يأتي اعتراف ماكرون الذي تزامن مع مناسبة الذكرى السبعين لاندلاع ثورة التحرير الجزائرية، في ظل توترات كبيرة مع الجزائر، إثر ملفات عدة تعود لتمسك الجزائر بضرورة الاعتذار الفرنسي عن الجرائم التي ارتكبت خلال فترة الاستعمار، والإفراج عن الأرشيف الجزائري، وملفات أخرى.
وأعلن قصر الإليزيه، في بيان سابق، أن رئيس الجمهورية "يعترف اليوم بأن العربي بن مهيدي، البطل الوطني للجزائر وأحد قادة (جبهة التحرير الوطني) الستة الذين أطلقوا ثورة الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) 1954؛ قتله عسكريون فرنسيون كانوا تحت قيادة الجنرال بول أوساريس"، وفقا للصحافة الفرنسية.
من ناحيته قال البرلماني الجزائري، علي ربيج، إن الاعتراف الفرنسي بمثابة مناورة من الرئيس ماكرون، لبعث رسائل للجزائر بأنه متعاون ويطمح لفتح صفحة جديدة في العلاقات الجزائرية- الفرنسية.
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن التعويل على مثل هذا الاعتراف الفرنسي، غير وارد، خاصة أن الموقف الفرنسي متأخر، ويسعى لاستغلال الفرص والمحطات التي تمر بها الجزائر.
ويرى أن الموقف الجزئي من ماكرون غير مؤثر على طبيعة العلاقات بين البلدين في ظل انتظار الشعب الجزائري لاعتراف كامل بشأن الجرائم الفرنسية والاعتذار الرسمي وتلبية مطالب الجزائر في هذا الإطار، وتسليم الوثائق وملفات التاريخ الجزائري.
ويرى أن رفض فرنسا التراجع عن قرار الاعتراف بالحكم الذاتي الذي قدمه للمغرب وملف القضية الصحراوية، يعد من الملفات المعقدة التي أضيفت للملفات العالقة في العلاقات الجزائرية- الفرنسية، ما يستبعد معه إعادة العلاقات بين البلدين لمستواها الطبيعي.
وتابع: "أتوقع أن تتراجع العلاقات بشكل أكبر، وأنه من غير المتوقع إجراء زيارات متبادلة، أو استثمارات متبادلة، ولا أتوقع أي تعاون وشراكة بين الجزائر وفرنسا في كثير من الملفات ما دامت باريس مصرة على الذهاب بعيدا في الوقوف إلى جانب المملكة المغربية في مشروع قرار الحكم الذاتي".
ويعتبر العربي بن مهيدي رمزاً وطنياً في الجزائر، بسبب مقاومته للاستعمار الفرنسي، وأيضاً بسبب ثباته أمام آلة التعذيب، كما يعتبر شخصية بالغة التقدير من قبل النخب الفرنسية، وحتى العسكرية منها.
وكان مسؤول المخابرات السابق في الجزائر إبان الاستعمار الفرنسي، الجنرال بول أوساريس، أقر في مطلع العقد الأول من الألفية بقتل بن مهيدي، نافياً الرواية الرسمية التي قدّمت مقتل القيادي في السجن عام 1957 على أنه انتحار، وهو ما يراه بعض الخبراء من الجانب الجزائري ليس كافيا لإعادة العلاقات بين البلدين.
منذ وصول الرئيس عبد المجيد تبون للحكم 2019، دخلت العلاقات مراحل متباينة، إثر تمسك الجزائر بعدد من الملفات المرتبطة بفترة الاستعمار.
ونفّذت فرنسا، (التي احتلت الجزائر في الفترة بين عامي 1830 و1962)، 17 تجربة نووية في الصحراء بين عامي 1960 و1966 في منطقتي "رقان" و"إن إيكر"، وهي ضمن أبرز الملفات الخلافية بين البلدين.
في 30 يوليو/تموز 2024، قررت الجزائر، سحب سفيرها من فرنسا وذلك على إثر اعتراف باريس بخصوص المقترح المغربي للحكم الذاتي في الصحراء.
وجاء في بيان لوزارة الخارجية الجزائرية: "قررت الحكومة الجزائرية سحب سفيرها لدى الجمهورية الفرنسية بأثر فوري عقب إقدام الحكومة الفرنسية على الاعتراف بالمخطط المغربي للحكم الذاتي كأساس وحيد لحل نزاع الصحراء الغربية".
وأعلن الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، في سبتمبر/أيلول الماضي، اتخاذ قرار عاجل، بشأن المغاربة الذين يدخلون إلى البلاد.
وقال إنه تم فرض الفيزا "تأشيرة دخول" على حامي الجواز المغربي، لأسباب أمنية وسياسية.