ما إمكانية عقد هذا اللقاء الذي تكرر الإعلان عنه كثيرا منذ بداية الحرب ولم يحدث، ولماذا ظهرت تلك الدعوات بعد الإعلان عن استعادة الجيش للعديد من المناطق الاستراتيجية في العاصمة الخرطوم؟ وما هي العراقيل التي يمكن أن تقف عائقا سواء من طرفي الصراع أم من جانب الوسطاء؟ ولماذا يستبعد البعض حدوث ذلك في الوقت الراهن؟
بداية يقول وليد أبو زيد، المحلل السياسي السوداني: "لا اعتقد أن رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان سوف يقبل لقاء حميدتي بعد الآن، وحتى إذا أراد ذلك فهناك أسباب قوية تمنعه من المجازفة بلقاء حميدتي في ظل الظروف الحالية".
حالة من الارتباك
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "حيث أن الجيش على ما يبدو يتقدم بحماس في محاور قتالية شديدة الأهمية، وهذا اللقاء بلا شك سوف يخلق حالة من الارتباك في صفوف المقاتلين الذين لازالت دماؤهم تقطر من أجسادهم، والبرهان رجل مقاتل ويعرف هذه الحالة النفسية والمزاجية التي يمر بها الجندي بالقوات المسلحة هذه الأيام، ولن يجازف بفقدان هذه الروح القتالية التي كانت قد أوشكت على الفقدان خلال الفترة السابقة، التي كانت قوات الدعم السريع تتقدم وتسقط مقرات الجيش السوداني واحدة تلو الأخرى، هذا بجانب الضغط الشعبي الداخلي الذي لن يسمح للبرهان بهذا اللقاء حاليا".
وشدد أبو زيد "على ضرورة أن تعمل الجهة المنظمة لهذا اللقاء على كسب ثقة القوات المسلحة عبر الحوار معها حول أجندة اللقاء، وما يمكن أن تقدمه الوساطة من تنازلات تعيد للجيش السوداني مكانته التي يتم التقليل منها، بوصفها مجرد طرف مقاتل دون اعتبارية لإشرافها الفعلي بحكم الأمر الواقع على الحكومة السودانية".
وتابع المحلل السياسي: "يجب أيضا أن يقدم الدعم السريع تنازلات محسوسة في ملف الانتهاكات التي تستهدف المواطنين عبر منسوبيه في مناطق سيطرته، حيث أن قواته بلا رقابة ولا حساب وتتصرف بطرق تدل على غياب تام للقيادة العليا".
توقيت غير مناسب
ويعتقد أبو زيد، أن الدعم السريع لا يزال يفتقد الأهلية الأخلاقية للدخول معه في أي حوار، وعلى السيد دقلو بذل المزيد من الجهد لفرض سيطرته على منسوبي قواته التي يبدو أنها تتعامل على أنه غير موجود".
وأكد أبو زيد أن "الوقت الراهن ليس مناسبا للإعلان عن أي لقاء، وليس من الذكاء أبدا أن تقع الجهات المنظمة لهذه اللقاءات في نفس الخطوات السابقة التي كان مصيرها الفشل بإعلان رغبتها في جمع البرهان وحميدتي قبل الدخول في حوار مباشر معهما حول مدى تأكيد حضورهما واستجابتهما لأجندة اللقاء".
تحضيرات مسبقة
وأوضح المحلل السياسي، "أن البرهان وقيادته يظنون أن الغرض من إطلاق هذه الأخبار هو الوصول لاتهامه برفض الجلوس للتفاوض في نهاية الأمر، وهو ما يعزز فرضية المؤامرة لديه ولدى القوات المسلحة ضد بقاء مؤسسات الدولة واستبدالها بمؤسسات أخرى".
وقال أبو زيد: "أتمنى أن تتراجع الجهة المنظمة عن هذه الدعوة والتوجه إلى بورتسودان والجلوس مع البرهان، ثم التوجه إلى حميدتي حيثما كان والجلوس معه للاتفاق معه حول أجندة محددة يقبلونها معا، أو على أسوأ تقدير يقبلون الحد الأدنى منها ليقوموا ببدء التفاوض".
أطراف الأزمة
من جانبه يقول الدكتور محمد مصطفى، رئيس المركز العربي الأفريقي لثقافة السلام والديمقراطية بالسودان:"إن لقاء مباشر يجمع بين قائدي الجيش عبد الفتاح البرهان والدعم السريع حميدتي، هو ما ظللنا ننادي به منذ بداية الحرب، نظرا لأن اللقاءات والمؤتمرات والحوارات التي ظلت تحوم حول الرجلين ما كانت إلا مضيعة للوقت والجهد والمال".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "فرص معالجة أي أزمة تتمثل في التركيز على زعماء أطراف الأزمة لأجل إغلاق أي هامش للمناورة والإنحراف عن الهدف، وبذل أكبر جهد ممكن لوضع قاطرة السلام على بداية الطريق".
