هل تقدم مصر على تعويم أم تحريك جديد لسعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية بعد المراجعة الأخير لصندوق النقد الدولي؟
بداية تقول حنان رمسيس، خبيرة سوق المال المصري، لا أعتقد أن يقوم البنك المركزي المصري بعملية تعويم جديدة للجنيه المصري، لأنها بالفعل تنتهج المرونة في تحديد سعر الصرف، وما يحدث أن صندوق النقد يطلب أن تكون هناك شفافية في عملية تداول سعر الصرف وبدون تدخل من المركزي المصري.
مرونة مُدارة
وأضافت في حديثها لـ"سبوتنيك": "صندوق النقد يرى أن المرونة التي تنتهجها مصر هى مرونة مُدارة تسمح للدولار بالارتفاع والانخفاض أمام الجنيه في حدود معينة لا يتجاوزها، وليس حسب قوى العرض والطلب في السوق.
وتابعت رمسيس: "أن ارتفاع سعر صرف الدولار خلال الأيام الأخيرة تدريجيا، جاء نتيجة الالتزامات التي على الحكومة المصرية سدادها خلال نوفمبر/ تشرين ثاني الجاري والتي تقدر بحوالي 21 مليار دولار، علاوة على خروج بعض من الأموال الساخنة خلال الفترة الماضية وحتى لا تكون الاستفادة مزدوجة لتلك الأموال والتي دخلت على سعر فائدة مرتفع وتخرج على سعر الدولار وهو منخفض، لذلك تم رفع سعر الدولار وجميعها مرونة مُدارة وليست مرونة كاملة.
وقالت رمسيس: "لا أعتقد أن البنك المركزي المصري يمكنه عمل تعويم مرة أخرى، لأن هذا الأمر سوف يؤدي إلى انفجار الموقف السياسي ولن يكون هناك قبول لهذا الإجراء، نظرا لأن هناك غليان شعبي نتيجة ارتفاع الأسعار وعدم القدرة على استمرار الحياة المعيشية".
وأشار خبيرة سوق المال، إلى أن "الصندوق يطلب من مصر أن تقوم بتسعير المحروقات وفقا للسعر العالمي، في ظل بقاء أجور العاملين بعيدا جدا عن مستوى الأجور العالمية، وكل ارتفاعات في التكلفة للسلع والخدمات يكون المواطن هو المتضرر الأكبر منها".
إجراء خطير
من جانبه يقول الخبير الاقتصادي المصري محمد نصر الحويطي: " بعد المراجعة الأخيرة من جانب صندوق النقد الدولي للموقف الاقتصادي المصري، لا أعتقد أن يشهد السوق تعويم جديد، لأننا بالفعل داخل التعويم".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "أن أكثر شىء يمكن حدوثه في الآونة الحالية أو القادمة هو تحريك لسعر صرف الدولار على المستوى الرسمي في البنوك نحو منطقة من (53- 55) جنيه، وهذا ليس تعويما ولكنه تحريك وفقا للوضع الراهن".
وأشار الحويطي، إلى أنه " حتى هذه اللحظة لا توجد مؤشرات يمكن الاستناد عليها على أن هناك تحريك لسعر الصرف، وليس من مصلحة صندوق النقد الدولي أن يتم التعويم باستمرار، لأن ذلك سوف يشكل خطرا وضررا كبيرا على الإصلاحات الاقتصادية المعمول بها حاليا".
الدعم السلعي
ولفت الخبير الاقتصادي، إلى أن "كل ما يحتاجه صندوق النقد الدولي هو إلغاء الدعم على السلع بنسبة مائة في المائة وتخفيض الإنفاق الحكومي على المشروعات حتى يستطيع تحقيق الإصلاحات التي اتفق عليها مع مصر، لكن في كل الأحوال لا أرى أن سيكون هناك تعويم جديد، بل تحريك لسعر الصرف في حدود ضيقة حتى بعد اتفاق صندوق النقد".
