ما تداعيات الرفض غير المعلن من الجيش السوداني للمبادرة الأمريكية ومفاوضات جنيف؟

طرح رد الجيش السوداني على دعوته للمشاركة في مفاوضات جنيف، التي دعت لها الولايات المتحدة الأمريكية العديد من علامات الاستفهام حول الموقف الحقيقي للجيش، حيث يرى بعض المراقبين إنها رفض للمبادرة بينما يرى آخرون أنها مناورة سياسية واستخدام للقوة الناعمة ورسائل للداخل والخارج.
Sputnik
ويرى المراقبون أن "الرد السوداني وضع الكرة في ملعب واشنطن وأنه لا يرفض التفاوض ويرغب في وقف الحرب بشرط انصياع الطرف اللآخر لمخرجات مفاوضات منبر جدة، والتي تعد أساسا جيدا يمكن البناء عليه"، في المقابل يرى آخرون أنها "رفض قاطع لإرضاء الرافضين في الداخل المؤيدين للجيش، لكن في كل الأحوال لا مناص من التفاوض حتى مع استمرار العمليات العسكرية".
بداية، يقول الدكتور محمد مصطفى، رئيس "المركز العربي- الأفريقي لثقافة السلام والديمقراطية" بالسودان: "لقد استطاعت الحكومة السودانية أن تقدم ردا دبلوماسيا ناعما لدعوة أمريكا لمفاوضات جنيف، لكنه جاء قويا بمنطقه وحيثياته القانونية فارتدت كرة الدبلوماسية الأمريكية هدفا سودانيا قويا في شباكها".
البرهان يدعو السعودية والولايات المتحدة إلى الحديث مع حكومة السودان

الخيارات المتاحة

وأضاف مصطفى، في حديثه لـ"سبوتنيك": "أمريكا الآن لديها خيارين لا ثالث لهما، أحدهما أن تعتمد كل ما توصل إليه طرفي القتال في منبر جدة لتنطلق المفاوضات من حيث توقف منبر جدة، والأخرى أن تستخدم قوتها متجاوزة القانون والمنطق لحمل السودان للجلوس على طاولة مفاوضات جنيف".
وتابع: "ما حدث اليوم في معهد جبيت أثناء تخريج دفعات لطلاب الكلية الحربية من محاولة فاشلة لاغتيال رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة السودانية، قد يقوي موقف الرافضين لمفاوضات جنيف داخل الجيش وخارجه".
الخرطوم تتلقى دعوة أمريكية للمشاركة في محادثات لوقف الحرب في السودان

ضغوط دولية

وأشار رئيس "المركز العربي- الأفريقي" إلى أن "تداعيات رفض الحكومة لمنبر جنيف قد تحرك بعض القوى السياسية والمحاور الدولية للتدخل لفرض وقف إطلاق النار أو على الأقل لفرض عقوبات عسكرية، لكن أي محاولة للقيام بمثل هذه الإجراءات قد تكون بمثابة ضوء أخضر للحكومة لتقديم كل التنازلات الممكنة لروسيا كي ترمي بثقلها في الأزمة وتقدم دعما سخيا للسودان، وهنا قد تزداد تعقيدات الأزمة السودانية".
ولفت مصطفى إلى أن "هناك خيار واحد لحل الأزمة السودانية وهو الإعداد الجيد للمفاوضات قبل إعلان توقيتها، وذلك يتمثل في الجلوس مع طرفي القتال واعتماد كل ما تحقق في منبر جدة، ليكون الأساس الذي تنطلق منه المفاوضات في جنيف".
الجيش السوداني يوضح حقيقة الموافقة على المشاركة في مباحثات جنيف المقبلة

الرفض والقبول

من جانبه، يقول عثمان ميرغني، الكاتب والمحلل السياسي السوداني: "الرد السوداني على المبادرة الأمريكية لا يمكن تفسيره بأن رفض قاطع للمبادرة والمفاوضات، لكن الرد كان دبلوماسيا ولم يغلق الباب كليا ووضع شروط أو مبررات كأنها قابلة للتنفيذ، وواضح من الرد كأنه نوع من الخطاب الداخلي لبعض الأطراف والجهات الداعمة للجيش والتي ترفض المفاوضات من حيث المبدأ، لذا أرى أن الرد ربما يكون رسالة لتلك الأطراف، وكان هناك ارتياح لدى تلك الأطراف والتي رأت الرد رفضا على المبادرة".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "لكن في الحقيقة أن الرد لم يكن رفضا صريحا بل جعل الباب مواربا بشأن الذهاب للمفاوضات، والعديد من العبارات التي وردت في البيان الحكومي تعبر عن ذلك".

