إلى أين سيصل الخلاف الأمازيغي في ليبيا بعد التوترات الأخيرة التي شهدتها البلاد؟

قوات الجيش بالمنطقة الغربية تسيطر على معبر رأس جدير الحدودي غرب ليبيا
أثارت بعض القرارات الرسمية الصادرة عن حكومة الوحدة الوطنية الليبية، غضبا لدى طائفة الأمازيغيين في ليبيا.
Sputnik
وكان وزير الداخلية في الحكومة أصدر قرارا بإعادة فتح معبر "رأس جدير" مع تونس، اليوم الاثنين، وفقا لبوابة "الوسط" الليبية، والدخول إلى مدينة زوارة الأمازيغية، وهو القرار الذي تسبب في موجة غضب لدى الأمازيغيين.
تهميش مستمر
وتعليقا على ذلك، قال الناشط الحقوقي، فتحي يوسف، إن "تحركات الأمازيغ في ليبيا في الفترة الأخيرة كانت ناتجة عن بعض التصرفات العنصرية من قِبل وزير الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية، وقيامه بتغيير مدراء الأمن بالمنطقة، وتغيير أسماء مناطق المكون الأمازيغي، إذ أن رفض الأمازيغ هذه التحركات ليس اعتراضا على تغيير معين، ولكن ما يحدث هو شخصنة لبعض القرارات الناتجة من وزير الداخلية، وقد تم رفض هذا الأمر، ويجب تثبيت المديريات الأمنية حتى يتم تكوين دولة".

وأضاف يوسف في تصريحات لـ"سبوتنيك": "وتكررت هذه الأمور بالتهديد بالدخول إلى مدينة زوارة ومنفذ رأس جدير الحدودي، متحججين بوجود العلم الأمازيغي الذي يمثل هويّة أمازيغية، ولا يمثل أي جانب سياسي، ولا يعني رفض الأمازيغ لعلم الدولة الليبية، وهذا الأمر معروف لدى الجميع منذ عدة سنوات مضت".