أعلن البنك المركزي المصري، اليوم الأربعاء، ارتفاع صافي الاحتياطيات الأجنبية حيث بلغت 46.94 مليار دولار بنهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2024، بعدما كانت 46.74 مليار دولار بنهاية سبتمبر/ أيلول الماضي بارتفاع قدره نحو 200 مليون دولار.
ونقلت صحيفة "المصري اليوم" عن البنك أن قيمة العملات الأجنبية المدرجة في الاحتياطي النقدي المصري سجلت 35.497 مليار دولار بنهاية أكتوبر 2024 مقابل 35.996 مليار دولار بنهاية سبتمبر، كما ارتفع رصيد حقوق السحب الخاصة عند نحو 293 مليون دولار في أكتوبر 2024 مقابل 20 مليون دولار بنهاية سبتمبر.
وفيما يتعلق بقيمة أرصدة الذهب المدرجة في احتياطي النقد الأجنبي، أوضح البنك أنها ارتفعت إلى 11.154 بنهاية أكتوبر الماضي مقابل 10.723 مليار دولار بنهاية سبتمبر 2024.
يشار إلى أن الاحتياطى الأجنبي لمصر يتكون من سلة من العملات الدولية الرئيسية، تشمل الدولار الأمريكي واليورو، والجنيه الإسترلينى والين اليابانى واليوان الصيني، وهى نسبة تتوزع حيازات مصر منها على أساس أسعار الصرف لتلك العملات ومدى استقرارها في الأسواق الدولية، وتتغير حسب خطة موضوعة من قبل مسؤولي البنك المركزي المصري.
وفي وقت سابق، قالت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، يوم الأحد الماضي، إن "مصر أظهرت قوة غير مسبوقة خلال هذا الوقت غير المسبوق في المنطقة".
أضافت خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، في القاهرة: "أدركنا التزام وقوة الإجراءات التي اتخذتها مصر من أجل تعزيز صلابة اقتصادها، ونقدر الجهود المبذولة من مصر خلال المرحلة الأخيرة"، وتابعت مؤكدة أنها "على ثقة بأن الشعب المصري سيرى فوائد الإصلاح الاقتصادي".
وأوضحت أن "الظروف الاقتصادية في مصر ازدادت صعوبة، ليس بسبب خطأ ارتكبته الحكومة المصرية، وإنما بفعل الظروف في المنطقة"، مؤكدة أن "التضخم في مصر يتخذ منحنى تراجعيا بسبب إجراءات الحكومة".
وواصلت أن "مصر أصبحت أكثر أمانا في عالم تسوده الصدمات الاقتصادية، ونثني على جهود الحكومة والشعب، ونشيد بالتقدم الذي تحرزه مؤشرات الاقتصاد الكلي رغم التحديات".
وكان البنك الدولي قد وافق على تقديم تمويل بقيمة 700 مليون دولار أمريكي لمصر، في 24 حزيران/يونيو الماضي، ضمن برنامج تمويل سياسات التنمية لدعم الموازنة وتعزيز استقرار الاقتصاد الكلي.
واتخذ الدين الخارجي لمصر منحى تصاعديًا منذ العام 2013، ليبلغ أعلى مستوياته في مطلع عام 2022، قبل أن يتراجع في الربعين الثاني والثالث من العام ذاته.
ويعاني الاقتصاد المصري من أزمة تمويل ممتدة، حيث يبلغ العجز في تمويل الموازنة العامة نحو 15 مليار دولار، على مدار السنوات الخمس المقبلة، كما يشكل عجز الميزان التجاري مع الخارج أزمة ضاغطة على العملة المحلية، والتي فقدت نحو نصف قيمتها في الفترة من آذار/مارس 2022 وحتى كانون الثاني/يناير 2023، وهو ما أدى لموجات تضخمية متتالية بلغت ذروتها، في كانون الأول/ديسمبر الماضي، لتصل إلى 24.9 بالمئة، وفقًا لبيانات البنك المركزي، ما أدى بدوره إلى رفع سعر الفائدة، وهو ما يفاقم أزمة الدين العام مجددًا.