وعلى الرغم من المبادرات التي تم تقديمها في الآونة الأخيرة بما في ذلك واشنطن، أكد نتنياهو أنه لن ينسحب من محور فيلادلفيا ومحور نتساريم في قطاع غزة تحت أي ظرف ورغم الضغوط الهائلة للقيام بذلك، وقال إنه أقنع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بضرورة بقاء القوات الإسرائيلية في محور فيلادلفيا.
ويطرح البعض تساؤلات حول تداعيات إصرار نتنياهو على هذه النقطة، ومدى تأثيرها على ملف التفاوض، في ظل الجلسات التي تعقد في القاهرة للتوصل إلى صفقة بين إسرائيل و"حماس".
وقالت مصادر مطلعة، على مسار المفاوضات الرباعية التي تدور في القاهرة بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، إن وفداً إسرائيلياً يجري مفاوضات مع الجانب المصري حول محور فيلادلفيا الحدودي بين مصر وغزة، ومعبر رفح حاملاً طرحاً جديداً في الملفين.
وذكر مصدران أمنيان مصريان أن وفداً من الولايات المتحدة انضم للوفد الإسرائيلي في المحادثات، سعياً للتوصل إلى حلول وسط بشأن توفير الأمن على الحدود بين مصر وقطاع غزة. وأضافا أنه من المقرر أن ينضم وفد قطري إلى المحادثات الجمعة.
وأضافت إسرائيل شرطاً جديداً على الاتفاق عرقل التوصل إلى نتيجة، إذ طلبت تواجداً عسكرياً دائماً على الحدود مع مصر، ورقابة عسكرية على معبر رفح، وتواجدا عسكريا على محور "نتساريم"، وهو شريط ممتد من شرق القطاع إلى غربه يمنع حرية حركة الفلسطينيين بين شمال قطاع غزة وجنوبه.
وتتمسك مصر بموقفها بالانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من المحور والمعبر، فيما تعمل الإدارة الأمريكية مع الجانبين المصري والإسرائيلي للوصول إلى حل للملفين قبل الجولة الجديدة من مفاوضات التهدئة الرباعية المتوقع استمرارها الأحد المقبل.
ضغوط مطلوبة
اعتبر محمد حسن كنعان، رئيس الحزب القومي العربي، وعضو الكنيست الإسرائيلي السابق، أن إصرار نتنياهو على احتلال المعابر في قطاع غزة وعدم الخروج منه، يأتي في سياق رغبته بإفشال الصفقة، وعرقلة وصول المفاوضات لنقطة تبادل الأسرى.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، "نتنياهو يرغب في الاستمرار بحرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني من أجل الحفاظ على كرسي الحكومة، وعلى السلطة، وذلك رغم كل وجهات النظر الإسرائيلية المخالفة لرأيه، فيما يتعلق بملف التفاوض".
وأوضح أن التنديد الأمريكي حول هذه النقطة غير مقنع، حيث تلعب واشنطن على جميع الأطراف بما في ذلك البلدان العربية، حيث تقدم لنتنياهو الدعم اللوجيستي والسلاح في هذه الحرب، فيما لو أرادت له أن ينسحب من قطاع غزة ويوقف الحرب لفعل ذلك بشكل فوري.
وأكد أن واشنطن تدرك جيدًا بأن نتنياهو هو المجرم الأول، المسؤول عن قتل المختطفين بيد حركة حماس، وما تبقى منهم في قطاع غزة، ويتحمل كل ما يحدث من إفشال التوصل لصفقة، وذلك على الرغم من كل جلسات التفاوض والمقترحات التي تم تقديمها خلال الأشهر الماضية.
ويرى أن التنديد العربي وحده لا يكفي، حيث تحتاج هذه الدول لممارسة ضغوط حقيقية على أمريكا، والتي ستقوم بدورها بالضغط على إسرائيل لوقف الحرب، والانسحاب من محور فيلادلفيا ومعبر رفح وقطاع غزة بشكل كامل.
