ووفق الخبراء فإن واشنطن تتمسك بمشروع الشرق الأوسط الجديد المدمر، وتسعى للحفاظ على وجودها في المنطقة ومنع التقارب العربي- الروسي، عبر محاولات شتى.
واستخدمت الولايات المتحدة الأمريكية في الأونة الأخيرة في مجلس الأمن الدولي حق النقض (الفيتو) لمنع صدور قرار يفتح الباب أمام منح دولة فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
وحصل مشروع القرار الذي قدمته الجزائر والذي "يوصي الجمعية العامة بقبول دولة فلسطين عضوا في الأمم المتحدة" على تأييد 12 عضوا وعارضته الولايات المتحدة وامتنعت عن التصويت عليه كل من بريطانيا وسويسرا، الأمر الذي اعتبر مساندة للجانب الإسرائيلي على حساب الاستقرار والأمن في المنطقة.
عراقيل واشنطن
يقول الخبير الاقتصادي والأكاديمي اللبناني، عماد عكوش، إن الولايات المتحدة الأمريكية سعت إلى تعطيل أي تعاون اقتصادي أو سياسي، يمكن أن يؤثر على مركزها الدولي، وبالتالي قيادتها للعالم اقتصاديا وسياسيا.
ويوضح في حديثه مع "سبوتنيك"، أن هذه العراقيل تبلورت عبر التاريخ الحديث ومنذ نشأة مجلس الأمن والأمم المتحدة، في استخدامها للفيتو ضد معظم القرارات العربية، والتي كانت مؤيدة بشكل كبير من الجانب الروسي.
ولفت إلى أن "الولايات المتحدة تعتبر وبشكل صريح أي تعاون بين الروس والعرب هو أمر يهدد أمنها القومي، ولذلك سعت إلى عرقلة هذه العلاقة، كما اعتبرت العلاقة ما بين روسيا والاتحاد الأوروبي أيضا تمثل "تهديدا للأمن القومي"، لذلك قامت بضرب هذه العلاقة، بخلق أزمة أوكرانيا، ومنعت التكامل الاقتصادي بين الاتحاد الأوروبي وروسيا الاتحادية، وخشية التأثير على أي قرار سياسي لواشنطن في المستقبل".
امتداد طبيعي
وتابع بقوله: "الشرق الأوسط والدول العربية وبحسب موقعها الجغرافي هي امتداد طبيعي لروسيا والصين، وبالتالي أي تعاون بين هذه الدول على المستويات كافة هو أمر طبيعي، وسيعود بالتأكيد بالنفع على كلا الطرفين".
وأوضح أن "الولايات المتحدة الأمريكية سعت لعرقلة مبادرة "الحزام والطريق"، بكل الطرق، والذي إذا نجح، يعني ربط أوروبا بالصين أيضا من بعد ما تم ربط روسيا بالصين، وعلى كل قطاعات الإنتاج والاقتصاد، ومنها عملية مد أنابيب الغاز إلى الصين وسكك الحديد".
وتابع: "تسعى الولايات المتحدة عبر سياسة "العصا والجزرة" إلى عرقلة العلاقة بين روسيا والعرب، وتقديم مساعدات اقتصادية وعسكرية لتعزيز التعاون والتأثير الأمريكي في المنطقة، مما يترك تأثيراً غير مباشر على العلاقات الاقتصادية بين الدول العربية وروسيا".
التقارب الصيني-الروسي
ولفت إلى أن التقارب المتزايد بين الصين وروسيا يؤثر بشكل كبير على تعزيز العلاقات الروسية مع الدول العربية، خاصة أن التعاون ينبع من المصالح المشتركة، التي يمكن أن تحول منطقة الشرق الأوسط إلى منطقة عبور إلى كل القارات عبر مبادرة "الحزام والطريق"، إضافة إلى الاستفادة من الطاقة الرخيصة، التي يمكن أن توفرها روسيا الاتحادية، لكافة شركائها الاقتصاديين، ما يعزز إنتاجها الصناعي وحركة السياحة لديها وبشكل كبير جدا".
قوة روسيا العسكرية
من ناحيته قال الخبير السياسي الجزائري، نبيل كحلوش، إن روسيا تمثل قوة عسكرية وجيوسياسية مهمة بالنسبة للدول العربية.
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن مسار التقارب بين روسيا والبلدان العربية وجد منافسة حادة مع أمريكا، التي سبقت روسيا في التوطن عسكريا واقتصاديا في المنطقة، مما أشعل فتيل تنافس حاد بين القطبين، لكن الأساليب الأمريكية في إفشال التقارب الروسي-العربي لم تنجح، لأنها كانت تقليدية في تطبيقها حيث لا تزال تستخدم لغة التهديد والقوة وغيرها.
وتابع: "تتجه العلاقات الروسية-العربية إلى تقارب غير مسبوق سيشمل قطاعات الطاقة والتكنولوجيا والدفاع والثقافة، وبالأخص أن انفتاح روسيا على العالم الإسلامي، سيسهم في تقاربها مع البلدان العربية".
