ومساء الأربعاء، أصدرت رئاسة الجمهورية التونسية بيانا مقتضبا تعلن فيه عن قرار الرئيس التونسي قيس سعيد تكليف وزير الشؤون الاجتماعية كمال المدوري برئاسة الحكومة خلفا لأحمد الحشاني.
ليكون بذلك المدوري خامس رئيس حكومة يصل إلى مقاليد الحكم في القصبة منذ تولي قيس سعيد رئاسة الجمهورية في الثالث والعشرين من شهر تشرين الأول/أكتوبر 2019.
وفي الوقت الذي لم يأتِ فيه بيان الرئاسة على أسباب الإقالة وخلفياتها، قال محللون حاورتهم "سبوتنيك"، إن قرار الإقالة لم يكن مفاجئا، خاصة في ظل تعدد الرسائل النقدية التي وجهها الرئيس سعيد إلى الفريق الحكومي.
وهو امتعاض جدد الرئيس التعبير عنه خلال لقائه، أمس الخميس، برئيس الحكومة الجديد كمال المدوري، حيث شدد على "ضرورة التناغم والانسجام في العمل الحكومي"، مذكرًا بما ورد في الفصل السابع والثمانين من الدستور الذي ينص على أن "وظيفة الحكومة تتمثل في مساعدة رئيس الجمهورية في ممارسة الوظيفة التنفيذية."
ويبدو أن الأزمات المتتالية التي شهدتها البلاد في الفترة الأخيرة قد أشعلت فتيل هذا القرار، خاصة في ظل تنامي حالة الغضب الشعبي من ارتفاع لهيب الأسعار وتواتر انقطاع المياه والكهرباء في مناطق مختلفة من الجمهورية.
خطأ سياسي يطيح برئيس الحكومة
وفي تعليق على قرار الإقالة، قال المحلل السياسي مراد علالة، في تصريح لـ "سبوتنيك"، إن هذا التحوير الحكومي كان منتظرا، خاصة في ظل إفصاح رئيس الجمهورية قيس سعيد منذ فترة وفي أكثر من مناسبة عن امتعاضه من أداء الفريق الحكومي.
وتابع: "ما سرّع هذه العملية هو الخطأ السياسي والاتصالي الفادح الذي ارتكبه رئيس الحكومة أحمد الحشاني، بالإقدام على نشر تسجيلات لمقاطع فيديو يتحدث فيها عن إنجازات حكومته، وهو المعروف بصمته وتكتمه".
ولفت علالة إلى أن مضمون هذه التسجيلات لا يتناغم مع ما يقوله رئيس الجمهورية قيس سعيد خاصة في تفسير وتبرير الصعوبات والتعثر والفشل على مستوى الأداء الحكومي.
وأوضح: "أرجع الحشاني أسباب الأزمة الاقتصادية والاجتماعية إلى ظروف موضوعية، في الوقت الذي يتحدث فيه رئيس الجمهورية عن وجود مؤامرات ولوبيات وعن خلل داخل الإدارة".
ويرى علالة أن اختيار الرئيس لتوقيت الإقالة قبل أقل من شهرين على الانتخابات الرئاسية لم يكن اعتباطيا.
وأضاف: "يدرك سعيّد جيّدا أن الرصيد الذي يدخل به الحملة الانتخابية، وإن كان إيجابيا من الناحية السياسية بنجاحه في استبعاد الإسلام السياسي من الحكم، فإن حصيلته الاجتماعية والاقتصادية تكاد تكون هزيلة".
وقال علالة إن هذا الأمر قاد رئيس الجمهورية إلى اتخاذ جملة من المبادرات ذات الطابع الاجتماعي في الآونة الأخيرة، على غرار الترفيع في الأجر الأدنى الصناعي والفلاحي وتحسين جرايات المتقاعدين.
وتابع: "نحن في زمن انتخابي وموعد 6 تشرين الأول/أكتوبر، لم يعد بعيدا، والرئيس يعي جيّدا أن الملفات الاجتماعية هي مفتاح الانتخابات وأنه لا بد من تقديم رسائل طمأنة للتونسيين وللناخبين تحديدا. وهذا ما يفسّر أيضا اختياره للوزير كمال المدوري صاحب الخلفية الاجتماعية لتولي هذه الحقيبة وإبلاغه منذ اليوم الأول بإعطاء المسائل الاجتماعية الأولوية".