عرقلة المفاوضات
بدوره، اعتبر فادي أبو بكر، المحلل السياسي الفلسطيني، أن المقترح الأمريكي الأخير لا يشمل انسحاباً كاملاً من قطاع غزة، بل يترك مسألة انسحاب إسرائيل من محور "فيلادلفيا" مفتوحة للنقاش.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، تستمر إسرائيل في السيطرة على معبر رفح ومحور "نتساريم"، مع فرض رقابة على حركة الأشخاص والنازحين العائدين إلى شمال القطاع، دون تحديد دقيق لطبيعة هذه الرقابة، وفقا للمقترح.
وتابع: "في هذا السياق، يمكن اعتبار التنديد الأمريكي بمسألة رفض إسرائيل الانسحاب من المعابر، جزءاً من أدوات الضغط المستهلكة، دون أن يكون هناك ضغط حقيقي على إسرائيل للانسحاب من القطاع ووقف إطلاق النار".
واستطرد: "قد يؤدي هذا الإصرار الإسرائيلي إلى زيادة التوتر مع مصر، التي قد ترى فيه محاولة لتقليص دورها كوسيط نزيه في المفاوضات، وعلى سبيل المثال، التقرير الأمريكي الذي نشرته شبكة "سي إن إن" في شهر مايو/أيار الماضي، والذي اتهم مصر بتحريف وثيقة مفاوضات الهدنة في غزة، يعكس أدوات الضغط السياسي التي تستخدمها الولايات المتحدة ضد مصر، دون أن تمارس ضغطاً حقيقياً على إسرائيل".
وأكد أبو بكر أنه في نهاية المطاف، فإن استمرار إصرار نتنياهو على السيطرة الإسرائيلية على محور فيلادلفيا قد يعقّد الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق، مما يزيد من احتمالية اندلاع حرب إقليمية واسعة.
وقالت عشرة مصادر مطلعة على جولة المحادثات إن الخلافات حول الوجود العسكري الإسرائيلي مستقبلاً في غزة وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، تقف عقبة في سبيل التوصل لاتفاق وقف لإطلاق النار وتبادل الأسرى.
وذكرت المصادر، أن الخلافات نشأت من مطالب قدمتها إسرائيل بعد موافقة حماس على نسخة من مقترح الرئيس الأمريكي جو بايدن في مايو.
وقالت وسائل إعلام أمريكية إن المفاوضين الإسرائيليين قدموا لمصر مقترحاً في الآونة الأخيرة بإنشاء 8 أبراج مراقبة على طول محور فيلادلفيا على الحدود بين مصر وغزة.
وأشار المسؤولون المصريون إلى أن الولايات المتحدة حاولت تقديم "تنازلات" لمصر عبر اقتراح إقامة برجين فقط، ولكن مصر رفضت العرضين، قائلة إن أي عدد من الأبراج يمنح الجيش الإسرائيلي وجوداً دائماً في المنطقة.
ولا تزال العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة مستمرة، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، حينما أعلنت حركة حماس، التي تسيطر على القطاع، بدء عملية "طوفان الأقصى"، وأطلقت آلاف الصواريخ من غزة على إسرائيل، واقتحمت قواتها بلدات إسرائيلية متاخمة للقطاع، ما تسبب بمقتل نحو 1200 إسرائيلي، علاوة على أسر نحو 250 آخرين.
وبدأت يوم الخميس الماضي، جولة مفاوضات جديدة في العاصمة القطرية الدوحة، بوساطة أمريكية قطرية مصرية، لبحث التوصل إلى صفقة تبادل للأسرى في قطاع غزة، في ظل غياب حركة حماس، التي ترفض المشاركة، حيث تؤكد على مطالبها وبأنها قد وافقت على ما تم طرحه سابقا، وبأنها لن تعود للمفاوضات لإعطاء نتنياهو، المزيد من الوقت.