وفي أقل من أسبوع، نبّه سعيد في مناسبتين اثنتين، من رفضه القطعي لأي تدخل أجنبي في الشأن الداخلي لتونس، مشيرا خلال اللقاء الذي جمعه يوم 22 أغسطس/ آب الجاري برئيس الحكومة، كمال المدوري، إلى أن "الكرامة الوطنية ليست مجرد شعار بل تتصل بسيادة الدولة التونسية".
ولفت سعيد إلى أن تونس لا تتدخل في شؤون غيرها وتنتظر أن تعامل بالمثل، مشددا على أن الشعب التونسي وحده هو الذي يحدد خياراته في كنف الاحترام الكامل للقانون وأنه لن يقبل بالعودة إلى الوراء.
ويأتي هذا التصريح، بعد 3 أيام فقط من تلميح الرئيس التونسي، إلى وجود محاولات تدخل خارجي للتأثير في الشأن الداخلي التونسي، إذ أكد أن "تونس دولة حرة ومستقلة وذات سيادة ويرفض شعبها أن تتدخل فيه أي دوائر من الخارج، ويرفض أن يكون النظام داخل الدولة خادما مطيعا لهذه الدوائر وذيلا ذليلا يُؤمر فيفعل ويستجيب".
رد على تدخلات غير مباشرة
وفي هذا الصدد، قال الأمين العام لحزب "مسار 25 يوليو"، محمود بن مبروك، إن "تصريحات الرئيس التونسي الرافضة للتدخل الأجنبي لم تكن ردا على تصريحات مباشرة أدلى بها مسؤولون في الخارج، وإنما هي رد على تدخلات أجنبية غير مباشرة في الشأن التونسي".
وأوضح في تصريحات لـ"سبوتنيك": "هذه التدخلات كانت عن طريق دفع بعض الأشخاص المحسوبين على المنظومات الأجنبية إلى تأجيج الوضع في تونس، من خلال افتعال الأزمات خاصة في علاقة بالملفات ذات الصبغة الاجتماعية التي تحدث عنها الرئيس التونسي مؤخرا، على غرار أزمة المياه وفقدان المواد الأساسية".
وأكد بن مبروك، أن "تصريحات الرئيس التي ربط فيها بين هذه الأزمات، ووجود مؤامرات داخلية مدفوعة من الخارج لم تكن من عبث، وإنما تستند على تقارير استخباراتية وعسكرية وإدارية".
ولفت إلى أن "التدخلات التي يتحدث عنها الرئيس كانت أيضا عن طريق بعض الترشحات الرئاسية المدفوعة من الخارج، على غرار المرشحين الرئاسيين، منذر الزنايدي، ولطفي المرايحي".
وأضاف: "لقد وقع بالفعل فتح تحقيقات في هذا الجانب، بعد التفطن إلى وجود تمويلات أجنبية استخدمها بعض المترشحين في إطار الانتخابات، وجمع التزكيات ودفع المواطنين إلى تزكية مرشح دون غيره، وهو ما قاد الرئيس التونسي إلى إطلاق تحذيراته الأخيرة".
وبشأن الأطراف الأجنبية المعنية بهذه التدخلات، يرى محمود بن مبروك، أن "فرنسا من بين المعنيين بتحذيرات الرئيس التونسي"، مشيرا إلى أن "فرنسا تسعى إلى الحفاظ على مصالحها في تونس، من خلال دفع بعض المترشحين إلى طريق الرئاسة".
تدخل بهدف التشكيك في نزاهة الانتخابات
وفي تعليق لـ"سبوتنيك"، قال المحلل السياسي، باسل الترجمان، إن "تصريحات الرئيس التونسي موجهة للأطراف التي تسعى إلى ممارسة ضغوطات على تونس، عبر منظمات وجمعيات ومؤسسات دولية تحت مسميات الدفاع عن حقوق الإنسان، وحرية المعتقلين وغير ذلك".
وأضاف: "يبدو أن هذه الدول وهذه الجمعيات لم تستطع أن تفهم المتغير الذي عاشه العالم بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، فمن يريد الحديث اليوم عن حقوق الإنسان عليه أن يتذكر أولا مواقفه وما قامت به هذه الدول من دعم وتبرير ومشاركة في جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني".
وشدد الترجمان على أن "الخلفية الاستعمارية التي تنتهجها أوروبا وأمريكا، والقائمة على أساس تعليم بقية الشعوب معاني حقوق الإنسان والديمقراطية قد سقطت"، متسائلا: "هل يمكن أن تحترم تونس موقف دولة مثل بريطانيا، يذهب رئيس وزرائها إلى تل أبيب في طائرة عسكرية محملة بالأسلحة التي سيقتل به الشعب الفلسطيني؟ أو موقف دولة مثل فرنسا التي اعتبرت رفع العلم الفلسطيني جريمة، أما موقف أمريكا فأصبح بمثابة نكتة سمجة".
وقال الترجمان إن "تصريحات الرئيس التونسي، قيس سعيد، هي رسائل موجهة أيضا إلى الأطراف الأجنبية، التي أوحت بوجود اعتقالات تعسفية وانتهاكات لحقوق الإنسان في تونس، وبغياب مساحة من أجل أن تكون هناك انتخابات رئاسية نزيهة وشفافة".
ولفت إلى أن "هذه الأطراف بدأت حملة استباقية، خاصة في ظل وجود دعم شعبي كبير للرئيس قيس سعيد"، مشيرا إلى أن "هذه الأطراف تخشى أن يكون هناك تصويت كبير له، وهو ما دفعهم إلى التشكيك في نزاهة الانتخابات، وبالتالي في مخرجاتها".
رد على تراكمات سابقة
من ناحيته، يرى الناشط السياسي، نبيل الرابحي، في تصريحات لـ"سبوتنيك"، أن "تصريحات الرئيس التونسي جاءت بعد تراكمات ما بعد 25 يوليو/ تموز 2021 إلى اليوم، بدءا بالتدخلات الأمريكية الصارخة في الشأن التونسي، وخاصة بعد تفعيل الرئيس التونسي للفصل 80 من الدستور، الذي حلّ بمقتضاه البرلمان، والتي أعقبتها بيانات متتالية من البيت الأبيض والخارجية الأمريكية والاتحاد الأوروبي ليس للتنديدـ وإنما للعودة السريعة إلى "الديمقراطية" التي يريدونها".
وأضاف: "خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، تفاقمت التدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية لتونس، واتخذت مناحي تمس من السيادة الوطنية للبلاد، ومنها تدخل الاتحاد الأوروبي في ملف الهجرة، ونعت تونس بالعنصرية".
ولفت الرابحي إلى "وجود جهات أجنبية وفي مقدمتها أمريكا، دأبت على التدخل في شؤون تونس تحت حجة "الخروج عن المسار الديمقراطي" و"قمع الحريات"، مشيرا الى أن "الرئيس التونسي، قيس سعيد، أعطى على ضوء هذه التدخلات تعليمات للسفراء المعتمدين لدى الدول الخارجية، تنص على التأكيد على أن يكون موقف تونس واضح، وهو رفض التدخل الخارجي في شؤون الداخلية، وأنها دولة مستقلة وذات سيادة".
وفي شهر مايو/ أيار الماضي، أمر الرئيس التونسي، قيس سعيد، وزارة الخارجية باستدعاء عدد من السفراء الأجانب، "للاحتجاج على تدخلهم في شؤون البلاد الداخلية"، وذلك على خلفية إصدار بعض الدول الغربية والاتحاد الأوروبي بيانات تندد بحملة التوقيفات الأخيرة.