هل فكرة التخلص من الدولار والانضمام لـ"بريكس" جاءت كنتيجة للضغوط السياسية الأمريكية والغربية أم أنها توجه اقتصادي، وما العقبات التي يمكن أن تواجه تلك الخطوة؟
قال تقرير نشره موقع "تسامح نيوز" السوداني، أمس الثلاثاء، إن السودان يدرس الانضمام إلى مجموعة "بريكس" والتخلي عن التعامل بالدولار كعملة رئيسية، ويسعى من وراء ذلك إلى تحقيق أهداف عدة أبرزها تخفيف العجز في العملات الأجنبية وجذب استثمارات جديدة، ويواصل السودان مساعيه بجد رغم أن الفوائد التي يسعى إليها قد تحتاج لوقت حتى تصبح واقعا.
ويقول الموقع إنه "في ظل التطورات العالمية، فإن العديد من الخبراء يرون أن الانضمام إلى "بريكس" يمثل فرصة استراتيجية للسودان، تمكنه من الاستفادة من التعامل بالعملات المحلية لأعضاء المجموعة".
مغازلة سياسية
بداية، يقول محمد الناير، الخبير الاقتصادي، الأستاذ بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا في الخرطوم، إن "الحديث من الجانب السوداني حول الانضمام إلى تكتل بريكس الاقتصادي، لا أتوقع أن يدخل في إطار المغازلات السياسية للولايات المتحدة الأمريكية، لأنه لو كان الأمر سياسيا فإنه سوف يكون من المخاطرة الكبيرة التي يمكن أن يقع فيها السودان، نظرا لأن المسألة اقتصادية بحتة ولا تخضع للمغازلة السياسية التي تشكل خطرا على السودان في الظرف الراهن".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "أن من حق السودان أن يحدد خططه وبرامجه وتوجهاته بصورة واضحة، نظرا لأهمية هذا التكتل الاقتصادي الناهض (بريكس) على مستوى العالم، ويكفي أنه فقط يجمع من حيث القوة البشرية ما يقارب نصف تعداد الكرة الأرضية أو سكان العالم، ناهيك عن مساهمته في النهج المحلي العالمي أو حجم التبادل التجاري العالمي، علاوة على أن الانضمام لبريكس سوف يعالج الكثير من القضايا والخلل الذي نتج عن استخدام أمريكا والغرب أدوات التحويلات المصرفية وأدوات أخرى في العقوبات الاقتصادية على السودان".
وتابع الناير: "كان يجب على الغرب وأمريكا إبعاد الأدوات الاقتصادية عن الخلافات السياسية التي كانت في السابق مع السودان، طالما أن تلك العقوبات صادرة عن دولة وليس مؤسسة أممية، لذا أعتقد أن هذا التكتل سوف يخلق نوع من التوازن الاقتصادي في ميزان القوى الاقتصادية العالمية بصورة كبيرة، وسيكون المستقبل له بكل تأكيد".
قضية اقتصادية
وقال الخبير الاقتصادي: "إن لم تتدارك أمريكا والغرب الوضع الراهن وسياساتها الأحادية وتعمل سريعا على تعديل برامجها وسياستها مع الدول كالمنطقة الأفريقية والعربية وغيرها، ستكون مجموعة (بريكس)هي الأقوى وجودًا في معظم دول المنطقة، سواء كانت العربية أو الأفريقية".
ولفت الناير إلى أن "خلاصة الأمر أن حديث السودان عن البريكس ليس مغازلة سياسية بقدر ما هو قضية اقتصادية مهمة، سوف يستفيد منها السودان بكل تأكيد، علاوة على أن تكتل (بريكس) سوف يستفيد أيضا من الموارد الطبيعية الضخمة للسودان والتي تعد من أكبر وأقوى دول القارة السمراء ليس من حيث المساحة ولكن من حيث الموارد الطبيعية والوضع الجغرافي".
أزمة الدولار
واختتم الناير بقوله: "إن عزم السودان عن فك الارتباط بالدولار الأمريكي وتوجهه نحو تنويع سلة العملات ليس وليد اليوم، بل إن الأمر جرى الحديث عنه قبل 10 سنوات وتناولته وسائل الإعلام العالمية باهتمام كبير، حيث كان السودان يخضع وقتها لعقوبات اقتصادية أمريكية، بالإضافة إلى وضعه على قائمة الإرهاب في واشنطن، ورغم الخطوات التي تم اتخاذها تجاه السودان في السنوات الخمس الأخير، إلا أن الوضع لم يتغير كثيرا، لذلك نجد أن التوجهات الحكومية والخبراء والمراقبين يؤيدون رؤية التخلص من الدولار والاتجاه نحو التنوع (سلة العملات)".
أمريكا وأوروبا
من جانبه يقول وليد علي، المحلل السياسي السوداني: "بالتأكيد تحاول حكومة السودان المشكلة من الجيش خلق مساحة ضغط و تحرر من قبضة المجتمع الدولي، متمثلا في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي التي تدفع باتجاه إجبار الجيش السوداني على التنحي عن السلطة وتسليمها لقوى مدنية طيعه أو متجاوبة مع مصالح الدول الغربية، و هذا ما يجعل الجيش السوداني يكشر عن انيابه ليبعث برسالة قوية لهذه الدول مفادها أنه لن يسلم السلطة أو يقبل الإذعان إذا ما استمر الضغط عليه".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "الضغوط الأمريكية والغربية في هذا التوقيت هى التي تدفع الجيش السوداني إلى اللجوء
للتحالفات مع المعسكر الشرقي بصورة عامة و مغازلة الصين و روسيا بكل الوسائل، ولكن يبقى السؤال ما هو جدوى هذا الغزل و الوعود الاقتصادية لهذا المعسكر الشرقي في ظل الانقسام الحاد داخل الدولة السودانية التي يسيطر الجيش السوداني على شرقها و شمالها و جزء يسير فقط من جنوبها في النيل الأبيض والنيل الأزرق".
