قبل أيام من مؤتمر القوى السياسية في القاهرة…السودان على مفترق الطرق؟

بعد أن تجاوزت الحرب بين الدعم السريع والجيش السوداني كل المعايير والمحاذير الدولية، تتجه الأنظار إلى القاهرة والتي أعلنت عن مؤتمر سيجمع غالبية القوى السياسية لمناقشة سبل وقف الحرب وإحلال السلام في الأيام القادمة، في الوقت الذي ازدادت فيه وتيرة التصعيد بشكل كبير خاصة في ولاية سنار في وسط البلاد.
Sputnik
أيهما سيحدد المرحلة القادمة في المستقبل السياسي للسودان..السيطرة على ولاية سنار أم مؤتمر القوى السياسية المقرر عقده في القاهرة؟
بداية، يقول محمد مصطفى، رئيس المركز العربي الأفريقي لثقافة السلام والديمقراطية في السودان، إن "السيطرة على المدن والمناطق بالنسبة لطرفي الصراع في السودان لا تعني سوى أهداف في مرمى الخصم".

ولاية سنار

وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "إن كثرة الأهداف في الحرب لا تعني هزيمة الخصم، لأن نهاية الحرب بإعلان انتصار أي طرف يعني سحق الطرف الآخر تماما أو السيطرة على مراكز القوة الاستراتيجية، وهذا ما لم يحدث بالسيطرة على ولاية سنار" .
بعد التصعيد الأخير بين الجيش والدعم السريع…إلى أين يتجه السودان؟
وتابع مصطفى: "السيطرة على ولاية سنار قد يقوي من موقف الدعم السريع التفاوضي ويجعله ندا حقيقيا يحقق مكاسب ملموسة في محوري السلطة والترتيبات الأمنية، لكنها لا تحدد المستقبل السياسي في السودان".

مؤتمر القاهرة

وأشار رئيس المركز العربي الأفريقي إلى أن "مؤتمر القوى السياسية في القاهرة لم يدع القائمين على أمره كل القوى السياسية والثورية، علاوة على اعتذار قوى سياسية مؤثرة ومهمة في الخارطة السياسية السودانية، إلا أنه قد يحدث اختراق في جدار الأزمة".
واستطرد: "إذا كانت القاهرة حريصة على تحديد المرحلة القادمة في المستقبل السياسي، ولأنها أكثر قدرة على جمع فرقاء السياسة والحرب السودانية، عليها تأجيل المؤتمر لمدة عشرة أيام على الأقل لتقنع القوى السياسية الرافضة بالإنضمام وتغطي كل القوى الثورية بالدعوة".
راديو
السودان.. مؤتمر للقوى السياسية المدنية بالقاهرة.. ما أهدافه؟
ولفت مصطفى إلى أن "أزمة السودان أصبحت معقدة جدا، علاوة على أن ضعف القوى السياسية ساهم بصورة كبيرة في تعميق الأزمة، لذلك لا بد من دعم هذا المؤتمر بمنظمات مجتمع مدني ورجال دين وبعض الخبراء والأكاديميين حتى نستطيع الخروج بوثيقة جامعة وناجزة".

الحسم العسكري

من جانبه يقول المحلل السياسي السوداني وليد علي: "أثبتت المعارك المستمرة منذ 15 أبريل/نيسان عام 2023، أن هذه الحرب لن تحسم عسكريا، مهما تقدم الدعم السريع ومهما توعد الجيش السوداني الدعم بالهزيمة فهي حرب ضروس لها آثار شديدة التعقيد على السودان و الإقليم".

وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "مؤتمر القاهرة يستطيع عمل اختراق كبير في هذه الحرب إذا تمت إدارته بشكل يخاطب حقيقة الأزمة الراهنة ويجب مناقشة كل عوامل إنهاء الحرب بشجاعة وجرأة في هذا المؤتمر".

تأجيج الصراع

وتابع علي: "يجب على المؤتمر أن يناقش دور الحركة الإسلامية في تأجيج الصراع وكيفية إبعاد ظلال هذا الدور عن المشهد، علاوة على مناقشة دور الدعم الخارجي لطرفي الحرب بصورة جريئة والتوصل لصيغة اتفاق بين السودانيين لوقف هذا العامل بشكل حاسم، ومناقشة الآليات الممكنة لوقف هذا الدعم الخارجي للطرفين".
الجيش السوداني والدعم السريع يتبادلان الاتهامات حول تدمير جسر الحلفايا في الخرطوم
وشدد المحلل السياسي على ضرورة أن يتطرق المؤتمر بجرأة وجدية أيضا إلى مستقبل العملية السياسية وعدم محاولة إقصاء أي طرف، لاسيما لو كان قادرا على افتعال صراع مسلح.

المؤسسة العسكرية

وحول مستقبل المؤسسة العسكرية، يقول علي: "من المهم جدا مناقشة مستقبل الجيش السوداني والدعم السريع بكل شفافية، حيث أن القيادات الحالية للطرفين لا تصلح لقيادة هذه القوات بعد إيقاف الحرب، ولا يجب مشاركتها في المشهد السياسي".
وطالب علي الدولة المصرية أن تلقي بثقلها في محاولة الوصول لحل سريع للأزمة الحالية في السودان، لأنها سوف تتحول لأزمة كبيرة لن تنجو مصر من آثارها إذا لم تستخدم نفوذها الداخلي بالسودان والخارجي مع المجتمع الدولي والإقليمي والعربي، وذلك لإعادة الاستقرار للسودان وهذا ما نرجو أن تقوم به عبر هذا المؤتمر، وإلا فإنه لن يكون هناك فرصة أخرى لعقد أي مؤتمر آخر مستقبلا".