دواعٍ موضوعية
على الطرف المقابل، ينفي الأمين العام لحزب "مسار 25 جويلية" محمود بن مبروك، في تعليق لـ "سبوتنيك"، أية علاقة لقرار إقالة رئيس الحكومة أحمد الحشاني بالموعد الانتخابي القادم.
ولفت إلى أن قرار الإقالة يندرج في إطار التداول السلمي على السلطة وضمن الرؤية الاقتصادية والاجتماعية لرئيس الجمهورية قيس سعيد، مشيرا إلى أن الإقالة كانت "نتاجا لدواعٍ موضوعية تعود بالأساس إلى الفشل في تحسين أوضاع التونسيين على المستوى الاقتصادي والاجتماعي".
وقال بن مبروك إن أصداء الشارع تعكس امتعاضا شعبيا من غلاء الأسعار وتواصل انقطاع مياه الشرب وتنامي البطالة، مشددا على أن قرار الإقالة جاء بناءً على تقييم لحصيلة العمل الحكومي.
وتابع:" بناءً على هذه المعطيات ارتأى رئيس الجمهورية اختيار شخصية كفء وقادرة على إعطاء نفس جديد في الجانب الاقتصادي والاجتماعي وتقديم حلول للملفات التي بقيت عالقة".
وأشار بن مبروك إلى أن هذه المواصفات تتوفّر في وزير الشؤون الاجتماعية كمال المدوري الذي نجح في مدة وجيزة من توليه حقيبة وزارة الشؤون الاجتماعية من تفعيل قرارات وازنة على غرار الترفيع في الأجر الأدنى المضمون "السميغ" وحلحلة ملفات الأساتذة المعطلين عن العمل، وهو ما سحب البساط الاتحاد العام التونسي للشغل الذي كان عاجزا عن حل ملفات عدّة.
ظاهرة صحية
وحول تعدّد الإقلات في عهدة الرئيس قيس سعيد، قال بن مبروك: "في العشرية السابقة تداولت على تونس العديد من الحكومات، وبعضها لم يتجاوز عمرها الستة أشهر غرار حكومة الياس الفخفاخ".
واعتبر بن مبروك أن الإقلات التي فعّلها الرئيس سعيّد كانت في محلّها وهي ظاهرة صحية تنّم عن وجود إرادة سياسية لتحقيق مطالب التونسيين التي رفعت في الخامس والعشرين من شهر يوليو/تموز2021.
ويتفق المحلل السياسي باسل الترجمان مع بن مبروك في أن قرار الإقالة بعيد عن كل اعتبارات سياسية، مشيرا إلى أن الرئيس قيس سعيد وجّه أثناء زيارته الأخيرة للقصبة رسائل حادة للفريق الحكومي، ولكن رئيس الوزراء أحمد الحشاني فشل في التقاط معانيها، وفقا لقوله.
ويرى الترجمان في حديثه لـ "سبوتنيك"، أن حصيلة عمل الحشاني لم تكن سلبية في المطلق حيث نجح في تحقيق عدد من المنجزات من أهمها قانون الشيكات دون رصيد الذي كان مطلبا لفئة واسعة من التونسيين. وتابع: " ولكن يبدو أن الحشاني كان مطالبا بالقيام بعمل أكثر تسارعا وأكثر قربا إلى مشاغل المواطنين".
وقال الترجمان إن الإصلاحات الاجتماعية هي الفكرة الأساسية التي بني عليها المشروع السياسي للرئيس قيس سعيد، وهذه الفكرة تحتاج إلى آليات حقيقية ومتسارعة لتطبيقها من أجل أن تكون هنالك عدالة اجتماعية للحد الأدنى لكل أبناء تونس.
ومن المنتظر أن تعقب هذه الإقالة تحويرات أخرى، حيث أكد الرئيس قيس سعيد في اللقاء الذي جمعه أمس الخميس برئيس الحكومة الجديد كمال المدوري، على ضرورة "سدّ الشغورات في عدد من الوزارات والتحويرات التي يجب إدخالها على تركيبة الحكومة".