لماذا يقلق الغرب من التقارب الروسي العربي؟

علم الاتحاد الأوروبي
تظهر التحركات والتصريحات الغربية قلق "دول الاتحاد" وواشنطن، من التقارب العربي والأفريقي مع روسيا ودول الشرق، خلال السنوات الأخيرة، مما يدفعهم لاتخاذ خطوات تزيد يراها الخبراء تهدد السلم والأمن في المنطقة.
Sputnik
ويرى الاتحاد الأوروبي في المنطقة العربية مصالح استراتيجة ومنطقة نفوذ، لكنه لم يقم شراكات قائمة على أساس الندّية، كما تعامل مع المنطقة طول عقود طويلة بمنطق "الاستعمار" لا الشريك، وفق الخبراء.
وفي عام 2022، قال الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إن بلاده "لا تعتزم الانسحاب من الشرق الأوسط، وترك فراغ في المنطقة لمصلحة قوى أخرى، ولن نترك فراغا تملؤه الصين أو روسيا أو إيران".
وجاء تصريح بايدن في لقاء قمة مع قادة مجلس التعاون الخليجي والعراق والأردن ومصر في جدة في ختام زيارة إلى الشرق الأوسط، حيث قال: "سنعمل في منطقة الشرق الأوسط ونؤسس لعلاقات اقتصادية مستدامة، والولايات المتحدة ستبقى شريكا نشطا في الشرق الأوسط، والمصالح الأمريكية مرتبطة مع النجاحات في الشرق الأوسط".
وفي الآونة الأخيرة، أعرب الاتحاد الأوروبي عن قلقه البالغ إزاء التقارب المتزايد بين تونس وكل من روسيا والصين وإيران، إذ أعرب مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، عن قلق "الاتحاد" البالغ إزاء تقارب تونس مع روسيا والصين وإيران؛ حيث يعتبر الاتحاد هذا التقارب بمثابة "تطور مثير للقلق".
وفي يوليو/ تموز 2022، أعرب الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عن قلقه إزاء توسيع العلاقات الدبلوماسية والعسكرية لروسيا مع عدد من الدول الأفريقية، تزامنا مع جولة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الأفريقية حينها.
وقال ماكرون في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الكاميروني في ذلك الوقت، بول بيا: "لن أسمي الأمر تعاونا (روسيا مع الدول الأفريقية)، فهو أشبه بالتواطؤ مع السلطات السياسية الضعيفة أو المجالس العسكرية غير الشرعية"، وفق وصفه.
تونس ترد على "قلق الاتحاد الأوروبي" من تقاربها مع روسيا والصين
إحصاءات
تظهر الأرقام لبعض الدول العربية تراجع حجم التبادل التجاري مع دول الاتحاد الأوروبي، في المقدمة منها الجزائر، إذ انخفضت القيمة الإجمالية لصادرات الاتحاد الأوروبي إلى الجزائر بشكل مطّرد خلال السنوات الماضية من 22.3 مليار يورو في العام 2015 إلى 14.9 مليار يورو في العام 2023، بحسب الأرقام التي أعلنتها المفوضية الأوروبية.
في المقابل، كشفت وزارة الصناعة والانتاج الصيدلاني بالجزائر، ارتفاع نسبة التبادل التجاري الجزائري الروسي بـ 02%، مفيدة بالتزان البلدين على تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين خلال السنوات المقبلة.
كما أكد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، أن قيمة التبادل التجاري بين مصر ودول الاتحاد الأوروبي سجلت 31 مليار دولار خلال عام 2023، مقابل 38.6 مليار دولار خلال عام 2022 بانخفاض %19.2.
وفق نفس الجهاز، سجل حجم التبادل التجاري بين مصر وروسيا 14% خلال الـ 11 أشهر الأولى من 2023.
كما ارتفع حجم التبادل التجاري بين روسيا والمملكة المغربية في الفترة من يناير إلى فبراير 2022 بنحو 50%.
اقتصادي عماني: التبادل التجاري وتدفق الاستثمارات بين موسكو ومسقط حققا تناميا هاما
منطقة نفوذ
من ناحيته، قال الخبير الاستراتيجي، محمد سعيد الرز، إنه "في خضم الصراع الدائر دوليا لتعديل النظام العالمي، والوصول إلى عالم أكثر عدالة، وأمام التعنت الأمريكي، وتابعه الأطلسي لنفخ روح الاستمرار في نهج الاستعمار الذي يعتمده محور الغرب، يصبح طبيعيا أن يقلق الاتحاد الأوروبي وقبله الولايات المتحدة الأمريكية من تقارب تونس مع روسيا والصين ومحور الشرق عموما".
وأضاف في تصريحات لـ"سبوتنيك" أن "تونس ودول المغرب العربي تمثّل مكانة هامة وفعالة بالنسبة للاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى أن أي دولة في المنطقة العربية تنحو بهذا الاتجاه، إنما تدق مسمارا في نعش الأحادية الأمريكية القطبية".
وتابع أن "منطقة الشرق الأوسط تمثّل قلب العالم، وعلى حسب ميل كفتها تكون المتغيرات، وتتعدل الحسابات الاستراتيجية".