وأشار مصطفى، إلى أن "فرص النجاح تكمن في النقلة التي حدثت في إستراتيجية الجيش من الدفاع للهجوم وتحقيق تقدم ملحوظ في كل محاور القتال مع تراجع الغرور والثقة بالنفس لدى الدعم السريع، وبالتالى قد واكب آداء الجيش موقفه التفاوضي الذي كان في السابق يتناقض معه، وكذا تناقص آداء الدعم السريع ليقترب من الموقف الافتراضي وفقا لتقييم الجيش".
عقبات كبرى
وحول العقبات التي يمكن أن تواجه انعقاد هذا اللقاء يقول مصطفى: "أما العقبات التي يمكن أن تقف في طريق تلك المساعي فتتمثل في الرغبة الأكيدة للجيش وحلفائه في حسم المعركة عسكريا ويرفض أي تفاوض، خاصة بعد ضعف الآداء لدى الخصم، بجانب رغبة أغلبية الذين فقدوا ممتلكاتهم وذويهم وانتهكت عروضهم والذين يعتقدون أن الحسم العسكري قد يوفر لهم فرص مقاضاة الذين فعلوا ذلك".
وأشار رئيس المركز العربي الأفريقي، إلى أن "العقبات التي قد تعرقل لقاء البرهان وحميدتي، لا تحكمها فقط توجهات الجيش والموقف الشعبي، بل تتمثل أيضا في الدول الخمس الداعية إلى اللقاء ومواقفها السابقة، فإذا هي غير مقبولة لأي طرف حتما لن يحضر ذلك الطرف اللقاء المرتقب".
وأكد مصطفى أنه "إذا توفرت الحنكة والحكمة والعلاقات الطيبة في الدول الخمس حتما سينجح اللقاء، وإذا نجح اللقاء أرجو أن لا يتوقع الوسطاء إعلان وقف إطلاق النار منذ الوهلة الأولى، بل قد يكون اللقاء تمهيدي والنجاح يكمن في انتزاع الوسطاء من الرجلين الإلتزام في اللقاءات التالية حتى يتم وقف إطلاق النار".
وتناولت بعض التقارير الإعلامية، نقلا عن مصادر لم تُسمها، أنه يجري التحضير لقمة أفريقية في محاولة جديدة لاختراق جدار الأزمة السودانية، تستضيفها العاصمة الأوغندية كمبالا يوم 23 أكتوبر /تشرين أول الجاري، يشارك فيها الرئيس الأوغندي يوري موسفيني، والنيجيري بولا أحمد تينوبو، ورئيس غينيا الاستوائية تيودورو أوبيانغ نغيما، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والأنغولي جواو لورينسو.
وسبق أن تعثرت جهود دبلوماسية للولايات المتحدة وقوى أخرى لحل الأزمة، فيما رفض الجيش السوداني حضور محادثات كانت مقررة الشهر الماضي في سويسرا، إلا أن القمة الأفريقية المرتقبة تعلق عليها الآمال في أن تدفع طرفي الحرب إلى طاولة المفاوضات، بعد أن أثبتت الشهور الماضية أن الحل العسكري عصي على الطرفين، بحسب صحيفة "عكاظ" السعودية.
وكان وزير الخارجية السوداني حسين عوض قال إن الأسبوع الثالث من أكتوبر الجاري، سيشهد اجتماع لجنة خماسية كان مجلس الأمن والسلم التابع للاتحاد الأفريقي شكلها برئاسة الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني بشأن السودان، لافتا إلى أنه "لن يكون له أي دور إن لم تعد عضوية السودان للمنظمة"، ما يعني رفضًا مسبقًا من الحكومة السودانية لأي مخرجات قد تنجم عن تلك القمة، فيما لم تكشف قوات الدعم السريع موقفها من القمة والنتائج التي قد تصل إليها.
وكان رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، قد أكد في شهر أغسطس/ آب الماضي، أن الحرب لن تتوقف ما لم تتم تلبية مطالب الجيش، أبرزها انسحاب "الدعم السريع" من المدن، لا سيما الخرطوم، وتسليم السلاح.
وتتواصل المعارك بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف نيسان/ أبريل 2023، ما أسفر عن نحو 13 ألفا و100 قتيل، فيما بلغ إجمالي النازحين في السودان نحو 7.9 مليون شخص، ونحو 2.1 مليون شخص إلى دول الجوار، بحسب بيانات الأمم المتحدة.