من جهة أخرى يرى أن "التقارب الصيني-الروسي هو عامل آخر ذو خصوصية معينة ولن يكون بالضرورة معززا للتقارب مع الدول العربية، خاصة أن الصين لها خصوصية في التمدد، عبر الدخول بالقدم الاقتصادية ثم توطين رعاياها كمرحلة ثانية، وهذا ما لا تفعله روسيا، خاصة أن الخطوة الصينية قد تشكل توجسا معينا عند العرب باعتبارها نوعا من أنواع التوغل".
شق الصف
واستطرد: "لقد سعت واشنطن لشق الصف العربي مرارا وتكرارا، ونجحت في ذلك بشكل كبير جدا، ولكن النتائج المروعة لذلك جعلت العرب يدركون أن مواجهة التقلبات الدولية بدون تكتلات إقليمية تجمعهم هي مواجهة خاسرة".
ويرى أن واشنطن قد تغير مقاربتها في ذلك وتعمل على الاحتواء بدلا من إحداث الصدع المباشر، بدليل التغييرات الجيوستراتيجية التي بدأت تُبديها من خلال إعادة انتشار قواتها العسكرية في الخريطة -مثل النيجر- وكذا تشكيلها للرصيف العسكري قبالة سواحل غزة والذي يمثل معطى جديدا في المعادلة.
في الإطار قال المحلل الاستراتيجي محمد سعيد الرز، إن الولايات المتحدة الأمريكية حاولت استغلال انهيار الاتحاد السوفياتي، خلال ثمانينات القرن الماضي، لتبسط هيمنتها على العالم، ولتنصب نفسها قطبا دوليا أحاديا.
التراجع الأمريكي
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن التراجع الأمريكي، بدأ لعدة أسباب أبرزها الصعود المتعملق للتنين الصيني واكتساحه المجالات الاقتصادية، وتوسع الدور الروسي عالميا، وخاصة في ما يسمى بالعالم الثالث وأمريكا اللاتينية، ثم تصاعد حركات التحرر القومي والوطني في العالم، واتجاه النظم لتعزيز النهوض الوطني اقتصاديا واجتماعيا، بعيدا عن الإملاءات الخارجية من كوبا والبرازيل ومحيطهما إلى قلب أفريقيا مرورا بالدول الأسيوية ووصولا إلى العالم العربي.
وتابع: "كل ذلك تجسد عمليا مع نهاية القرن العشرين في الوقت الذي غرقت فيه أمريكا في أزماتها الاقتصادية، وفي حروبها الاستعمارية في أفغانستان والعراق وفلسطين، كما شهدت بعض ولاياتها نزعات قومية استقلالية مثل كاليفورنيا وتكساس وغيرها، فيما تهاوت مبادئ ولسون وايزنهاور، وتحولت الديمقراطية الأمريكية، إلى حالة استبداد استعماري".
واستطرد "مقابل ذلك كسرت منظومة "دول البريكس"، إحادية القطب الأمريكي وطرحت مبادئها في فلسفة التشاركية العالمية، التي تضمن التكامل في الاقتصاد والتنمية دون التدخل في الشؤون الداخلية للدول".
أهداف واشنطن
ومضى بقوله: "لقد وجدت الولايات المتحدة أن معظم أوراق العالم تسقط من يدها، خاصة وأنها من دون إرث حضاري، فيما يتشبع محور الشرق بتاريخ حضاري مضيء ، ولذلك فإنها وجدت أن قلب العالم، وهو الشرق الأوسط وفي قلبه المنطقة العربية تحول شرقا واتجه للتكامل مع منظومة "البريكس" التي تتسع باستمرار وتقوي ركائزها مع كل دول العالم المتطلعة للتحرر والتقدم، وهي ترسم مشاريع ضخمة ليس أقلها كسر احتكار الدولار الأمريكي".
ووفق الرز "بدأت مواجهة أمريكا ومعها حلف الأطلسي للدول المتجهة نحو الشرق، وخاصة الدول العربية التي تملك مقومات الثروة والقوة، مثل مصر والسعودية على وجه التحديد، فبدأت بفرض حصار مالي واقتصادي عليها ولوحت لها في نفس الوقت بمزايا وقروض وتسهيلات، لكن ذلك كله يدخل تحت بند المؤقت، لأن القادة العرب استفادوا من التجارب السابقة والحالية بأن أمريكا دولة غير مؤتمنة".
ويرى أن واشنطن "تتخلى حتى الآن عن مشروع الشرق الأوسط الجديد المدمر، لوحدة الكيانات العربية، وهي شريك أساسي في حرب الإبادة للشعب العربي الفلسطيني، وهي تستغل الحرب على غزة لتغيير خرائط الدول العربية بما يخدم مصالحها الاستعمارية".