وصف الخبراء والمحللون تلك الإحاطة بأنها تدور في نفس الدائرة ولن تخرج عن سياسة سابقيها. وأكثر من ثمانية مبعوثين أممين إلى ليبيا لم يصلوا بها للحل المنشود الذي طال انتظاره، انتخابات واستقرار عجز عنها كل المبعوثين الأمميين، فهل ستختلف ستيفاني خوري عنهم بعد استلامها مهام البعثة؟
السيطرة الأمريكية
يرى المحلل السياسي والأكاديمي الليبي محمود إسماعيل الرملي، أن "العملية السياسية في ليبيا متعثرة جدا وبها الكثير من الإشكاليات فلقد تعاقب على ليبيا 9 مبعوثين أمميين وآخرهم المبعوثة الأممية بالإنابة ستيفاني خوري التي جاءت بعد استقالة المبعوث السابق عبدالله باتيلي الذي يأس في حل الأزمة الليبية".
ولفت الرملي في تصريح خاص لـ "سبوتنيك" إلى أن "وجود خوري على رأس البعثة ربما يوحي بأن الإدارة الأمريكية تسيطر على المشهد الليبي، وهو مشهد دولي محلي، ربما يجعل من غير الإمكان استمرارها في هذا المشهد".
واعتبر أن إحاطتها الأولى كانت مخيبة للآمال كونها لم تتجه لوصف الإشكال الحقيقي، ولم تتجه لإمكانية اقتراح حلول بشكل فعلي، وإنما كانت تفعل كما فعل من سبقوها في هذا المشهد.
وأكدت أن البعثة الأممية أصبحت جزءا من الإشكال ولم تعد جزءا من الحل ما لم يتم العمل على إصلاحها. وأشار إلى أن خوري تحدثت عن العملية السياسية وبدأت من الصفر وتواصلت مع أجسام فاقدة للشرعية، وأكد الرملي أن ما يريده الليبيون هو الانتخابات، ولكن يجب على المجتمع الدولي إيقاف الاعتراف بهذه الأجسام من أجل الخروج من الأزمة.
وشدد على ضرورة وجوب وضع حد لهذه الأزمة، ويجب وضع جدول زمني للانتخابات يعتمده المجتمع الدولي لإنهاء الأزمة، ويجب وضع حد لهذا العبث السياسي حتى تكون هناك نهاية لهذه المرحلة.
الفشل الذريع
ووصف الرملي أن الأمم المتحدة فشلت فشلا ذريعا، ويجب أن يكون هناك توجه للتغيير بدل العمليات التجميلية التي تحاول فيها إرضاء الجميع دون إرضاء الليبيون.
وبحسب الأكاديمي الليبي، فإن الأمور لا تسير بشكل جيد وتوحي باستمرارية نفس الأزمة، مؤكدا أن البعثة أثبتت بأنها فاشلة بإمتياز. وشدد على ضرورة أن يكون هناك وضوح في الرؤية ووضع سقف زمني لإنهاء الأزمة السياسية، وتوجه لخلق حكومة موحدة، وأجسام موحدة، وإنهاء الأزمة وإعادة تجديد الشرعية من الشعب الليبي.
انحياز واضح
واعتبر المحلل السياسي محمد امطيريد، أن ما تقوم به خوري هو تكرار لما قام به المبعوثين السابقين أمام الأمم المتحدة وبأنهم دائما ما يلوحون بأن الأطراف الليبية هي سبب الأزمة الليبية والانقسام في البلاد.
وتابع في تصريح خاص لـ "سبوتنيك" أن بعثة الأمم المتحدة تناست بأنها السبب الرئيسي في الصراع الدائر في ليبيا من خلال طرحهم عدة ملفات منها السياسي والاقتصادي والأمني والعسكري، وهذا ما يحمل شكوكا كبيرة بأن البعثة لا تريد إنهاء هذا الصراع بالذهاب للمشكلة الرئيسية وهو ما يدور في العاصمة طرابلس من انقسام وسيطرة التشكيلات المسلحة عليها، وما فعله المصرف المركزي من إساءة لكل الليبيين.
واعتبر أن تعزيز الموقف الدولي لهذه التكوينات الموجودة في العاصمة يجعل الليبيين أمام حوار منغلق جديد وتكرار لسيناريوهات مستهلكة للمبعوثين السابقين.
وذكر امطيريد أن "خوري وصفت الملف السياسي الليبي بالجامد، في الوقت الذي كان من المفترض أن يكون هناك حوار شامل، وطرحت خطة عبدالله باتيلي الخماسية لأطراف القوى في إشارة منها لإدماج عبدالحميد الدبيبة في حوار قادم، وهذه هي المشكلة الحقيقية إدماج شخص كان من المفترض أن يقوم بتسليم السلطة في ديسمبر 2021، والذي انقلب على الميثاق الذي وضع في برلين، وقع الدبيبة في جنيف وثيقة يتعهد بها بأنه سوف يقود البلاد للانتخابات، وهذه هي المشكلة الأساسية التي عاد إليها المبعوثين باتيلي وخوري وكأنهم يريدون إقحام الدبيبة في أي حوار قادم".