بدائل التفاوض

وأشار ميرغني إلى أن "الأمر ربما لا يتعلق بالذهاب إلى التفاوض هذه المرة بناء على المبادرة الأمريكية، بل هو يطرح نوعا من التساؤل.. إذا كنا لا نذهب إلى المفاوضات بشكل عام فما هو البديل، حيث أن الجيش السوداني يرفض بشكل متكرر المبادرات التي تأتي من عدة دول إفريقية وإقليمية ودولية وغيرها بمختلف الحجج، هل يعني ذلك أن البديل لكل تلك المبادرات هو استمرار الحرب بين كل الأطراف، أم أن هناك فكرة أو رؤية يمكن أن تقدمها القيادة العسكرية في السودان للوصول إلى حل تم التفاوض عليه، فالواضح أن الرفض المتكرر لكل المبادرات السابقة ليس له بديل".
ما دلالات رسو بوارج إريترية قبالة سواحل السودان؟
وتابع ميرغني: "في ظل الوضع الراهن من الرفض الحكومي مع عدم تقديم البدائل، فالأوجب في تلك الفترة أن تكون هناك موافقة على مفاوضات جنيف، في 14 أغسطس(آب المقبل)، فإذا كان شرط القيادة السودانية للمشاركة في أي عملية تفاوض هو تنفيذ مخرجات الاتفاق السابق الذي تم، في مايو(أيار) 2023، فمن الأجدر أن يكون هذا الأمر جزء من أجندة التفاوض وليس شرطا قبل الوصول للتفاوض، لأن تنفيذ مخرجات الاتفاق السابق تقتضي الدخول في مفاوضات حول كيفية التنفيذ".

وأردف: "إذا افترضنا أن قوات الدعم السريع وافقت على تنفيذ مخرجات الاتفاق السابق (منبر جدة)، ما هي الطريقة التي سيتم بها تنفيذ تلك المخرجات من إخلاء الممرات والأعيان ومنازل المواطنين، هذا الأمر يتطلب التفاوض على طريقة التنفيذ نفسها، بأن تكون هناك ممرات آمنة للقوات للوصول إلى المعسكرات والاتفاق على كيفية بقاء تلك القوات وطريقة خروجها وهل ستحمل سلاحها أم بدونه، كل هذه التفاصيل تعني ضرورة وجود مفاوضات لحل التعقيدات الفنية".

