قرار أخير اتخذته الجزائر في إطار تصعيدها ضد باريس على المستوى الاقتصادي بعد سحب سفيرها في 30 يوليو/ تموز 2024، إذ استبعدت الشركات الفرنسية من مناقصة لاستيراد قمح هذا الأسبوع، واشترطت ألا تعرض الشركات المشاركة قمحا فرنسي المنشأ.
وفق الخبراء من الجزائر، فإن الإجراء الجزائري هو رسائل مباشرة لفرنسا، بسبب مواقفها من الملفات الثنائية، وكذلك فيما يتعلق بتأييدها الأخير لمقترح الحكم الذاتي للصحراء.
وبحسب الخبراء، فإن العلاقات بين البلدين وصلت إلى مراحل متقدمة، فيما تتباين الآراء بشأن احتمالية قطع العلاقات الاقتصادية بين البلدين، حال تمسك فرنسا بموقفها الحالي.
وأجرت الجزائر إحدى مناقصاتها الدورية، يوم الثلاثاء الماضي، وقدّر المتعاملون أن الديوان المهني للحبوب، اشترى أكثر من 500 ألف طن من القمح، باستبعاد تام للقمح الفرنسي.
وتعد الجزائر من أكبر مستوردي القمح في العالم، وكانت فرنسا لسنوات طويلة أكبر مورد لها بفارق كبير.
وتتعدد الملفات الخلافية بين الجزائر وفرنسا، إذ تأزمت العلاقات بشكل تدريجي، منذ وصول الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، للحكم في عام 2019، الذي طالب باعتذار فرنسا عن جرائمها خلال فترة الاستعمار، واستعادة الأرشيف الجزائري، والكشف عن خرائط التفجيرات النووية التي أجرتها باريس أثناء الاحتلال، لكن الأمور تعقدت بشكل أكبر بعد تأييد باريس لمقترح الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب بشأن "ملف الصحراء" في العام 2007.
إعادة تقييم اتفاق الشراكة
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2021، طالب تبون حكومته "بإعادة تقييم اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي بندا بندا"، من أجل تحقيق الاستفادة المشتركة.
في الإطار، قال الخبير الاقتصادي الجزائري، فريد بن يحيى، إن "العلاقات بين البلدين وصلت إلى مرحلة متقدمة من التوترات، إذ يمكن لخطوة ما أن تؤدي إلى قطع العلاقات".
وأضاف في تصريحات لـ"سبوتنيك"، أن "فرنسا أصبحت ولاية من الولايات الأمريكية، إذ تتحكم واشنطن في فرنسا بشكل كبير، في الوقت الذي أخلت به باريس بالاتفاقيات".
ولفت إلى أن "فرنسا تتحفظ حتى اليوم على ملف الذاكرة، ولا تعترف بالجرائم التي ارتكبتها، والتجارب النووية التي قامت بها خلال فترة الاستعمار".
وتابع: "الجزائر تسير على خطوات ثابتة، وخطوة القمح هي بمثابة التحذير، وإذا لم تستوعب فرنسا الرسالة، فإن الجزائر يمكن أن تتجه لتقليص الواردات الفرنسية إلى أدنى مستوى".
وأضاف: "تربطنا علاقات استراتيجية مع روسيا، ويمكن لنا أن نحصل على كميات بديلة للقمح الذي كنا نستورده من فرنسا بأكثر من مليار دولار سنويا، كما تدرس الجزائر العديد من الأسواق في هذا الإطار".
ومضى بقوله: "هناك خطوة فاصلة في العلاقات بين البلدين، وتتمثّل في الملفات الخلافية، والتي ظلت عالقة حتى الآن دون التقدم خطوة فيها، بل عملت باريس على سياسة الهروب للأمام".
قطع العلاقات نهائيا
ولفت فريد بن يحيى إلى أنه "في حال مضي فرنسا في نهجها بشأن الصحراء وتمسكها بموقفها الحالي، وعدم تجاوبها بشأن الملفات الأمنية الخاصة بالجزائر، فإنه يمكن للأخيرة أن تذهب لقطع العلاقات بشكل تام مع باريس"، وفق قوله.
