تعديل وزاري في الحكومة التونسية.. ما أسبابه وما الذي يمكن أن يغيره في المشهد السياسي؟

تصدّر خبر إعلان الرئيس التونسي، قيس سعيد، عن تعديل وزاري شمل أغلبية التشكيلة الحكومية، اهتمامات التونسيين، خاصة وأنه يأتي قبل أقل من شهرين على موعد الانتخابات الرئاسية في 6 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
Sputnik
وأعلن قيس سعيد، أول أمس الأحد، عن تعديل وزاري واسع شمل 19 وزيرا و3 كتاب دولة، بينما أبقى على 5 وزراء في الحكومة، التي يترأسها كمال المدوري، وهم كل من وزيرة العدل ليلى جفال، ووزير الداخلية خالد النوري، ووزيرة المالية سهام البوغديري نمصية، ووزيرة التجهيز والإسكان سارة الزعفراني الزنزري، ووزيرة الصناعة والطاقة والمناجم فاطمة الثابث.
وقال سعيد، في الخطاب الذي ألقاه أمام الوزراء الجدد ونقلته الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية، إن "هذا التحوير كان ضروريا وأن الوضع تحول إلى صراع مفتوح بين الشعب التونسي المصر على التحرر وعلى تحقيق العدالة والحرية وعلى مقاومة الفساد والجهات المرتمية في أحضان دوائر خارجية تمني نفسها بالعودة الى الوراء".
وأضاف: "الذين ينتقدون القيام بتحوير وزاري قبل أسابيع من الانتخابات لا يفرقون بين الانتخابات والسير العادي لدواليب الدولة وأمنها القومي"، مشددًا على أن "دواليب الدولة تتعطل كل يوم" وأن "الأمن القومي قبل أيّ اعتبار".
تنبيهان في ظرف أسبوع.. ما الذي يخفيه إصرار الرئيس التونسي على رفض التدخل الأجنبي في شؤون بلاده؟
وتابع سعيد: "لو اقتضت المصلحة العليا للبلاد إجراء تحوير وزاري حتى بعد فتح مكاتب الاقتراع لما تمّ التردد للحظة واحدة لإجرائه"، مؤكدًا على أن "اختيار المسؤولين في الدولة مبني على مدى تعهدهم بتحقيق أهداف الشعب التونسي ومطالبه المشروعة".
وأضاف: "لم تمر سوى أيّام بعد تكليفهم إلا وانطلقت المنظومة من وراء الستار لتنجح في احتواء عدد غير قليل منهم والالتفاف عليهم، مما حوّل الوضع منذ مدة إلى صراع بين نظام دستوري جديد ومنظومة فاسدة مازال الفاعلون فيها يمنون أنفسهم بالعودة إلى الوراء".
وأكّد أن "هؤلاء لم يستوعبوا أن تونس دخلت مرحلة جديدة في التاريخ وأنّ الدولة تعيش في ظل دستور جديد أقره الشعب عن طريق استفتاء"، مبرزا أنه "تشكلت داخل أجهزة الدولة مراكز وهو أمر يقتضي الواجب وضع حدّ فوري له".
ولفت سعيد إلى أن "من بين مظاهر تعثر السير الطبيعي لدواليب الدولة على المستويين الجهوي والمركزي، هو عدم تحمل عدد غير قليل من المسؤولين لواجباتهم، حيث أغلقوا الأبواب أمام المواطنين عوض التوجه إليهم وإيجاد الحلول لمشاكلهم".
تونس.. قيس سعيد يجري تعديلا وزاريا

"تحوير ضروري"

وفي تعليق لـ"سبوتنيك"، قال القيادي بحزب "مسار 25 جويلية" عبد الرزاق الخلولي، إن "التحوير الوزاري، الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية كان ضروريا وينسجم مع أهداف مسار 25 يوليو (تموز)، الذي انتفض لأجله الشعب التونسي".
ولفت الخلولي إلى أن "رئيس الجمهورية، من خلال خطابه الذي ألقاه يوم أمس حاول تفسير الأسباب الكامنة وراء هذا التحوير الوزاري والتعيينات السابقة على رأس المحافظات والمعتمديات، عندما تحدث عن فساد بعض المسؤولين وارتمائهم في أحضان منظومة الاستبداد".
وأضاف: "شمل التحوير جل الوزارات وأبقى في المقابل على الوزارات السيادية وفي مقدمتها وزارة الداخلية والعدل والمالية، كما أبقى أيضا على العنصر النسائي في وزارتي الصناعة والطاقة والمناجم والتجهيز والإسكان".
واعتبر الخلولي أن "الأسماء التي وقع الاختيار عليها لها إشعاع ولها خبرة كبيرة في التسيير الإداري"، مشيرًا إلى أن "التوجه نحو اختيار الإداريين هو اختيار صائب ولكنه قد يتضمن جوانب سلبية".
لماذا غابت "الأحزاب" عن المشهد السياسي في تونس؟
وأشاد الخلولي بحسن "اختيار الوزير عصام الأحمر، الذي وقع تكليفه بتسيير وزارة الشؤون الاجتماعية"، معتبرا أنه "الشخص المناسب لهذا المنصب بالنظر إلى كفاءته وبدراساته المعمقة في المجال الاجتماعي والقانوني".
وشدد الخلولي، في المقابل، على وجود نقاط استفهام تحوم حول قرار إقالة وزير الشؤون الخارجية نبيل عمار، الذي عرف بنشاطه وكفاءته وعلاقاته الواسعة بمسؤولين في الخارج، بحسب قوله، مضيفا: "إلى حد هذه الساعة لا نعلم لماذا وقع التخلي عن نبيل عمار".
وحول أثر هذا "التحوير الوزاري"، قال الخلولي إن "هذا التحوير يمكن أن يبعث روحا جديدة في التركيبة الحكومة خاصة بعد تغيير رئيس الوزراء"، مشددا على أن "الأهم هو تدارك أخطاء الماضي والاستجابة للمطالب الشعبية وحتى لمطالب فئة من المعارضين انتقدت سابقا التعيينات على رأس المحافظات والمعتمديات".
وتساءل الخلولي: "هل من المستحسن أن يبقي الرئيس على الفشل ويذهب به إلى الأمام ونحن على أبواب انتخابات رئاسية حاسمة؟ أم أن يقدم على هذا التغيير لتجاوز مكامن الضعف؟"، مشددا على ضرورة إنقاذ الموقف قبل فوات الأوان.
وفي علاقة بتوقيت هذا التعديل الذي يسبق الانتخابات الرئاسية، قال الخلولي إن "المسار الحكومي هو مسار مختلف عن المسار الانتخابي ولا علاقة له به، والدليل على ذلك أن كل الوزراء الذين وقع تعيينهم ليسوا موجودين في الحملة الانتخابية لرئيس الجمهورية".
قوارب بحرية من أمريكا إلى تونس... منظمات حقوقية تندد بالتدخل الأمريكي