وتابع: "هدد وزير الداخلية عدة مرات وحاول اقتحام مدينة زوارة الأمازيغية بالقوة، واستعمال القوة بدافع التهريب وغيره، تاركا مدينة الزاوية التي تعتبر معقل تهريب الوقود، وذهب لمدينة زوارة لاحتلال المنفذ الحدودي، وتم تغيير واستبعاد كل الضباط الأمازيغ في كل الأجهزة الأمنية بالمنفذ، وتم تنسيبهم لمطار زوارة، الذي لا يعمل ولا يستقبل أي رحلات طيران، وقام بتغيير هذه المنظومة بالكامل، ولم يتم رفض ذلك من قبل الأمازيغ".
وأكد أن "الأمازيغ هم أكثر أشخاص وطنيين في ليبيا، ورفضوا أي محاولات الانقسام والانفصال أو الحكم الذاتي، بالرغم من قوانين الأمم المتحدة التي تمنح الحق للشعوب الأصلية بالحكم الذاتي في حال التهميش والعنصرية، وذلك حفاظا على وحدة ليبيا وعدم تقسيمها".
برلماني ليبي: ما يحدث في رأس جدير دليل على حالة الفوضى التي تعيشها ليبيا
وواصل الناشط الحقوقي: "ظهرت مؤخرا عدة مرات محاولات لاقتحام مدينة زوارة، وترويع المدنيين الآمنين، وإصابة طفلة صغيرة برصاص حي، وكتابة بعض العبارات العنصرية، وهذا الأمر غير مقبول".
وأبدى فتحي يوسف "اعتراضه على فتوى صدرت أخيرا من الهيئة العامة للأوقاف بحكومة الوحدة الوطنية بتكفير الأمازيغ، بعدم جواز الأخذ بشهادة الإباضية، مع العلم بأن كل المدن الأمازيغية إباضية، وتاريخيا لم تحدث أي مشاكل بين المالكية والإباضية، هذا الأمر يعني الكثير لدى الأمازيغ".
وأكد أن الأمازيغ طالبوا بأن يكون المنفذ تحت السيادة الوطنية، ولم يكن يوما تحت سيادة زوارة، لكنه اعتبر أن وجود العلم الأمازيغي هو هوية للمنطقة ولا يعلو على العلم الليبي، كما طالب المكون الأمازيغي بإقالة إدارة هيئة الأوقاف بالكامل، لأن الموضوع ديني وحساس ولا يعتد بأي تدخلات أو وساطة بالخصوص.
وأشار يوسف إلى "معاناة أمازيغ ليبيا من التهميش الواضح، ومطالبتهم بحكومة كفاءات منذ عام 2011 منذ حكومة عبدالرحيم الكيب، أول حكومة في ليبيا بعد ثورة فبراير/ شباط، مع العلم بأن المكونات لها حق التمثيل في الوزارات والهيئات، وهذا الأمر لم يحدث".
وتابع مؤكدا أن "كل الحكومات التي مر بها الأمازيغ هي حكومات محاصصة تعطى لمدن دون أخرى، وهذا الأمر غير صحيح، مع العلم بأن الأمازيغ لديهم كفاءات كبيرة"، مطالبا بأحقية الأمازيغ، وكل المكونات في الحصول على حقوقها في حال جاءت حكومة محاصصة، أما في حكومة الكفاءات لم يتم المطالبة بشيء.
وواصل: "طالب الأمازيغ بالعدالة، وتفادي الصدام العسكري أو الحروب، وقدم الأمازيغ الكثير من الشهداء في سبيل ليبيا، ولكن من يحاول اقتحام المدن الأمازيغية بالقوة سوف يتم الدفاع عن هذه المدن والأطفال والأرزاق حتى آخر طفل أمازيغي".
وأضاف أنه "لا يأمل بأن تكون هناك حرب قادمة، بالرغم من وجود من يريد إشعالها، ولكن بجهود الخيّرين لن تكون هناك حرب".
وعن تأخر عودة افتتاح منفذ رأس جدير، أكد فتحي يوسف أن "الأهالي اجتمعوا مع رئيس الحكومة، واتفقت الأطراف على عدة بنود، وتم بعدها افتتاح المنفذ، مع عودة كل الضباط الذين تم إبعادهم من المنفذ من قِبل وزير الداخلية، الذي استبعد الكفاءات من المنفذ، وأن ان إثبات أي فساد لدى أي عنصر في المنفذ فسيتم محاكمتهم وعقوبتهم بحسب القانون، وغير ذلك غير مقبول".
خبراء يحذرون من تداعيات أزمة معبر "رأس جدير" بين تونس وليبيا
استغلال الأزمة
من جهته، يرى المحلل السياسي، حسام الدين العبدلي، في تصريحات لـ"سبوتنيك"، أن "المشكلة ليست في المكون الأمازيغي في ليبيا، وإنما في ليبيا بالكامل هي مشكلة التشكيلات المسلحة، خاصة في مدينة زوارة التي يوجد بها العديد من المجموعات المسلحة، والتي تعتبر أن منفذ "رأس جدير" يقع في نطاقها الجغرافي، ويعتبر هذا المنفذ مصدر مالي للمدينة من عمليات التهريب".
واعتبر أن "المنطقة الغربية تعاني في كل منافذها وموانئها من مشاكل كثيرة، وتعتبر هذه أول مشكلة كبيرة تحدث في مدينة زوارة أو في مكون الأمازيغ، وتم استغلال هذا الأمر من عدة جهات أخرى منها جهات سياسية كالمجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا، وذلك في سبيل الضغط السياسي لتمثيل مكوّن الأمازيغ في أي حكومة قادمة أو أي حوار سياسي قادم، لذلك فإن سيطرة المليشيات المسلحة وعدم سيطرة الحكومة على المعابر والموانئ والمطارات من أهم الأسباب التي خلقت المشكلة في منفذ "رأس جدير".
وتابع مؤكدا أن "هناك أطرافا قامت باستغلال هذا الوضع باعتباره وضع عرقي أو مشكلة عرقية بين الأمازيغ والعرب أو أي فئات أخرى، ومن أبرز هذه الأجسام هو المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا من أجل مصالح سياسية في الفترة القادمة، في محاولة لاستغلال الوضع الأمني الهش".
وحمّل العبدلي مسؤولية ذلك "كل حكومة الوحدة الوطنية، التي لم تسعى لبناء جيش حقيقي وقوات قوية تسيطر على المنافذ بقوة القانون"، مناشدا بضرورة "سيطرة الحكومة على المنافذ والمؤسسات التابعة لها بالقوة، وأن لا يعلو صوت فوق صوت ليبيا"، حسب قوله.
ولا يرى المحلل السياسي أن الأمازيغ في ليبيا فئة مضطهدة، لأنه اعتبر أن "كل الشعب الليبي يعاني من تردي الأوضاع المعيشية، وبالتالي فإن كل الشعب الليبي شعب مضطهد بالكامل ولا يقتصر الأمر على فئة ما أو مكون ما، ولا يمكن أن ينقسم شعب على ليبيا على أمازيغ وطوارق وتباوي، كل الليبيين هم شعب واحد وعرق واحد، أما من يقولون بأن هناك فئة مضطهدة ومهمشة عن فئات أخرى فإن هذا الكلام غير صحيح، ومن يقول ذلك يحاول إشعال فتن لا أكثر".