وأوضح أن "خوري لم تضع أي خطة جديدة، إلا أنها من الممكن أن تعمل كما عملت ستيفاني ويليامز إلى لجنة حوار مفادها الخروج بحكومة مؤقتة حسب وصفها، مع العلم بأن الحكومات المؤقتة هي المشكلة الكبرى لأن الحكومات التي المؤقتة لن تسلم السلطة ولن تقوم على إجراء الانتخابات ولن تحل مشكلة الشعب الليبي".
تعميق الأزمة
ولفت إلى أن الأمم المتحدة وبعثتها تعمل على تعميق الأزمة الليبية من خلال مجلس الأمن الذي يقوم بإصدار قراراته ضد الشعب الليبي.
وأكد أن "البعثة هي السبب الرئيسي وأن خوري لن تأتي بحل جديد سوى إعادة تدويرها للمشهد ومن أكبر المشاكل التي تعاني منها الدولة الليبية هي مشكلة السياسة النقدية التي تسبب بها المصرف المركزي ولم تتطرق لها خوري في إحاطتها، بل أشارت لهشاشة الوضع الاقتصادي الليبي وكأنهم أوصياء على هذا الشعب، وأنهم من يقوم بوضع السياسات النقدية من خلال إحاطتها".
ولم ير امطيريد أي علاقة لخوري والأمم المتحدة للحديث عن الملف الاقتصادي، وتناست دورها الأساسي وهو الحل السياسي ووضع أدوات التوافق بين الفرقاء الليبيين، بهذا الأسلوب لن تحل البعثة الأممية الأزمة في ليبيا التي تمارس اختصاصات ليس من شأنها التعامل بها.
وقال: "خوري أشارت إلى مهاجري السودان ولم تتحدث عن جهود الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان التي لم تدخر جهد في إيواء المهاجرين السودانيين، وكأن الأمم المتحدة هي التي سوف تضع حلا لها، كل المشاكل التي تحدث في ليبيا جاءت عن طريق البعثة الأممية".
وطالب امطيريد من مجلس الأمن ضرورة إخراج البعثة الأممية من ليبيا، لأنها أزّمت الصراع وأصبحت مسيئة لسيادة ليبيا وانحيازها لأطراف غير شرعية، ولن تأتي البعثة بأي حلول فعلية.
غياب الحل
ومن جانبه، قال المحلل السياسي إدريس أحميد في تصريحه لـ"سبوتنيك"، إن "إحاطة خوري معتادة، تناولت فيها ما قامت به من أعمال منذ استلامها هذه المهمة، والمشهد الليبي واضح والأزمة الليبية واضحة خاصة وأن خوري كانت تعمل في الملف الليبي وهي على دراية بمواضع الخلل في المشهد السياسي الليبي".
وأوضح أن هذه الإحاطة جاءت في فترة انسداد سياسي، واحتقان شعبي كبير تحدثت عنه خوري فيما يتعلق بمعاناة الليبيين اليومية وشبهات الفساد والأزمات الاقتصادية، وتحدثت عن الانتخابات، وأغلب الليبيين يريدون الذهاب للانتخابات، ولكنها لم تتحدث عن رؤيتها أو تصورها لذلك لأن الأزمة الليبية تتطلب الخروج من إدارة الأزمة إلى خلق حل، والحل في ظل هذا التكرار لن يأتي بجديد.
ويعتقد بأن "خوري سوف تعمل على تشكيل حكومة جديدة، ولكن لم تتضح آليات تشكيلها ومدتها، وتطرقت في إحاطتها للحديث عن الوضع الأمني في المنطقة الغربية، لأن الوضع الأمني في ليبيا يعد أبرز نقاط الخلاف في البلاد وهي التي تعود بالمشهد الليبي للوراء، وهي نقطة مهمة لم تعطيها حقها في إحاطتها".
وقال: "كان من الضروري أن تتحدث عن انتشار السلاح خارج سلطة الدولة الذي يهدد العملية الانتخابية هو نقطة مهمة وهي أبرز مواضع الخلل في ليبيا". ويرى بأن تحركاتها خجولة، وكان من الضروري أن تضع رؤية لأن المشهد الليبي واضح ويتطلب الخروج بفائدة حقيقية تحقق إجراء الانتخابات والاستقرار في البلاد.
واعتبر أحميد أن مجلس الأمن والأمم المتحدة لن يتمكنا من صنع حل في ليبيا في ظل الانقسام السياسي، وكان على خوري أن تبحث عن الأطراف الليبية الجادة في إيجاد حل، وأن تسعى بأن يكون الحل ليبي ليبي وأن تعمل خلال هذه الرؤية.