عقبات في الطريق
وأشار علي إلى أن "مناطق سيطرة الجيش السوداني فعليا خارج دائرة الإنتاج الزراعي و الصناعي و الحيواني و الغابي في الدولة السودانية، و السودان فقد 80 بالمئة من صادراته التي تميزه كالصمغ العربي و المحاصيل النقدية والمعادن كلها باستثناء الذهب الذي انخفض إنتاجه أو توقف في الولايات المنتجة له، ولم يعد يُنتج إلا في ولايات الشمالية و البحر الأحمر ونهر النيل، وحاليا يتم الاعتماد على هذا الإنتاج في تسيير دولاب العمل بالدولة".
واستطرد: "داء الفساد العضال الذي كان ينخر في جسد الدولة لم يزل يقلص الفوائد بطريقة مخيفة لا تشجع أي من دول المعسكر الشرقي على الاستثمار مع الحكومة السودانية المعينة من الجيش السوداني، وهذه مشاكل داخلية تعتبر من الأمراض المزمنة داخل الحكومات السودانية كلها، سواء كانت شمولية أو ديموقراطية".
الواقع المتردي
وأكد المحلل السياسي: "أن الجيش السوداني يخطىء إذا ما ظن أن السودان يعتبر بيئة جاذبة للإستثمار بوضعه الحالي، المتمثل في انعدام الاستقرار السياسي و الأمني و استمرار الفساد الإداري الذي يعلم المعسكر الشرقي حجمه الكبير في السودان، و قد لُدغ هذا المعسكر اقتصاديا من التعامل مع الحكومات السودانية كثيرا، في إشارة للإستثمارات الصينية وحتى العربية الشقيقة التي تركت أثرا سيئا في سمعه الاستثمار بالسودان، لذلك لا اعتقد أن السودان بوضعه الحالي قادر على كسب ثقة أي معسكر سواء شرقي أو غربي".
وأوضح علي: "أن الحل يكمن في مواجهة الواقع المتردي و التوصل لإتفاق يوقف إراقة الدماء حتى يستطيع السودانيون مواجهة أزمة بقاء دولتهم من فنائها، وأيضا على المجتمع الدولي النظر لتلك الأزمة بجدية، لأن القرن الأفريقي قد وصل لحافة الهاوية مع الأحداث المتسارعة بين الصومال وإثيوبيا و بداية التوتر بين اوغندا و جنوب السودان، حيث تؤكد مصادر مطلعة على توغل القوات الأوغندية داخل حدود جنوب السودان في منطقة كاجوكاجي واستولت على مساحات زراعية هائلة".
بداية الجحيم
ولفت علي إلى أنه " قد يكون السودان وما يجري فيه هو بداية الجحيم الذي سوف يقضي على أمن البحر الأحمر، و يرسل ملايين اللاجئين لدول العالم بعدد غير متوقع من كل دول القرن الأفريقي ودول حوض النيل وروافده وبحيراته العظمى".
واختتم علي بقوله: "يستطيع الجيش السوداني و الدعم السريع التوصل لإتفاق يوقف الحرب، إذا ابتعدت تدخلات المجتمع الدولي ووكلائه في المنطقة، ولكن يبدو أننا مجبرون على التفكير في أن هذا المجتمع بسلوكه يسعى لتدمير الحدود التي قام برسمها قبل قرن وإعادة تشكيل الدول والشعوب الأفريقية".
وأعلن يوري أوشاكوف، مساعد الرئيس الروسي، الاثنين الماضي، دعوة زعماء دول رابطة الدول المستقلة، وكذلك الدول التي تترأس مختلف جمعيات التكامل والتي تطمح إلى العضوية في مجموعة "بريكس"، لحضور قمة المنظمة في مدينة كازان الروسية، التي من المقرر أن تعقد بمشاركة رؤساء الدول الأعضاء في مدينة كازان الروسية، في الفترة من 22 إلى 24 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
وتم إنشاء مجموعة "بريكس"، في عام 2006، من قبل روسيا والصين والهند والبرازيل. وفي عام 2011، انضمت إليها جنوب أفريقيا، وفي عام 2024، انضمت إليها مصر، وإيران، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وإثيوبيا.
وتمثل دول "بريكس" 34% من مساحة الأرض، و45.2% من سكان الكوكب، وبلغ الناتج المحلي الإجمالي عند تعادل القوة الشرائية 36.7% من القيمة العالمية.
ومنذ أبريل/ نيسان 2023، يشهد السودان حربا عنيفة بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي).
وأدى النزاع إلى تعطيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين، بينما أسفرت الحرب عن حصيلة قتلى تصل إلى نحو 150 ألف شخص، حسب بعض التقديرات، إضافة إلى نزوح أكثر من 10 ملايين شخص داخل السودان أو فروا إلى دول مجاورة.
وأشار البيان المشترك إلى أن "الحرب دمرت قطاعي الزراعة والثروة الحيوانية في السودان، مما أدى إلى تفاقم أزمة الغذاء، حيث شهدت فرق الإغاثة استخدام الطعام كسلاح في النزاع"، وتوقعت المؤسسات الـ3 أن "يفوق عدد الوفيات بسبب الجوع، حصيلة قتلى الحرب".