حول تطورات الأوضاع في السودان والتصعيد بين الجيش والدعم السريع والسيناريوهات القادمة ومصير مبادرات السلام ودور المجتمع الدولي في ظل ما تشهده منطقة الشرق الأوسط، جميع ما سبق وملفات أخرى كانت نقاط التحاور مع الدكتور إبراهيم زريبة في السطور التالية…
بداية.. كيف تقرأ التطورات الأخيرة في الحرب السودانية وما حدث من انتهاكات خطيرة من جانب قوات الدعم السريع ضد المدنيين؟
الخطأ الأساسي هو خطأ الجيش السوداني عندما لجأ إلى الاستنفار القبلي والتحشيد القبلي للمواطنين والزج بهم في أتون حرب لا قِبل لهم بها، ولا يملكون الكفاءة القتالية للمشاركة في الحروب، باعتبار أن هؤلاء المواطنين غير مدربين عسكريا، وتسليحهم تسليح ضعيف، كان الأحرى بالجيش أن يقوم بحماية المدنيين وأفراد القبائل بدلا من تسليحهم، لأن واجب الجيش هو حماية المدنيين وليس تسليحهم،عندما تُسلح المواطنين أنت تضعهم مباشرة في مواجهة الخصم، الذي هو خصمك أنت، والذي كان يفترض عليك كدولة تمتلك السلاح الثقيل والطيران أن تدافع عن مواطنيك بدلا من أن تُحملهم مسئولية لا قبل لهم بها.
هل حمل المواطنين للسلاح يُعد مبرر للانتهاكات والجرائم التي ارتكبت ضد المدنيين التي تشير كل التقارير بضلوع قوات الدعم السريع فيها؟
الدعم السريع جهة مقاتلة ويقاتل في عدو وأي شخص يحمل بندقية هو يعتبره عدو بشكل تلقائي، بالتالي نحن نحمل الخطأ للجيش في الأساس في أنه أقحم المواطنين في تلك المعركة، حيث أن الدعم السريع متواجد في هذه المنطقة بولاية الجزيرة منذ دخول مدينة مدني ولم يحتك بالمواطنين، لكن قبل أسبوع عندما قام الجيش بتسليح المواطنين، وقام البرهان بزيارة لقبائل التي تقطن الجزيرة ودفع بهم في حرب لا قِبل لهم بها.
أنت إذا تُبرأ أو تُخلي مسؤولية الدعم السريع عما تم ارتكابه من جرائم وتحملها للجيش السوداني؟
نعم نحمل المسؤولية للبرهان لأنه هو الذي قام بتسليح المواطن،المواطن هو المواطن والدعم لا أعتقد أن لديه مصلحة في قتال المواطن، وللعلم مسألة تجييش القبائل ليست جديدة على الجيش السوداني في كل حروبه سواء في الجنوب أو في النيل الأزرق وفي دارفور،هذا تقليد راسخ للجيش يتمثل في الاستعانة بالقبائل و تحشييدها في الحروب، وهذا تقليد موروث من نظام الإنقاذ السابق.
هل ترى أن هناك تبعات تقع على الضحايا من المدنيين..وهل كان بإمكانهم تفادي ما يحدث لهم في الجزيرة؟
أناشد المواطن أن ينأى بنفسه عن هذه المعركة لأنها ليست معركه، هذه معركة بين الجيش والدعم السريع فليتصدى الجيش والقوات العسكرية المتحالفة معه لخصمهم الدعم السريع، لأن الجيش لم يتمكن من حماية المواطنين لا في الخرطوم ولا في أم درمان أو بحري ولا في مدني، بالتالي ينبغي أن نحمل المسؤولية للجيش لأنه هو من لجأ للتحشييد القبلي، وهذا ليس بجديد طيلة عهد النظام البائد الذي كان يستخدم القبائل في الحروب ضد أهل الهامش الذين كانوا ينتفضون للمطالبة بحقوقهم الطبيعية الأساسية من حق المواطنة والعدالة الاجتماعية وكل الشعارات الجميلة التي تكتب في الدساتير ولا يتم العمل بها.
برأيك.. هل معارضة المواطنين للدعم السريع مبرر لكي يرتكب كل تلك الجرائم ضدهم؟
المسألة ليست مسألة انحياز لطرف على حساب الطرف الآخر، المسألة أننا نحمل المسؤولية للجهة التي صدر عنها مثل هذا السلوك، والحرب نتائجها معروفة و معهودة، مثل القتل والفوضى وانعدام القانون، الذي قد يؤدي إلى أي سلوك غير حميد، بالتالي يجب على العالم والأسرة الدولية أن تضغط بشكل كبيرعلى الأطراف وخصوصا الطرف الممتنع أو المتمنع عن خيار السلام، فقد شاهدنا أن الجيش السوداني رفض الذهاب إلى مفاوضات السلام في جنيف، وأيضا لم يذهب إلى القمة التي دعت إليها (الإيقاد) لكي تجمع قائدي الحرب في الطرفين، لكننا شاهدنا حضور قائد الدعم السريع كنوع من الجنوح للسلم وامتناع قائد الجيش عن الحضور، جمد عضويته في (الإيقاد).
