يتوقع خبراء بانعكاسات مهمة ستطال ملفات الهجرة وكذلك الأزمات الدولية وسيطرة واشنطن على قرار أوروبا، وكذلك العلاقة مع الجاليات العربية والإسلامية في هذه الدول.
وأعربت زعيمة اليمين المتطرف الفرنسية، مارين لوبان، عن استعدادها لتولي السلطة في فرنسا، في ضوء الانتخابات المبكرة التي أثارها الفوز الساحق، الذي حققه حزب "التجمع الوطني" في انتخابات البرلمان الأوروبي، التي جرت أول أمس الأحد.
وقالت لوبان في باريس: "نحن مستعدون لممارسة السلطة إذا وضع الشعب الفرنسي ثقته فينا في هذه الانتخابات البرلمانية المقبلة"، وفقا لوسائل إعلام فرنسية.
وتابعت لوبان: "نحن مستعدون لإعادة بناء البلاد، ومستعدون للدفاع عن مصالح الفرنسيين، ومستعدون لوضع حد لهذه الهجرة الجماعية، ومستعدون لجعل القوة الشرائية للفرنسيين أولوية، ومستعدون لبدء إعادة تصنيع البلاد".
تعد دول "المغرب العربي" في صدارة التغيرات التي قد تطرأ رغم عدم سيطرة اليمين المتطرف على الأغلبية، إلا أن الخبراء يتوقعون تغيرا في السياسات، والمزيد من الضغط في قضايا الهجرة، إذ تمثل دول شمال أفريقيا محطة مهمة في الملف، باعتبارها دول عبور.
تحولات هامة
تقول بدرة قعلول، رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية في تونس، إن "الساحة الأوروبية تشهد تحولات دولية هامة بعد صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة، التي استغلت المناخ العام وتقلبات البيئة الداخلية والخارجية".
وأضافت في حديثها مع "سبوتنيك"، أن "هذا الصعود يؤثر حتما على المناخ السياسي، الذي تعمل فيه المفوضية الأوروبية ضمن مصالح الاتحاد الأوروبي الاقتصادية والسياسية المرهونة بارتباطات مع دول حوض المتوسط منها تونس والجزائر وليبيا والمغرب، حيث تسعى هذه الأحزاب التي تبني رؤى أمنية وسياسية واقتصادية توصف "الجريئة والقاسية، وسط تحذيرات من أن ذلك قد يضعها في موضع مواجهة وصدام مع جميع القوى السياسية الأخرى بهدف تعزيز موقعها ضمن الخارطة السياسية المستقبلية".
وتابعت قعلول: "بات معروفا لدى دول المغرب العربي السياسة الممنهجة التي يتخذها الاتحاد على تنوع خلفياته الحزبية، ومهما كانت أيديولوجياته السياسية مع حكومات شمال أفريقيا خصوصا وأن إيطاليا وألمانيا، قد خططتا لنقل إجراءات اللجوء لدول أفريقية، بإرسال المهاجرين الذين يتم إنقاذهم في البحر المتوسط إلى شمال أفريقيا، دون أن يكون هناك تنسيق أمني يذكر أو تفعيل لاتفاقيات تعاون في المستوى الأمني، ما يعني أن المرحلة المقبلة ستشهد سجالا بشأن هذا الأمر".
عوامل إقليمية ودولية
ولفتت قعلول إلى أن "عدّة عوامل إقليمية ودولية تساعد على تقدّم الحركات المتطرفة، من ضمنها الأوضاع الاقتصادية والبطالة والهجرة والخوف من الإرهاب والحروب في الجوار المتوسطي، وكلها عناصر أساسية في خطاب هذه الحركات التي تستقطب الرأي العام الأوروبي".
بشأن ملف الهجرة وآلية التعامل بين الدول الأوروبية ودول "المغرب العربي"، لفتت قعلول إلى أن "ملف الهجرة واللجوء مازال شائكاً داخل الاتحاد الأوروبي، وربما يظل ثغرة في خطط الإصلاح، التي تقوم بها الدول لمواجهة مواقف التيارات اليمينية، حيث تعارض بعض الأحزاب التقليدية الإجراءات المشددة ضد طالبي اللجوء والهجرة، نظراً لأنهم يرون أن استقبال اللاجئين والمهاجرين هي مسؤولية إنسانية تقع على عاتق الاتحاد، بينما ترفض أحزاب أخرى هذه التعديلات على ميثاق اللجوء والهجرة لانصياع الحكومات لأفكار اليمين المتطرف، ما يزيد المخاوف على مكانة الاتحاد الأوروبي على الساحة الدولية".