العملية السلمية

بدوره يعتقد الكاتب والمحلل السياسي السوداني، عثمان ميرغني، أن التصعيد في المواجهات بين الدعم السريع والجيش له اتصال وثيق بعملية أو عمليات تفاوض قادمة واستشراف لمرحلة جديدة تنهي الحرب عن طريق تسوية سياسية، ليس بين القوى العسكرية وحدها، والتي ازدادت الآن ضلع جديد ممثلا في الحركات المسلحة في دارفور، كما انضمت إلى تلك المرحلة القوى السياسية التي تدعم كل طرف من أطراف الصراع.
وقال ميرغني في حديث سابق لـ" سبوتنيك"، هذا التصعيد ربما يهدف في المقام الأول إلى جمع مزيد من أوراق الضغط والقوى التفاوضية، ومحاولة استخدام الميدان لتعزيز الموقف التفاوضي لكل طرف.
قوات الدعم السريع تتهم الجيش السوداني بقصف محطة "بحري" للكهرباء في الخرطوم
و أضاف المحلل السياسي أن العملية السلمية في الفترة الماضية لم يكن بها الجدية الكافية للتعامل المباشر مع القضية، بل كان هناك التركيز على الأزمة الإنسانية والموضوع العسكري ومحاولة إيجاد نوع من الهدن المتوالية بين الطرفين دون النظر إلى إيقاف الحرب والأسباب التي أدت إليها، وهي أسباب سياسية تم استبعادها من المشهد منذ بداية الحرب بشكل متعمد للإبقاء فقط على المسار العسكري والإنساني والذي لا يكفي بكل تأكيد لتحقيق السلام.

مشكلة حقيقية

وحول ما يتردد بأن الدعم السريع لا يملك الآن زمام التفاوض وحتى لو جلس مع الجيش لا يمكنه السيطرة على قواته يقول ميرغني: "بالعكس الدعم السريع الآن يعاني من مشكلة حقيقية بأن فقد الأجندة والأوراق السياسية، هذه الحرب نشأت على خلافات سياسية بين القوى السياسية، ثم بعد ذلك استنصرت كل قوة سياسية ببندقية بعضها ذهب إلى الجيش والأخرى ذهبت إلى صفوف الدعم السريع، فانفجرت الحرب بين القوى العسكرية".
وأشار المحلل السياسي إلى أن "السبب السياسي الذي اعتمدت عليه الدعم السريع انهار تماما، وفقد الدعم السريع مردود كل الشعارات والغايات التي تم رفعها مع بداية الحرب مثل دولة 56 والديمقراطية ومحاربة ما يسمونة (الكيزان) وقضية الهامش والمركز، كل تلك الأوراق سقطت أمام المخالفات والانتهاكات التي ارتكبت بحق المواطنين والتي كانت كبيرة جدا لدرجة أنها أثرت على المستقبل السياسي للسودان، بل وأحرقت المستقبل السياسي للدعم السريع".
السودان... ما أهمية جبل موية بعد سقوطه في قبضة قوات الدعم السريع؟
ولفت ميرغني إلى أن "ما يجري الآن من تصعيد يقرب المسافات للوصول إلى اتفاق بين الجيش والدعم السريع، لأنه لن يفاوض على الوضع السياسي وإنما على بعض القضايا الخاصة بالوضع الاقتصادي وبعض الملفات البعيدة عن العمل السياسي".
أفادت منظمة الهجرة الدولية، الأحد الماضي، بأن أكثر من 55 ألف شخص نزحوا من مدينة سنجة والقرى المجاورة في ولاية سنار جنوب السودان بسبب الاشتباكات الدائرة منذ أيام بين الجيش وقوات الدعم السريع.
ونقل موقع "أخبار السودان" عن المنظمة بيانا، قالت فيه إن "الاشتباكات المسلحة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع استمرت في الانتشار عبر ولاية سنار، وتم الإبلاغ عن اشتباكات في مدينة سنجة".
وكشفت الفرق الميدانية بأن نحو 55,440 شخصا، نزحوا من مدينة سنجة والقرى المجاورة، ومن أماكن متعددة في مناطق أبو حجار والدالي بولاية سنار، وذلك نتيجة للقلق الأمني المتزايد، فيما نزح نحو 50 ألفاً نزحوا إلى مناطق في ولاية القضارف.
في السياق ذاته، انتقل 5 آلاف آخرون إلى مدينة الدمازين بالنيل الأزرق، كما نزح نحو 440 شخصاً إلى مدينة الجبلين في ولاية النيل الأبيض، وأكدت المنظمة أن "الوضع لا يزال متوتراً وغير قابل للتنبؤ".
يأتي ذلك بعدما أعلن الجيش السوداني أن قواته تخوض معارك في مدينة سنجة، عاصمة ولاية سنار الواقعة جنوبي البلاد، والتي تشهد موجة نزوح كبيرة للسكان.
يشار إلى أن مدينة سنجة تبعد نحو 60 كيلومترا عن مدينة سنار، التي تعتبر أكبر مدن ولاية سنار، والتي شهدت مؤخرا هجوما شنته قوات "الدعم السريع"، والتي أعلنت بدورها يوم السبت الماضي، سيطرتها على مقر قيادة الفرقة "17 مشاة" التابعة للجيش السوداني في مدينة سنجة، عاصمة ولاية سنار جنوبي البلاد.
وتتواصل المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل/ نيسان 2023، ما أسفر عن مقتل نحو 15 ألف شخص وتشريد نحو 8.5 ملايين نازح ولاجئ، وفقًا للأمم المتحدة.
مناقشة