ليبيا والجزائر تبحثان سبل التعاون الاستراتيجي في ظل التحديات الإقليمية

عقد رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، مساء أمس الأربعاء، في قصر "المرادية" بالجزائر، مباحثات ثنائية مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.
Sputnik
وقدم المنفي تهانيه للرئيس تبون، بفوزه في الانتخابات الرئاسية، مشيداً بالعلاقات القوية التي تجمع بين ليبيا والجزائر.
الجزائر وليبيا بصدد تطوير العلاقات بينهما في المجال النفطي
تناول اللقاء سُبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين والقضايا ذات الاهتمام المشترك، إضافة إلى أهمية الشراكة الاستراتيجية بين ليبيا والجزائر، خاصة في مواجهة التحديات التي تهدد المنطقة، وتم التأكيد على ضرورة استمرار التنسيق والتعاون لتجاوز المرحلة الحرجة التي تعيشها المنطقة العربية والإسلامية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

توحيد المواقف

في هذا السياق، أشار المحلل السياسي يوسف البخبخي، إلى أن "زيارة رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، إلى الجزائر ولقائه بالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، تأتي ضمن إطار التقارب الإقليمي المغاربي الذي بدأ بين رئيس المجلس الرئاسي الليبي والرئيس التونسي والرئيس الجزائري، هذا اللقاء والزيارة تأتي في سياق توطيد العلاقات بين هذه الدول، بهدف التنسيق وتوحيد المواقف".
وأوضح البخبخي، في تصريح خاص لـ"سبوتنيك"، أن "هذه الدول تواجه أزمات وتحديات سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، ولا يمكن تجاهل الواقع الذي تعيشه ليبيا من انقسام بين الشرق والغرب، وهو ما انعكس على أزمة مصرف ليبيا المركزي".
وأضاف أن "هذا التحدي يدفع باتجاه تحالفات إقليمية"، مشيرًا إلى أن "التقارب الحالي بين ليبيا والجزائر يأتي في إطار حاجة الغرب الليبي، ممثلاً في المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية، إلى حليف استراتيجي يوازن التحالفات الإقليمية للشرق الليبي ورئيس مجلس النواب".
كما أكد أن "الانقسامات الداخلية تتطلب تحالفات إقليمية، وأن التوتر الذي حدث بين قوات الجيش في الشرق الليبي والجزائر، في أغسطس (آب) الماضي، فيما يتعلق بتأمين الحدود، كان دافعًا لهذا التقارب".
الجزائر تؤكد ضرورة إنهاء التدخلات الخارجية في شؤون ليبيا
وأشار البخبخي إلى أن "الجزائر تعتبر أن اقتراب القوات العسكرية من حدودها خطًا أحمر، ما يبرز أهمية هذا اللقاء في ظل التغيرات الإقليمية وتنامي العلاقات بين الجزائر والغرب الليبي".
مؤكدًا أن "الجزائر تسعى لاستقرار ليبيا وتدفع باتجاه العملية الانتخابية، بهدف منع أي تصعيد عسكري قد يؤثر على أمنها الداخلي".