تنويع الشراكات
وتحتل الجزائر المرتبة الثانية في قائمة البلدان الأفريقية الشريكة في مجال التجارة، إذ بلغت قيمة المبادلات بين الجزائر وفرنسا 8 مليارات يورو في عام 2021. وسجلت الصادرات الفرنسية إلى الجزائر انخفاضا لتبلغ قيمة 3.7 مليار يورو في عام 2021، بينما ارتفعت الواردات الفرنسية من السلع الجزائرية التي تمثل المحروقات نسبة 91% منها، وفق الدبلوماسية الفرنسية.
وكانت تحتل فرنسا في عام 2020 المرتبة الثانية في قائمة الموردين إلى الجزائر بعد الصين بنسبة واردات تبلغ 10.6%، والمرتبة الثانية في قائمة عملاء الجزائر بعد إيطاليا بنسبة صادرات جزائرية تبلغ 13.3%.
من ناحيته، قال أستاذ جامعة العلوم الاقتصادية بالجزائر أحمد الحيدوسي، إن "ما تم تداوله بشأن استبعاد فرنسا من توريد القمح إلى الجزائر، يؤكد التوجه الجزائري نحو تنويع شراكتها".
وأضاف في تصريحات لـ"سبوتنيك"، أن "الجزائر لا تريد حصر وارداتها على مورد واحد، إذ تبلغ وارداتها من القمح نحو 3 مليون طن إلى 4 مليون طن سنويا، خاصة أن فرنسا أخلت بكثير من الجوانب التي نصت عليها اتفاقيات ثنائية بين البلدين".
وأوضح أن "فرنسا أخلّت بالاتفاقيات الخاصة بتنقل الأشخاص، وخفّضت التأشيرات للجزائريين، كما أنها أخلّت بالجوانب المتعلقة بتوطين التكنولوجيا في الجزائر".
وشدد على أن "الجزائر تؤسس للتعامل بندّية واستفادة متبادلة في الوقت الراهن".
ولفت الحيدوسي إلى أن "العلاقات بين البلدين لن تصل إلى القطيعة الاقتصادية أو الدبلوماسية، إذ تعمل الجزائر على إعادة الأمور لنصابها وفق الاتفاقيات الدولية المعمول بها بين الدول ذات السيادة، والتي تحترم الالتزامات وتقوّم علاقاتها الندّية".
الصادرات الفرنسية للجزائر
كانت الصادرات الفرنسية إلى الجزائر في عام 2023 مستقرة مقارنة بعام 2022، من حيث القيمة باعت فرنسا سلعًا بقيمة 4.49 مليار يورو إلى الجزائر في عام 2023، مقارنة بـ4.51 مليار يورو في عام 2022، بانخفاض طفيف بنسبة 0.5%، وهذا التغير كان متوقعا بعدما قامت الجزائر بتجميد التبادل التجاري مع إسبانيا بسبب موقفها الداعم للمغرب في ملف الصحراء الغربية.
الشراكة مع الاتحاد الأوروبي
ويأتي الاتحاد الأوروبي أكبر شريك للجزائر، ومثّل نحو 50.6% من المعاملات التجارية الدولية لهذا البلد في العام 2023.
وتراجعت صادرات الاتحاد الأوروبي للجزائر بشكل مطّرد خلال السنوات الماضية ، إذ انخفضت من 22.3 مليار يورو في العام 2015 إلى 14.9 مليار يورو في العام 2023، بحسب الأرقام التي أعلنتها المفوضية الأوروبية.
ووقعت الجزائر والاتحاد الأوروبي في 2005 اتفاقا للشراكة، لكن خبراء وسياسيين جزائريين، بينهم وزير التجارة كمال رزيق، دعوا إلى إعادة النظر في هذه الاتفاقية بدعوى أنها غير متوازنة وتضر بمصلحة الجزائر.
ولم يبلغ إجمالي الصادرات الجزائرية غير النفطية الموجهة للاتحاد الأوروبي 14 مليار دولار خلال عقد (2005 - 2015)، في حين أن إجمالي الواردات الجزائرية من الاتحاد الأوروبي قدر بـ220 مليار دولار بمعدل سنوي قدره 22 مليار دولار، وفقا لوكالة الأنباء الجزائرية.