وأوضح أن "هناك من يحاول إشعال نعرات دينية في هذا الوقت بالتحديد بين التركيبات الليبية، وما قامت به الهيئة العامة الأوقاف في بيانها، وكان ينبغي لها ألا تنشره على الصفحة الرسمية لحسابها على مواقع التواصل، لأنه يُفترض على الأوقاف أن تقوم بتوحيد الشعب الليبي بكافة توجهاته والبعد عن أي نعرات دينية".

وأردف قائلا: "لا ينقص ليبيا انقسام أكثر مما هو عليه الآن، وإن لم يتم تدارك الأمور بحكمة، فإن الوطن سوف يضيع بهذه الطريقة، وأن للأمازيغ في ليبيا مثلهم مثل باقي الليبيين، ويتم معاملتهم بالمساواة والتقدير، وإن كانت لديهم أي مشاكل فيجب على الدولة دعمهم وتوفير الإمكانيات لهم، ولكن عليهم تسليم منفذ "رأس جدير" لسلطة الدولة الليبية، ويجب أن تكون الحكومة الليبية لها القدرة على السيطرة في كل المنافذ، وأن يتم إبعاد الأعراق أو المكونات الاجتماعية أو الدينية عن هذا الأمر".
ولا يعتقد حسام الدين العبدلي بأن "هذا الاحتقان قد يقود ليبيا إلى حرب قادمة، وأن ما تبثه بعض الصفحات المموّلة هي عبارة عن تحريض من أطراف خارجية، وأعتقد أن الشعب الليبي أكثر وعيا مما سبق، وأن أمازيغ ليبيا لديهم رجال حكماء، وبكل تأكيد لن يصلوا بهذا الأمر إلى حرب قادمة".
وشدد في تصريحاته على "أنه يجب على الحكومة والمجلس الرئاسي أن يتحملوا مسؤلياتهم، لأن أعمالهم سيئة ومتدنية، وإن كانوا غير قادرين على المسؤولية، فيجب أن يتم استبدالها بحكومة جديدة ومجلس رئاسي جديد، لكن أن يتركوا البلاد بهذا الوضع، فإن الشعب الليبي لن يقبل ذلك، وسوف يقلب الطاولة عليهم في أي وقت".
وزير الداخلية الليبي يؤكد البدء في إجراءات فتح معبر "رأس جدير" الحدودي مع تونس
وكان محتجون أغلقوا، يوم الاثنين الماضي، منفذ "رأس جدير"، موضحين أن قرارهم "جاء بناء على سلسلة من القرارات الصادرة عن وزير الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية الليبية"، والتي وصفوها بأنها "تحمل توجهات عرقية وعنصرية ضد أمازيغ ليبيا".
يشار إلى أنه جرى تأجيل افتتاح معبر "رأس جدير" الحدودي بين ليبيا وتونس، 3 مرات متتالية، بسبب توترات في المناطق المحيطة به، كما كانت مدينة زوارة الليبية قد شهدت، منذ يومين، مناوشات عسكرية في مدخل المدينة الشرقي عقب دخول قوة عسكرية من خارجها.
مناقشة