وأشار الخبراء إلى أن العلاقات بين فرنسا والمغرب ليست رهينة بالحزب الحاكم، رغم ما يشوبها من خلافات، لكن الدولة العميقة في كل من البلدين تحافظ على استمراريتها وعمقها.
ملفات توتر
وشهدت العلاقات بين البلدين فترة من التوترات، إثر العديد من الملفات منها "ملف بيغاسوس"، وخفض التأشيرات للمغاربة، وكذلك موقف باريس من "قضية الصحراء"، إذا كانت الرباط تطالب بضرورة وضوح المواقف، وانها تقيم علاقتها على أساس الموقف منها "أي قضية الصحراء".
مع تصدر اليمين الفرنسي لنتائج الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية، يتوقع البعض تحسن العلاقات خلال الفترة المقبلة، حيث صرّح إيريك سيوتي، زعيم الجمهوريين، الذي قرر التحالف مع اليمين، بأنه "في حالة فوزه، سيعيد بناء علاقات فرنسا والمغرب، الأخير باعتباره ديمقراطية كبيرة ودولة محترمة".
وفي وقت سابق عبر جوردان بارديلا، رئيس حزب التجمع الوطني اليميني عن استياءه من "سياسة ماكرون الخارجية مع المغرب والجزائر"، وفق الصحافة الفرنسية.
وفي خطاب ألقاه خلال أغسطس/ آب 2022، قال الملك محمد السادس إن "ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم"، معتبراً في السياق نفسه أنه "المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات".
وفي يناير/ كانون الثاني 2023 صوت البرلمان الأوروبي لصالح قرار غير مُلزم، طالب فيه الرباط بـ"احترام حرية التعبير والإعلام، وضمان محاكمات عادلة للصحافيين المعتقلين"، وذلك في إشارة إلى صحافيين مغاربة أُدِينُوا على خلفية قضايا حق عام، ما اعتبرته الرباط تدخلا في الشأن الداخلي.
الدولة العميقة
في الإطار قال علي السرحاني، الخبير السياسي المغربي، إن العلاقات بين فرنسا والمغرب مبنية على أساس "المصالح الكبرى"، تحكمها في البلدين ما يعرف بـ"الدولة العميقة"، ما يعني أن العلاقات بين البلدين ليست رهينة الحزب الذي يحكم في فرنسا بشكل كامل، وهو ما جرى خلال حكم الاشتراكيين في فرنسا لسنوات طويلة.
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن الحديث عن ملف الهجرة لا يمكن المضي به خارج إطار القانون، ما يعني أن اليمين يتعامل مع الأمر من ناحية رسمية وشرعية.
ويرى السرحاني أن التجمع الوطني أصبح قريبا من الحكم في فرنسا أكثر من أي وقت مضى، خاصة أن الكثير من الأحزاب والشخصيات السياسية في فرنسا كانت أفعالها عكس أقوالها، وبات المشهد يحتاج إلى تقلد اليمين الحكم.
وأشار إلى أن الجالية المغربية الأصل تتواجد بأعداد كبيرة في فرنسا ضمن صفوف اليمين الفرنسي، وأنهم يمارسون حقوقهم السياسية على أساس الجنسية الفرنسية التي يحملونها.
مواقف اليمين من المغرب
من ناحيته، قال محمد الطيار، الخبير الأمني المغربي، إن اليمين الفرنسي له مواقفه السابقة المساندة للمغرب بشأن "قضية الصحراء".
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك" أن العلاقات مع فرنسا خلال رئاسة ماكرون، وصلت إلى "شبه القطيعة"، خاصة أن فرنسا بقت في منطقة رمادية بشأن "قضية الصحراء".
ويرى الطيار أن ملف "الهجرة غير الشرعية" مطروح على كامل المنطقة الأوروبية، وهو مدفوع بأهداف انتخابية.
وأشار إلى أن ماكرون يراهن على الدورة الثانية، لتحقيق التوازن، في ظل التوقعات التي تشير إلى أن اليمين سيفرض نفسه، ويشكل الحكومة، كما يفرض نفسه بقوة على مستوى الجمعية التشريعية، الأمر الذي سيترك أثره الكبير على مستوى دول الساحل والصحراء، وشمال أفريقيا.
رغم العلاقات المتوترة مع الرباط وباريس، احتفظت الأخيرة بمكانتها كأول شريك اقتصادي للمملكة، إذ يعمل في المغرب ما يقارب 1300 شركة فرنسية، كما أنها المستثمر الأول في المغرب، بقيمة استثمارات بلغت في سنة 8.1 مليار يورو 2022، لكن يبدو أن الكفة لن تظل في صالح فرنسا طويلا.
قبل نحو عام ونصف وقّع المغرب مع الصين في يناير 2022 على "خطة التنفيذ المشترك لمبادرة الحزام والطريق"، التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013.
كما عرفت المبادلات التجارية بين البلدين نمواً بلغ 50% خلال الخمس السنوات الماضية، وانتقل حجم الاستثمارات الصينية في المغرب من 4 مليارات دولار سنة 2014 إلى 6 مليارات دولار في عام 2021.
فيما اتجهت الرباط في الآونة الأخيرة إلى تعزيز التعاون والتبادل التجاري مع عدد من الدول، دون معسكر الغرب التقليدي.