وأردفت قعلول، بالقول: "في مقابل ذلك فإن التهديد الفعلي لظاهرة اليمين المتطرف تتجلى في كراهية المهاجرين والأجانب والعنصرية، ومعاداة الحريات، إذ تتجسد عبر تنظيمات غير قانونية نشطة، في ألمانيا مثلا منذ العام 2022، شهدت 569 جريمة على الأقل استهدفت المسلمين، ليرتفع الرقم إلى 686 جريمة حتى سبتمبر الماضي، كذلك استهداف المساجد، إذ وقع 81 اعتداءً ضد المساجد منذ مطلع 2023".
استغلال ملف المهاجرين
وترى أن "أحزاب اليمين تستعد لاستغلال ملف المهاجرين للانقضاض على السلطة هذا الصيف الانتخابي الساخن في أوروبا".
وأشارت إلى أن "الأحزاب التقليدية في أوروبا، أثبتت عدم قدرتها الفعلية على معالجة ملفات قارتها العجوز التي باتت تتخبط من هنا وهناك، وأنه بفوز اليمين المتطرف لا تصور لتداعيات إيجابية، خاصة أنه يعتمد في أفكاره نزعة متطرفة، ولديه تمسك متطرف بالقيم الوطنية وبالهوية السياسية والثقافية واللغوية، ويتسم بميل شديد للمحافظة الدينية المسيحية ومعاد للأجانب وللمسلمين ولغير البشرة البيضاء".
ولفتت إلى أن "الأمر بات مقلقا لدول الاتحاد، هو نسف الأرضية الوسطى للجميع أي بين مناصري الديمقراطية المزعومة ومناصري التطرف على اعتبار أن التجربة أثبتت أن كلاهما وجهان لعملة واحدة أو عملة مصدرها معاداة السلام والأمن، والعمل على الهيمنة وسرق الثروات تحت غطاء شعارات باتت زائفة ومخادعة مثل الديمقراطية والعدالة والتعاون المشترك".
وحذرت قعلول من أن "دول المغرب العربي ستكون في تبعات هذه الآثار، وعليها التحوط والتعامل مع هذا التيار الأوروبي الجديد بسياسة أكثر نضجا، نحو مزيد الضغط في تسوية الملفات التي بقيت عالقة، وفي مقدمتها الهجرة والحدود واحترام السيادة الداخلية، والإنهاء مع منطق الوصاية والتبعية والنهب، حيث يمكن للاتحاد المغربي العربي إنشاء قوة دولية وازنة، لها سياستها ومقدراتها ومقرراتها، متى كانت أكثر تنسيقا في إدارة علاقاتها وتحالفاتها الاستراتيجية".
في الإطار، قال محمد الطيار، الخبير الأمني المغربي، إن "نجاح اليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية بالبرلمان الأوروبي، هي سابقة في تاريخ البرلمان".
انعكاسات أمنية
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن "الخطوة لها انعكاساتها على العديد من الجوانب، منها الصلاحيات التشريعية الخاصة بالهجرة".
ولفت إلى أن "اليمين المتطرف حصل على 40% من الأصوات في فرنسا وحدها، ما جعل ماكرون يستشعر الخطر، وحل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية جديدة".
وشدد على أن "فوز اليمين المتطرف يدفع نحو اتخاذ إجراءات أكثر صرامة، التي تؤثر بشكل مباشر على دول شمال أفريقيا، والدول الأفريقية عامة، مخلفة انعكاسات اجتماعية واقتصادية هامة".
أبرز الملفات
فيما يقول البرلماني التونسي السابق، حاتم المليكي، إن "أبرز الانعكاسات التي ستثير النقاش الأيام المقبلة تتمثل في الموقف من روسيا والأزمة الأوكرانية".
ويرى أن "النتائج لا تؤثر بشكل كبير على العلاقة مع دول شمال أفريقيا، على المدى القريب، إلا في حال متغيرات تهم الحرب على غزة أو الأزمة الروسية الأوكرانية".
ويرى أن "الأمر مرتبط بنتائج الانتخابات الأمريكية القادمة، خاصة أن العالم يشهد مرحلة إعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة، والتي ستظهر توازنات جديدة على المدى المتوسط تهم التوازنات الدولية".
وكان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، قد دعا إلى انتخابات تشريعية، نهاية الشهر الجاري، بعد نتائج الانتخابات الأوروبية، التي شهدت فوز اليمين المتطرف.
وقال ماكرون، في كلمة متلفزة، عقب إعلان نتائج الانتخابات الأوروبية: "أعلن حل الجمعية الوطنية وسأوقّع بعد قليل مرسوم إجراء الانتخابات التشريعية للدورة الأولى، في 30 يونيو(حزيران الجاري)، والدورة الثانية في 7 يوليو (تموز المقبل)".
وأضاف: "نتيجة الانتخابات الأوروبية ليست نتيجة جيدة للأحزاب التي تدافع عن أوروبا"، مضيفا أن "صعود القوميين يشكل خطرا على أمتنا".