توجه واضح نحو حكومة تقنية

من جانبه، قال المحلل السياسي طارق الكحلاوي، في تصريح لـ"سبوتنيك"، إن "التحوير الوزاري كشف عن توجّه واضح نحو الشخصيات التقنية والإدارية".
وأضاف الكحلاوي أن "هذا التحوير هو بمثابة إعلان لحكومة جديدة، على اعتبار أن الوزراء الذين تم الإبقاء عليهم في مناصبهم جاؤوا بدورهم في إطار تحويرات وزارية سابقة".
وتابع: "هذا التحوير جاء في إطار إعلان رئاسي غير معلن عن الدخول في مرحلة جديدة، إذ جرت العادة أن يكون تغيير الحكومات بعد الانتخابات الرئاسية وليس قبلها، وبالتالي هذه الخطوة هي إشارة إلى أن المرحلة السياسية الجديدة قد بدأت وأن العملية الانتخابية محسومة منذ الآن".
وانتقد الكحلاوي "غياب تقييم جدي لحصيلة العمل الحكومي خلال الفترة القادمة، وبسط لمكامن الضعف التي تستوجب الإصلاح والتجاوز"، مشيرًا إلى أن "الرئيس عوّد التونسيين على التركيز على الجوانب الأخلاقية في الوزراء مثل الصدق والأمانة دون الحديث عن تصوراتهم في الجانب الاقتصادي ومختلف شؤون الدولة".
أي خلفيات لقرار الرئيس التونسي إقالة رئيس الحكومة أحمد الحشاني؟
بدوره، استغرب الكحلاوي "الاستغناء عن وزير الشؤون الخارجية نبيل عمار، وتعويضه بمحمد علي النفطي، الذي عينه رئيس الحكومة الأسبق هشام المشيشي، في خطة كاتب دولة للشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج (سنة 2020)".
ورجّح الكحلاوي وجود تباين في الرؤى حول السياسات الخارجية بين رئيس الجمهورية قيس سعيد ووزير الخارجية المقال نبيل عمار، بحسب قوله.
وفي خصوص إقالة وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري عبد المنعم بلعاتي، قال الكحلاوي إن "تصريحات الأخير بشأن أزمة شح المياه هي التي عجّلت بإقالته خاصة وأنها تتضارب مع خطاب الرئيس وحديثه عن وجود مؤامرات أججت أزمة المياه".

"تبرئة ذمة الرئيس"

على الطرف المقابل، يرى منسق "ائتلاف صمود" حسام الحامي، في حديث لـ"سبوتنيك"، أن "التحوير الوزاري الأخير خالف كل الأعراف السياسية في الدول الديمقراطية في العالم".
وأوضح: "رئيس الجمهورية قيس سعيد، هو مرشح رئاسي، وبالتالي كان من المفترض أن يقوم فقط بتسيير الأعمال في الأسابيع الأخيرة، في انتظار نتائج الانتخابات دون أن يقدم على قرارات استراتيجية".
انتخابات الرئاسة في تونس.. من هم أبرز المترشحين وما هي حظوظ فوزهم؟
وقال الحامي إن "مهمة تشكيل الحكومة هي مهمة الرئيس الجديد في إطار تصور وبرامج انتخابية".
وتابع: "هذه الإقالات هي أيضا اعتراف ضمني بأن اختيارات الرئيس على مدى السنوات الخمس الأخيرة، سواء على مستوى الوزراء أو بقية المسؤولين في الدولة، كانت اختيارات خاطئة وغير موفقة".
ولفت الحامي إلى أن الدستور الجديد ينص على أن "الفريق الحكومي مكلف بتنفيذ السياسة العامة للدولة طبق التوجهات والاختيارات التي يضبطها رئيس الجمهورية"، مشددا على أن "عهدة قيس سعيد ،لم تتضمن برامج أو إصلاحات تعود بالنفع على التونسيين"، بحسب قوله.
وأردف: "وبالتالي فإن الغاية من هذا التحوير الوزاري هي تبرئة ذمة الرئيس من الأخطاء التي رافقت مسار 25 يوليو على مستوى الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، من خلال تحميل المسؤولية كاملة للفريق الحكومي من وزراء ومسؤولين".
واعتبر الحامي أن "اختيارات الرئيس في تنصيب مسؤولي الدولة تخلو من الكفاءة والقدرة على تسيير دواليب الدولة خاصة في المجال، الذي يقع فيه التعيين"، منتقدا حملة التخوين التي تطال المسؤولين الذين وقعت إقالتهم.
مناقشة