باحث سياسي: خطاب بوتين حمل تحولا استراتيجيا ورسائل لترامب وأوروبا

رأى الدكتور زياد منصور، الباحث السياسي وأستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية، أنّ "خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأخير يعكس تحولًا استراتيجيًا في مقاربة روسيا للقضايا الدولية، ويعبر عن تحذيرات خطيرة بشأن المستقبل القريب للعلاقات الدولية، في وقت تتسارع فيه الأزمات العالمية".
Sputnik
وأكد منصور في حديث عبر إذاعة "سبوتنيك"، أنّ "خطاب بوتين كشف عن شعور عميق في القيادة الروسية بأن العالم مقبل على "حفلة جنون" في السنوات العشرين المقبلة".
وشرح منصور أنّ "الرئيس الروسي حاول من خلال خطابه إيصال رسالة مفادها أنه إذا لم تُتخذ إجراءات وتدابير محددة، فإن العالم سيكون أمام خطر فقدان السيطرة على الوضع الدولي، وهو ما يمثل دعوة صادقة لترميم ما يمكن ترميمه وتجنب الانزلاق نحو حرب كبرى".
كما لفت منصور إلى أنّ "بوتين ركز في كلمته على قضايا استراتيجية وجيوبوليتيكية هامة، حيث تحدث عن ضرورة منع ضرب سلاسل التوريد، التي تعد من أهم ركائز الاقتصاد العالمي"، مشيرًا أيضًا إلى "قضية العقوبات"، مؤكدًا أنّ "العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة ودول غربية على روسيا "لن تفلح" في تحقيق أهدافها، واصفًا إياها بأنها لم تحقق تأثيرًا حاسمًا في تغيير الوضع، وبالتالي، كانت دعوة بوتين واضحة للإدارة الأميركية الجديدة لتغيير مواقفها، والتوصل إلى حلول أكثر جدية لحل الأزمة الروسية-الأوكرانية بعيدًا عن الخطاب الانتخابي الذي أُستخدم سابقًا".
وقال منصور إنّ "بوتين كان يلمح إلى أنه في سياق الانتخابات، كانت التصريحات السياسية تتسم بالمواقف الانتخابية التي تختلف جذريًا عن السياسات الفعلية".
وفي سياق متصل، ذكر منصور أنّ "بوتين وجّه رسائل مباشرة إلى أوروبا، محذرًا من أن التحولات الكبرى التي يشهدها العالم لن تستثني الغرب من حالة عدم الاستقرار". كما شدد على ضرورة أن "نتطلع إلى عالم جديد يعترف بالتعددية"، موضحًا أنّه "إذا لم يتحقق هذا التغيير في النظرة العالمية، فإن الوضع سيكون قابلاً للانفجار، وتطرق بوتين إلى معارضة الولايات المتحدة للعديد من السياسات الأوروبية، حيث أشار إلى أن هناك تناقضًا في كيفية تعامل واشنطن مع حلفائها في حلف الناتو"، مؤكدًا أنّ "الحلف لا يتماشى مع الميثاق الذي نشأ عليه".
العملية العسكرية الروسية الخاصة
بوتين من منتدى "فالداي": قوات كييف تتكبد خسائر فادحة في كورسك
وأعاد منصور تأكيد أنّ "بوتين شدد على أهمية تغيير التوجهات العالمية"، مشيرًا إلى أن "العالم ليس ملعبًا يمكن للاعبين فيه أن يلعبوا بشكل منفرد، وبالتالي يجب أنّ يتعود الجميع على أن هناك شركاء جددًا وأنماطًا جديدة من العلاقات الدولية، وقال بوتين في هذا السياق إن روسيا لا ترغب في فرض نموذجها السياسي على الآخرين، ولكنها في الوقت ذاته ترفض أن يفرض عليها أي نموذج آخر، كما دعا إلى ضرورة إيجاد توازن في النظام الدولي الجديد، بعيدًا عن الهيمنة الأميركية أو الإملاءات الغربية".
وحول مسألة العقوبات، أوضح منصور أنّ "بوتين أشار بشكل واضح إلى أن التحولات في مواقف الغرب تجاه روسيا قد تكون صعبة، خاصة أن العقوبات الأبرز ضد روسيا تم فرضها في عهد الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، مما يجعل هناك إشارة مباشرة إلى الإدارة الأميركية الحالية بأنها بحاجة إلى تبني نهج مختلف". كما أضاف أنّ "بوتين حذر من أن بعض النخب الغربية لا تدرك طبيعة التفاهمات الدولية الحقيقية، وأن الغرب يعمل على منع تطور نظام دولي جديد يلبي مصالح جميع الدول".
وأشار منصور إلى أنّ "بوتين قد غمز من قناة بعض الدول الأوروبية التي أظهرت رغبتها في الانضمام إلى مجموعة "بريكس"، وهو ما يمثل تلميحًا خطيرًا قد يعكس تحولات جوهرية في التحالفات الدولية". واعتبر منصور أنّ "هذه التصريحات تعد بمثابة تحذير مبكر للاتحاد الأوروبي، خاصة ألمانيا وفرنسا، بأنهما قد يكونان أمام "شتاء عاصف" إذا لم يدركا التحولات الجيوسياسية التي تشهدها الساحة الدولية".
وفيما يتعلق بالتوجهات العسكرية، شدد بوتين على أنّ "روسيا لا ترغب في التصعيد النووي، رغم تغيير عقيدتها العسكرية النووية، إلا أنه أكد في الوقت نفسه أن هناك خطرًا من أن التوجهات العسكرية الغربية قد تواصل تجاهل الدعوات السلمية لحل الأزمات". وبيّن منصور أنّ "بوتين أشار إلى أنه إذا استمر الغرب في نهج الصراع، فإن العالم قد يشهد تطورات دراماتيكية قد تشمل دولًا عدة في شتى أنحاء العالم".
وختامًا، أشار منصور إلى أنّ "ما قد يؤدي إلى تغيير مواقف الغرب هو الانتصارات التي يحققها الجيش الروسي في الميدان، خصوصًا في الشهر الأخير، مما قد يدفع النخب الغربية إلى إعادة النظر في استراتيجياتها". وتابع أنّ "الرئيس الروسي أكد أن العالم يجب أن يكون متعدد الأقطاب، وأن السياسة الدولية يجب أن تقوم على مبادئ السلم والاحترام المتبادل، وأن روسيا تسعى إلى حماية مصالحها ولكن دون فرض نموذجها السياسي على الآخرين".
مناقشة