مواقف ثابتة

من جانبه، قال المحلل السياسي حسام الدين العبدلي، إنه "لا تتوفر معلومات دقيقة حول ما دار بين الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، لكن يُرجح أن اللقاء كان تشاوريًا للتحضير لقمة ثلاثية ستعقد في العاصمة طرابلس، ستجمع تونس وليبيا والجزائر، وستركز القمة على قضايا تأمين الحدود، مكافحة الهجرة غير الشرعية، بالإضافة إلى مناقشة التحديات الإقليمية والسياسية المشتركة بين هذه الدول".
وأوضح العبدلي، في تصريحه لـ"سبوتنيك"، أن "الاجتماع الثلاثي المزمع عقده سيكون الثاني من نوعه بعد الاجتماع الأول، الذي جمع المنفي وتبون، بحضور الرئيس التونسي قيس سعيد، في تونس".
وأكد أن "هذا النوع من الاجتماعات يحمل أهمية كبيرة، نظرًا لكون هذه الدول دول جوار تتقاسم مصيرًا مشتركًا، سواء في القضايا الاقتصادية، السياسية أو الأمنية".
الرئيس الجزائري يؤكد ضرورة إنهاء الوجود العسكري الأجنبي في ليبيا
وأشار العبدلي إلى أن "تبون كان واضحًا في موقفه الثابت الرافض لأي تدخل أجنبي في ليبيا"، مؤكدًا أن "الجزائر لا تتحالف بشكل مباشر مع أي طرف من أطراف النزاع الليبي. الجزائر تتبنى سياسة قوية معارضة لأي تدخل خارجي في ليبيا، وهو ما عبر عنه تبون بوضوح".
وأضاف أن "هذا الموقف الجزائري الثابت تجلى في لقاء وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، مع المبعوثة الأممية إلى ليبيا، ستيفاني ويليامز، عندما زارت الجزائر، حيث أكد عطاف أن الأزمة الليبية طالت وأثّرت بشكل كبير على دول الجوار، وشدد على ضرورة حل الأزمة بين الأطراف الليبية دون أي تدخل خارجي".
وأكد العبدلي أن "العلاقات الليبية الجزائرية تاريخية وطيبة"، مشيرًا إلى "دعم الجزائر لليبيا في مختلف المحافل الدولية، وتعتبر الجزائر دولة مهمة بالنسبة لليبيا، وخاصة في ما يتعلق بالملف الأمني والحدودي"، وأوضح أن "ليبيا بحاجة إلى تحقيق الاستقرار لتطوير العلاقات الاقتصادية وفتح الحدود بين البلدين"، مؤكدًا أن "وجود حكومة موحدة في ليبيا ستساعد على تحسين العلاقات مع الدول الأخرى".
وقال العبدلي إن "الجزائر تلعب دورًا مهمًا في حل الأزمة الليبية، نظرًا لدعمها المتواصل للشعوب العربية، بما في ذلك الشعب الفلسطيني، وأي مبادرة جزائرية تسعى لحل الأزمة الليبية ستكون محل ترحيب من قبل الليبيين، كون الجزائر دولة شقيقة وجارة تسعى للمساعدة في إيجاد حل دائم".

خطوات إيجابية

فيما يرى المحلل والأكاديمي الليبي محمد درميش، أن "زيارة رئيس المجلس الرئاسي الليبي إلى الجزائر ولقائه بالرئيس الجزائري، تمثل خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح لتعزيز التوازن في العلاقات بين البلدين".
وأكد درميش، في تصريح خاص لـ"سبوتنيك"، أن "العلاقات الليبية الجزائرية حاليًا جيدة، وأن الخلافات الحدودية بين الدولتين لا تشكل تأثيرًا كبيرًا على هذه العلاقات".
وأشار إلى أن "الجزائر تُعد دولة محورية ذات قوة عسكرية ونفوذ في المنطقة، حيث أنها عضو في تجمع الساحل والصحراء، بالإضافة إلى عضويتها في اتحاد المغرب العربي، مجموعة "5+5"، الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي"، وأضاف أن "الجزائر يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في المساهمة في حل الأزمة الليبية الحالية".
المبعوث الأممي إلى ليبيا يشيد بدعم الجزائر للحل السياسي للأزمة

مؤشرات جديدة

من جهته، أوضح المحلل السياسي الليبي إدريس أحميد، أن "هذه الزيارة كانت مجدولة بعد انتخاب عبد المجيد تبون، رئيساً للجزائر، وفيما يتعلق بالتوتر الأخير بين الجزائر وليبيا، فإن كيفية تعامل الجزائر مع الوضع غير واضحة، خاصة في ظل تعبيرها عن عدم رضاها تجاه انتشار الجيش الليبي على الحدود الجنوبية الغربية بهدف تأمينها، رغم أن هذا الأمر يجب أن يُنظر إليه على أنه مصلحة مشتركة بين البلدين".
وأضاف أحميد، في تصريح خاص لـ"سبوتنيك"، أن "الموقف الجزائري يبدو مستغربًا، خاصة وأن الجزائر كانت محايدة لفترة طويلة وأكدت سعيها للمساهمة في حل الأزمة الليبية، إلا أن هناك مؤشرات على أنها انحازت إلى طرف معين".
وأشار إلى أن "الجزائر أعربت عن رغبتها في حل الأزمة الليبية واستقرار البلاد، من خلال مشاركتها في مؤتمر دول جوار ليبيا، لكن هذه التصريحات لم تُترجم إلى أفعال ملموسة".
وأكد أحميد أن "الملف الليبي لا يزال تحت هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية، ولا تلعب الجزائر دوراً حقيقياً في حل الأزمة".
وأوضح بأن الجزائر "دعت مؤخرًا إلى اجتماع ثلاثي مع ليبيا وتونس، لتشكيل تكتل مغاربي جديد، وهو ما قوبل بالرفض من المجلس الرئاسي الليبي، الذي اعتبره خطوة تزيد من تعميق الخلافات بين دول الاتحاد المغاربي"، وأكد أن "الجزائر بحاجة إلى اتخاذ موقف واضح تجاه الأزمة الليبية".
مناقشة