واستطرد أن "وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، هنري كيسنجر، والذي كان ثعلب السياسة الخارجية الأمريكية قال في إحدى مقالاته عام 2011، إن الشرق الأوسط الذي يضم الدول العربية، إضافة إلى تركيا وإيران هو المنطقة ذات المركز الأول في الصراع العالمي، فهو مستودع الطاقة الذي ترتبط به الحضارة وهو عقدة المواصلات بين أوروبا وآسيا وأفريقيا".
منطق استعماري
وخلص محمد سعيد الرز إلى القول إن: "السيطرة على الشرق الأوسط من أي قوة دولية، تعني السيطرة على أوروبا".
ويرى أن "الرؤية لكيسنجر، والتي لا تزال الإدارة الأمريكية تتبعها حتى الآن، أو على الأقل تسير وفق روحيتها، اصطدمت بالاستراتيجية الصينية والروسية الخاصة بالتعامل مع الشرق الأوسط، والتي تقوم على مبدأ التكامل في التنمية والتعاون في فتح مجالات التقدم وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للمجتمعات ولأنظمة الدول".
وأشار إلى أن "الرؤية الروسية والصينية، هي بديل عن عصور من الاستعمار الغربي، المدمر للسيادات الوطنية والناهب لثروات الشعوب".
وأوضح أن "ما أصبحت عليه منطقة الشرق الأوسط، توضح وجود تقدم مضطرد في العلاقات بين تركيا وإيران، وعدة دول عربية وأفريقية، وآخرها تونس، مع محور الشرق بزعامة روسيا والصين".
وتابع: "في الوقت الذي تعمل فيه الولايات المتحدة، ومعها حلف الأطلسي على تنفيذ مشاريعها الاستعمارية ومخططاتها التآمرية، ضد معظم دول الشرق الأوسط مستخدمة مبدأ التطويع بالقوة، الذي يثبت التاريخ القديم والحديث فقدانه إمكانية الثبات والاستمرار".
تقرير يكشف انخفاض التبادل التجاري بين روسيا والاتحاد الأوروبي إلى أدنى مستوياته منذ عام 2000
مصالح اقتصادية
في الإطار، قال الخبير الاقتصادي، الدكتور عماد عكوش، إن "دول شمال أفريقيا، وابتداءا من بوابة أفريقيا الشمالية تونس تقلق الاتحاد الأوروبي، لعدة أسباب، لما لها من خصائص، إذ تعتبر الدولة الأقرب إلى الكثير من دول الاتحاد الأوروبي، وهي مقصد الهجرة غير الشرعية باعتبارها نقطة عبور".
وأضاف في تصريحات لـ"سبوتنيك" أن "العديد من الأسباب والعوامل تقلق الاتحاد الأوروبي منها التأثير على النفوذ ، إذ أن تنامي العلاقات بين الدول العربية وروسيا والصين، قد يؤدي إلى انخفاض نفوذ الاتحاد الأوروبي في المنطقة، وهو مهم لأوروبا في تحقيق مصالحها الاقتصادية والسياسية والأمنية".
أما العامل الثاني بحسب رأي عكوش، فإنه "يتمثل في الموارد والطاقة، إذ تعتبر شمال أفريقيا بما تمتلك من موارد طبيعية هامة مثل النفط والغاز، وهي شبكة أمان بالنسبة للاتحاد، في حين أن تعزيز العلاقات مع روسيا والصين قد يهدد إمدادات الطاقة إلى أوروبا، وبالتالي اضطرارها إلى اعتمادها على مصادر أخرى".
بينما يرى عكوش أن العامل الثالث "يخص المنافسة الاقتصادية، إذ أن الشراكات بين الدول العربية وروسيا والصين، قد تقلل من الفرص التجارية والاستثمارية المتاحة للشركات الأوروبية، الأمر الذي ينعكس على الاقتصاد الأوروبي بطبيعة الحال"، موضحا:
"عامل آخر يتمثل في الهجرة، خاصة أن التغيرات في السياسة الخارجية لدول شمال أفريقيا، قد تؤثر على التعاون في قضايا الأمن والهجرة، وبالتالي إمكانية عدم التعاون في مجال "غلق الحدود" أمام المهاجرين نحو أوروبا واردة، في حين أن الاتحاد الأوروبي يعتمد على التعاون مع هذه الدول للحد من الهجرة غير الشرعية".
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن "الاتحاد الأوروبي قلق من أن التقارب مع روسيا والصين، باعتقاده قد تزيد من التوترات في المنطقة، وتؤدي إلى عدم الاستقرار، مما يمكن أن يؤثر على أمن واستقرار أوروبا، لذلك لن يسمح بهذا التقارب ويسعى إلى إفشاله بكل ما أوتي من قوة".
وشدد عكوش على أن "العوامل السابقة تؤدي إلى ممارسة الاتحاد الأوروبي المزيد من الضغوط على دول شمال أفريقيا، لوقف هذا التنسيق وهذا التعزيز للعلاقات، كما أنه يسعى إلى الحفاظ على نفوذه وتعزيز مصالحه في المنطقة".
وسجّل التبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي والدول العربية، 315.9 مليار يورو خلال عام 2017، مقارنة بـ295.5 مليار يورو عام 2016.
مناقشة