الحسم العسكري

وحول استمرار حديث قادة الجيش عن عدم التفاوض والحسم العسكري، يقول ميرغني: "أعتقد أن هناك خطأ مبدئيا هنا، لأن التفاوض لا يعني إيقاف الحرب، إذا كان الجيش على يقين كامل أنه يستطيع حسم المعركة بالقوة العسكرية لا يعني هذا عدم قبول المفاوضات (فاوض وقاتل) في نفس اللحظة، فإذا استطعت حسم المعركة عن طريق القتال في زمن أقل من المفاوضات فهذا هو المطلوب، لكن الصحيح أن يكون هناك تفاوض بالتوازي مع العمليات العسكرية، فإن لم تحسم الأمور عسكريا يتم حسمها بالتفاوض، إذا ليس هناك تناقض بين مسار التفاوض والمسار العسكري".
تنسيقية "تقدم" السودانية: الطريق الوحيد لتجنيب البلاد شبح الانهيار الشامل هو وقف الحرب
وأضاف ميرغني: "إن وضع الجيش على الأرض جيد، فالأمر لا يقاس بعدد الكيلومترات التي يسيطر عليها كل طرف، إنما يقاس بالوضع الاستراتيجي لكل طرف، فنجد أن الجيش من حيث الخسائر الاستراتيجية والمادية أقل كثير جدا من خسائر الدعم السريع، حيث أن خسائر الدعم السريع البشرية تعدت 200 ألف عنصر وكذلك الخسائر في العتاد العسكري، حيث استنزفت قواه البشرية أكثر من مرة واضطر لجلب مرتزقة من الخارج للقتال في صفوفه، في المقابل تكاد لا تكون هناك خسائر بشرية في صفوف الجيش".
وأعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية، اليوم الأربعاء، أن مضاداتها الأرضية تصدت اليوم لـ"مسيرتين معاديتين" استهدفتا موقع الاحتفال بتخريج دفعات من الكليات الحربية والجوية والبحرية في القوات السودانية.
وأوضح الجيش السوداني، في بيان له، أن "الهجوم أسفر عن مقتل خمسة ووقوع إصابات طفيفة جاري حصرها"، إلا أن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، والذي كان يحضر الاحتفال، نجا من الهجوم.
من جانبه، علّق الباشا طبيق، مستشار قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، على الحادث، قائلا إن "محاولة اغتيال البرهان، هي تنفيذ للتهديد الموجَّه إليه من لواء "البراء بن مالك" في حال موافقته على إرسال وفد الجيش إلى مفاوضات جنيف".
تنسيقية "تقدم" السودانية تعلن التزام الجيش و"الدعم السريع" بالعودة لمفاوضات جدة دون شروط
وأضاف طبيق أن تلك المحاولة "رسالة واضحة من تيار الحرب داخل المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية بقيادة علي كرتي، ومن المتوقع أن نرى عمليات تصفيات واغتيالات داخل قادة الجيش".
ويقول المحلل السياسي السوداني، وليد علي، إن "المبادرة المطروحة من قبل الإدارة الأمريكية والمزمع عقدها في جنيف بإشراف سعودي سويسري ومشاركة مصرية إماراتية، تعتبر محاولة لضخ الدماء في شرايين منبر جده الميت سريريا منذ شهور".
وقال علي، في حديث سابق لـ"سبوتنيك": "هناك جانب مظلم جدا ومخفي في هذه الحرب وهو أنها مرتع لفساد عظيم يستفيد منها تجار حروب غير نظاميين، ولا يمكن تحديد الجهات التي يتبعون لها، غير أنها جهات تستثمر في الحروب، والسودان الآن تحت فكي تلك الجهات التي تتغلغل في مفاصل طرفي الصراع".
مدير المركز الألماني السوداني للسلام يكشف لـ"سبوتنيك" المستبعدين من "المؤتمر التشاوري" في ميونخ
وأضاف علي: "الرافضون لكل مساعي وقف الحرب ينقسمون لفئتين، الأولى، وهذه فئه تتواجد داخل وحول طرفي الصراع، وهي المجموعة المستفيدة من استمرار الحرب لتقوم بالمضي في هذا الفساد المتعدد المجالات (سلاح وقود دواء غذاء... إلخ)، أما الثانية فتخص الجيش والموالين له وهي المجموعة التي أسرفت في الحديث عن قدرتها على حسم هذه الحرب عسكريا، والآن تجد نفسها في موقف لا تحسد عليه بعد انكشاف ضعفها العسكري للشعب السوداني بشكل خاص والعالم بشكل عام، و لاعتبارات عديدة سوف تستمر الفئتان في تثبيط أي محاولة للمضي نحو التفاوض".
وأشار علي إلى أن"جميع المبادرات التي تستهدف السلام في السودان، تفشل في الإعداد الجيد قبل أي مبادرة و تكون غير مفيدة، لأنها تكون مستعجلة في وقتها ونتائجها، ولا يتم الإعداد الجيد لها، والمبادرة الأمريكية الأخيرة لم تختلف عن سابقاتها من المبادرات أو البازارات السياسية إذا جاز التعبير".
وتتواصل المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، منذ منتصف أبريل/ نيسان 2023، ما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف وتشريد أكثر من 10 ملايين شخص، بما في ذلك مليوني شخص فروا عبر الحدود، وفقًا للأمم المتحدة.
مناقشة