أن عجزت على الهرب من شدة الخوف".
يمنعها البكاء من استكمال حديثها، يغيب صوتها وتمد يدها لتمسح دموعها التي جرت بين جبال الأطلس، تشبه السيل الذي يرافق العاصفة، ومن ثم تستعيد قواها لتكمل: "في الوقت الذي أخرجني والدي للشارع سقطت بعض الأجزاء من سقف المنزل على رأس والدتي التي كانت تحاول الهرب، لكن والدي قرر الدخول لانقاذها، وبمجرد أن دخل من الباب سقط المنزل بالكامل فوق رأسه إلى جوار والدتي وتوفيا معا، فيما توفت جدتي في منزلها بعد سقوطه عليها".
تصمت ياسمين لدقائق مرة أخرى لتعاود الحديث: "كل شيء مشى الوالد ديالي (والدي) والأم وجدتي، والدار ديالنا (دارنا) طاح".
حاول أهل المنطقة الذين نجوا الاستجابة لصرخات الطفلة وإنقاذ والديها دون جدوى، فقد فارقا الحياة قبل إخراجهما من تحت الأنقاض.
أخبرتنا ياسمين بأن العديد من صديقاتها وزملائها في الدراسة توفوا تحت الأنقاض، وأنها لا تعرف كيف ستكمل دراستها، أو ستكمل الحياة دون أسرتها.
بين حطام الزلزال.. متطوعة مغربية "تمشط" شعور الفتيات لتخفيف الحزن عنهن... فيديو وصور
لحظات مرعبة عاشتها ياسمين التي تدرس في الصف الخامس الابتدائي، وكانت تحلم بأن تصبح معلمة لتعلم أطفال المنطقة الواقعة بين جبال الأطلس، والتي يعمل أهلها جميعهم بالفلاحة.
لم يكن الحسن، والد ياسمين موظفا أو صاحب تجارة، كان يعمل في الفلاحة ورعي الماشية، يأكلون من خيرات الأرض ويشربون ألبان الماشية التي قُتلت هي الأخرى تحت جدران المنزل، لم يترك لهم المال ولا الدار، أو ما يمكن معه على العيش الكريم، فيما انهار المنزل، وضاقت الحياة في عيني طفلة لم تدرك من الحياة أي شيء بعد.
في المنطقة هنا رغم بساطة الحال، ومظاهر الفقر، لكن غنى النفس وعزتها يفوق كل وصف، هذا ما وجدته حين هممت بإخراج مبلغ مالي للطفلة الصغيرة التي تواجه الحياة بمفردها، لكنها رفضت، حاولت مرة ثانية وثالثة وعاشرة فرفضت، لاحظ شقيق والدها ما كنت أحاول فعله دون أن يرى، لكن ما رأيته على وجهه من غضب أصابني بالدهشة وقال: "سيدي الكريم هذا عيب نحن لا نقبل من أحد أي شيء... الله معنا وكفى".
يعيش أهل المنطقة هنا في منازل بنيت منذ عقود بطوب اللبن والحجارة، يعملون في الزراعة ورعي الماشية، بساتينهم مثمرة من كل الأشجار"اللوز، التفاح، التين"، والكثير من الأشجار الأخرى، يملكون من الشجاعة والصبر وعزة النفس الكثير، فتجدهم رغم هذا المصاب لا يرددون إلا "لله ما أعطى وما أخذ وكل شيء بقدر".
الصحة المغربية: عدد الجرحى والمصابين الذين تكفلت بهم الوزارة بلغ 6125 شخص
بلغ عدد حالات الوفاة في الدوار حسب ما أخبرنا الأهالي نحو 37 حالة وفاة، وعشرات المصابين، فيما يقيم الناجون في الخيام التي أقامتها السلطات المغربية والأهالي لتقيهم حرارة الشمس وبرودة الليل وسط جبال الأطلس.
وقالت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية المغربية، أول أمس الجمعة، إن عدد المصابين والجرحى جراء الزلزال، الذين تكفلت بهم، بلغ 6125 حالة.
وأعلنت وزارة الداخلية المغربية، في وقت سابق، أن عدد ضحايا الزلزال الذي ضرب عدة مناطق مغربية ارتفع إلى 2946 شخصا، وأضافت أن عدد الإصابات جراء الزلزال وصل إلى 5674.

محمد حميدة
مناقشة