وتابع: يجب على العالم أن يوقف تلك الانتهاكات والطريقة الوحيدة لذلك هى ايقاف الحرب، وإيقاف الحرب يكون بالضغط على الطرف الذي يمتنع عن الحضور في منابر السلام كي تنتهي المعاناة إلى الأبد، فلو ظللنا ندين الجيش والدعم السريع على ما يتم ارتكابه من انتهاكات، هذا الفعل لن يُحصن المدنيين وهذا ليس بالحل، الحل أن كل الجهات الدولية تضغط بشكل موحد لوقف الحرب، بدلا من أن تدعم طرف من الأطراف بالعتاد العسكري والطيران والطيارين، ومن المفترض أن الدول العظمى والدول الكبيرة التي لها صوت في مجلس الأمن، أن تسخر أصواتها وضغوطها باتجاه وقف الحرب.
أنتم تحالف قوى مدنية سودانية..هل لكم انحياز إلى طرف على حساب الطرف الآخر كما يردد البعض؟
من البديهي جدا أن يتم دعوة المواطنين لعدم الاستجابة لدعوات التحشيد والامتناع عن حمل السلاح لأن هذا الأمر يُعرض حياتهم للخطر، لأن حمل السلاح يعني الحرب وأن الطرف الآخر الذي تحمل ضده السلام سوف يصنفك تلقائيا بأن عدو وخصم و سيستهدفك بالقتل وهذا شيء طبيعي في الحرب، ونحن كتحالف القوى المدنية وسائلنا للعمل هي وسائل سياسية، وعندما نحمل الجيش المسؤولية لأنه هو من لجأ إلى الزج بالمواطنين في أتون الحرب في الوقت الذي كان يجب عليه حمايتهم والحفاظ على أرواحهم، فعندما نتحدث كتحالف عن الحقائق لا يجب أن يتم تصنيفنا على أننا منحازين أو واجهة لجهة عسكرية، لأن الدعم السريع هو مؤسسة عسكرية لديها قانون كجزء من الدولة.
ما هي مكونات تحالف القوى المدنية المتحدة "قمم"؟
تحالف القوى المدنية المتحدة "قمم" يتكون من أكثر من 100 من القوى السياسية المتنوعة ما بين الأحزاب السياسية والمكونات المدنية والتي هى أقدم بكثير حتى من تشكيل الدعم السريع، الذي تشكل في العام 2013 على ما أذكر وبه أحزاب سياسية، الواقع أن الوضع السياسي على الأرض بعد الحرب تغير كثيرا، غالبية القوى انقسمت والعديد من القيادات هاجرت خارج البلاد، وقد وقع الدعم السريع اتفاق مع القوى المدنية في يناير من العام الجاري بينما رفض الجيش ذلك، بالتالي الدعم السريع لا يتعرض للقوى السياسية بالاعتقالات، بل تم خلق بيئة صالحة للعمل السياسي والإنساني.
هل ما يعيشه السودان اليوم هو نتاج طبيعي لما حدث في 25 أكتوبر من العام 2021 من إزاحة المدنيين واستحواذ العسكريين على السلطة؟
بالتأكيد هناك تحول كبير في البيئة السياسية حدث بعد انقلاب 25 أكتوبر/تشرين أول من العام 2021 نظرا لابعاد المكون المدني عن السلطة، لأنه وحسب الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية، كان يجب على الجيش أن يسلم السلطة للمكون المدني الذي كان يفترض أن يترأس الفترة الانتقالية الثانية بحسب الوثيقة، لكن عندما اقترب موعد تسليم السلطة من العسكريين للمدنيين انقلب العسكر على الشرعية الدستورية ورفضوا تسليم رئاسة مجلس السيادة للمدنيين.
وتابع: عدم تسليم السلطة للمدنيين أدى إلى حدوث أزمة كبيرة وألغى البرهان الشراكة مع المدنيين والمواد القانونية المتعلقة بها في الوثيقة الدستورية، ترتب على ذلك وساطات كبرى من الأسرة الدولية لمنع تدهور الأوضاع حتى وصلنا إلى صيغة الاتفاق الإطاري الذي حدد بكل وضوح أطراف العملية السياسية التي سوف تحكم السودان فيما تبقى من الفترة الانتقالية، لكن تعطل بنود هذا الاتفاق أدى إلى اندلاع الحرب في أبريل/ نيسان 2023، حيث انحاز الدعم السريع إلى الدولة المدنية والاتفاق الإطاري، وقد كنت شاهد عيان على حصار الجيش للدعم السريع في المدينة الرياضية في الخرطوم، ورأيت كيف تفاجأ الدعم السريع بتلك الحرب.
كيف يمكن تصنيف الوضع الراهن في السودان..هل وصلنا إلى الحرب الأهلية؟
الحرب الآن انحرفت عن مسارها السياسي وتحولت إلى حرب عرقية وقبلية وجهوية ضد مجتمعات ولا علاقة لها حتى بالسياسة، حيث يتم استهداف مناطق مدنية وقبائل بعينها بالطيران والمدفعية والقنابل ويقتل ويُجرح المئات كل دقيقة وقد شهدت ذلك في قريتي، لذا فأنا أرى أننا الآن بالفعل في مرحلة الحرب الأهلية بسبب خطابات الكراهية التي يتم بثها من جانب السلطات الحالية والتي أدت في السابق إلى انفصال الجنوب، نحن ندعو المجتمع الدولي للتدخل بشكل جدي لوقف الحرب وألا يتم دعم أحد طرفي الصراع بحجة شرعيته.
أجرى الحوار/ أحمد عبد الوهاب.