التسريبات الإسرائيلية التي لا تتناسق مع استمرار القصف والعدوان في جنوب لبنان، تدفع البعض للتساؤل حول طبيعة المفاوضات القائمة، وإمكانية التوصل لوقف إطلاق نار بين الجانبين.
ويرى مراقبون أن المفاوضات قائمة، وهناك نية لوقف إطلاق النار في لبنان، لكن لا تزال المباحثات قيد البحث، وهناك الكثير من العراقيل التي تقف حائلا دون تقدمها بالشكل الجدي المطلوب.
وقالت وسائل إعلام إسرائيلية، إن جهودا إسرائيلية تبذل من أجل التوصل لوقف إطلاق النار، فيما قال نائب رئيس مجلس النواب اللبناني، إلياس بو صعب، إن كل الأطراف مقتنعة بضرورة وقف إطلاق نار خلال فترة قد تكون أسابيع قليلة.
صعوبات وعراقيل
اعتبر سركيس أبو زيد، المحلل السياسي اللبناني، أن أمريكا تمر بمرحلة انتقالية بين رئاسة بايدن ورئاسة ترامب، وهي مرحلة حساسة وخطيرة، ويمكن أن تشهد مفاجآت ويمكن أن يستغل البعض هذه الحالة الضبابية للقيام بأحداث غير مسبوقة، لذلك يكثر الحديث الآن عن حل الأزمة في لبنان والتوصل لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، الاتفاق يطبخ بهدوء خارج الأضواء، لكنه متعثر في ظل وجود الكثير من التناقضات التي لا يمكن تجاوزها بسهولة، لذلك هذه الصراعات إذا لم يسبقها مؤتمر دولي وتفاهمات دولية تسهل وتمهد لتفاهم داخلي، أو التوصل لاتفاق مضمون من الدول، حيث لا تزال الأمور مجرد طروحات ضبابية لا تحمل حتى الآن خطوات عملية.
وقال إن هناك مبادرات وتصريحات في هذا المجال، لكن التناقضات داخل أمريكا لا تزال كبيرة، وما بين المطالب الإسرائيلية واللبنانية، وعلينا انتظار التطورات القادمة بحذر للوصول للحل المنشود، فيما تظل هذه المبادرات حتى الآن كلامية، وتسريبات في وسائل الإعلام، لكن لا يوجد طرح جدي، وأقصى ما يمكن التوصل إليه هدنة مؤقتة تفتح الباب للمفاوضات الجدية للتوصل لوقف إطلاق النار.
وتابع: "سربت إسرائيل اتفاقية تعكس وجهة نظرها حتى تظهر أمام الرأي العام أنها مبادرة بالسلام، مع العلم بأنها دمرت هذه المسودة مجموعة بنود، لم يوافق عليها لبنان بعد، وهي محور بحث وخلاف، خاصة لجهة إعطاء صلاحيات لإسرائيل للقيام بضربات داخل الأراضي اللبنانية رغم الاتفاق، وهذا مرفوض لبنانيًا، بالإضافة لخلافات حول الإشراف على الاتفاق ومن ينفذه والدور الأمريكي في هذا المجال".
ومضى قائلًا: "الهدف من هذا التسريب إظهار إسرائيل بأنها داعية للسلام، وأن ترامب سيكون بطل السلام، حيث سيبدأ عهده باتفاقية ووقف الحرب، لكن هناك تسريبات من جهة أخرى حول تفاهمات بين إسرائيل وأمريكا حول المساعدات والدعم الأمريكي لإسرائيل، بالإضافة لمساعدات أمريكية دولية للجيش اللبناني حتى يعزز دوره ووجوده، لكن هذا الاتفاق لا يزال مدار بحث".
ويعتقد أبو زيد أن المواضيع لا تزال في جو التداول والمناور، ولم يحصل حتى الآن اتفاق نهائي، لكن هناك محاولة أمريكية قبل التفاوض لإظهار قدرة ترامب على وقف الحروب وبداية السلام، لكن هناك صعوبات لإيجاد اتفاق متوازن بين لبنان وإسرائيل.
تسوية قريبة
من جانبه قال الناشط المدني اللبناني، أسامة وهبي، أن المفاوضات حول الاتفاق على وقف إطلاق النار انطلقت بعد انتهاء الانتخابات الأمريكية، وهناك نية من أجل أن يقطف الرئيس بايدن شيء من هذا الاتفاق، وأن يكون لترامب مساهمة، حتى لا يفقد اللوبي الصهيوني في أمريكا أي من الطرفين الجمهوري والديمقراطي.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، استطاعت إسرائيل تحقيق الكثير من الأهداف العسكرية على الجبهة الشمالية مع لبنان، حيث تمكنت من صنع منطقة عازلة على الحدود مدمرة كليا، وقتل القيادات الأولى لحزب الله، ودمرت الكثير من المؤسسات والصواريخ التي كان يملكها.
وتابع: "الإسرائيلي يعتبر نفسه حقق إنجازات في هذه الحرب، لكنه عجز أن يدخل للعمق اللبناني وأن يحتل جنوب نهر الليطاني، لأن هذه المهمة صعبة جدا ومن المستحيل تحقيقها، في ظل إعداد حزب الله للعدة بشكل جيد، وكان ينتظر القوات الإسرائيلية أن تدخل ليصنع معها ما صنعه في 2006".
وقال إن الجيش الإسرائيلي قرر عدم الدخول للعمق اللبناني، وأن يدمر ويزيل القرى الحدودية وأن يفرض منطقة عازلة بالنار والحديد، وهذه المناطق باتت مدمرة ولن يسمح بإعادة إعمارها إلا وفقا لشروط معينة بدأت تظهر إلى العلن، وهي عدم تسليح حزب الله ومنع إدخال السلاح من سوريا، مع ضمانات من روسيا وأمريكا والعديد من الدول بعدم السماح بتسليح حزب الله.
ويرى وهبي أن إسرائيل إن لم تذهب لترجمة الإنجازات العسكرية التي تعتقد أنها حققتها باتفاق سياسي، الوقت لا يصب في صالحها، في ظل قرب انفجار الجبهة الداخلية الإسرائيلية بسبب نمط الحياة، الدخول للملاجئ والعيش في خوف ورعب.
ومضى قائلًا: "حان الوقت لاتفاقية وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، ولبنان الرسمي موافق على وقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701 بانتظار الشروط التي سوف تطلبها إسرائيل، وهل سيوافق عليها حزب الله أم لا، لكننا بدأنا باتجاه عقد تسوية، على أن تكون هذه الحرب الأخيرة بين لبنان وإسرائيل".
وبداية أكتوبر/ تشرين الأول الفائت، أعلن الجيش الإسرائيلي بدء تنفيذ عملية برية "محدودة " في جنوب لبنان، ضد أهداف وبنى تحتية لـ"حزب الله"، في عدد من القرى القريبة من الحدود، بحسب قوله.