ما هي الرسائل التي حملها المبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان في زيارته الأولى وعلاقة تلك الزيارة بالفشل البريطاني في مجلس الأمن وعدم قدرتها على تمرير قرار لوقف الحرب في السودان نتيجة استخدام روسيا لحق النقض الفيتو؟
بداية يقول الدكتور محمد مصطفى، مدير المركز العربي الأفريقي لثقافة السلام والديمقراطية بالسودان، إن "أمريكا تحتاج إلى إعادة النظر في إستراتيجية علاقاتها الخارجية، خاصة ما يلي إستراتيجية الفوضى الخلاقة، لأنها بدلا عن خدمة مصالحها في الشرق الأوسط ستنشئ حلفا عسكريا واقتصاديا وشعوبيا متوازنا وقويا ضدها".
أزمات الشعوب
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "أمريكا تتعامل بغموص وعدم جدية مع الدول وأزماتها في الشرق الأوسط، ولذا تظهر لدى شعوب الدول المأزومة بأنها تستخدم أزمات الشعوب الأمنية والإقتصادية لتحقيق مصالحها، فهي تستثمر في أزماتها بغض النظر عن الخسائر البشرية والمادية التي تتكبدها تلك الشعوب".
وتابع مصطفى: "المبعوث الأمريكي قد يكون أحد أقطاب الإستخبارات العسكرية الأمريكية، والجيوش الأمريكية تواجه أقوى الأسلحة وأحدثها لتُنفذ إستراتيجية العلاقات الخارجية الأمريكية، وهو يشترط لقاء البرهان في مطار بورتسودان لسيولة الحالة الأمنية بالبلاد رغم علمه الواسع بقدرة بلاده على فرض الأمن في بورتسودان إلى أن يغادر وفدها إذا كان هنالك ما يدعو لذلك".
وأشار رئيس المركز العربي الأفريقي إلى أن "الشعب السوداني كان ينتظر زيارة الوفد على جمر الصبر لإحداث اختراق في ملف وقف الحرب وإيصال المساعدات الإنسانية، لكن الوفد كان لديه حسابات أخرى تتعلق بسير العمليات بالفاشر والإقليم الشرقي وفي السودان ككل، لكن فشلت حساباته".
وأكد مصطفى، "أن زيارة المبعوث الأمريكي( توم بورييلو) وتقديم خارطة الطريق وقبول البرهان بما جاء في الخارطة، كان يمكن أن يحدث قبل شهور، وكنا اليوم في مرحلة متقدمة في ملف وقف الحرب وإنهائها، لكن حسابات المصالح هي التي جعلت أمريكا تحرك الملف بهذا البطء".
الوقت الضائع
وأوضح رئيس المركز العربي الأفريقي، "أنه لا توجد علاقة بين زيارة المبعوث الأمريكي (توم بورييلو) وفشل بريطانيا في استصدار القرار، لأن حضور الڤيتو الروسي في التوقيت المناسب كان يعلمه راعي الضأن في كردفان".
ولفت مصطفى إلى أن "المبعوث الأمريكي أظهر جديته في الوقت الضائع لفشل توقعاته في ميدان المعركة، و لتحسين صورة الحزب الديمقراطي الحاكم أمام داعمي المؤسسات الشرعية السودانية، وأيضا لوضع لبنة الحل ليكون جهده محسوبا ضمن أي جهد تبذله إدارة الحزب الجمهوري بقيادة ترامب في ملف سلام السودان".
دور خجول
من جانبه يقول وليد علي، المحلل السياسي السوداني: "لا أعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا لهما نفس الموقف من الحرب بالسودان، ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية قررت التعامل مع ملف السودان بعيدا عن رؤية بريطانيا التي تدير الملف السوداني منذ العام 1997، بعد أن تخلت عنه الولايات المتحدة الأمريكية و أصدرت عقوبات على حكومة السودان، وبذلك سلمت الملف السوداني داخل المؤسسات الدولية صانعة القرار إلى بريطانيا والتي تشاركها النرويج إدارة ملف السودان منذ ذلك الوقت، وكل الأحداث التي مرت بالسودان منذ ذلك التاريخ سوف نجد من ورائها هاتين الدولتين".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "الولايات المتحدة الأمريكية اتجهت نحو الملف السوداني بصورة مباشرة في أواخر عهد أوباما وفي خلال عهد ترامب، ولكنها كانت أيضا تعتمد على مشورة بريطانيا والنرويج وكان الدورالأمريكي في فترة سقوط البشير ومن بعده حكومة حمدوك خجولا ولا يتناسب مع حجم الدولة العظمى، ويبدو أنهم كانوا يستعدون للتعمق في الملف السوداني بالتدريج، وحين اندلعت الحرب المتوقعة من الجميع، لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية جاهزة تماما لإدارة الأزمة و ظلت تتعامل معها بالتنسيق مع مجموعة الترويكا وهذا ما لمسناه من موقفها الخجول في إدارة منبر جدة".
وتابع علي: " يبدو أن تسارع الأحداث وما شهده السودان من بروز دور روسيا، جعل الولايات المتحدة تشعر بأنها قد تفقد النفوذ المأمول لها لصالح روسيا إذا ما استمرت في التعامل الضعيف مع ملف السودان، وبالفعل بدأ المبعوث الأمريكي يتحرر من الأجندة المتفق عليها مع الترويكا والتعامل بصورة مستقلة مع الأزمة السودانية، وقرر التوجه إلى لقاء البرهان الذي تأخر كثيرا جدا، رغم أنه تولى الملف بصورة مباشرة من الرئيس بايدن قبل أكثر من عام، لكنه أضاع الكثير من الوقت، وهو يدور حول البرهان متحاشيا لقائه، مما أفقده كل الإمتيازات التي كان يمكن استخدامها كممثل لرئيس الدولة الأقوى في السياسة العالمية".
تمدد النفوذ
وأشار المحلل السياسي إلى " المبعوث الأمريكي (توم بورييلو) بزيارته لبورتسودان يكون قد اتخذ الخطوة الأولى التي تهرب منها كثيرا نزولا لمشورة مجموعة الترويكا، التي يبدو أن أجندتها لا تتوافق مع تواجد حكومة يقودها الجيش السوداني بحكم الأمر الواقع، ولا تزال تأمل في أن ينساق البرهان لتوجيهاتها في طرق حل الأزمة".
وأردف: "الولايات المتحدة الآن أصبحت لها رؤية مبنية على مصالحها في وقف تمدد النفوذ الروسي على أحد أطول سواحل البحر الأحمر، حيث يتمتع السودان بحوالي 800 كيلو متر على سواحل البحر الأحمر، و له عدة موانئ طبيعة قادرة على استقبال سفن ضخمة دون أي تدخل بشري مكلف، و هذا ما يجعل سواحل السودان على البحر الأحمر في غاية النفع والخطورة أيضا، حسب ما يريده هو أو تريده الدولة التي قد تحصل على امتياز التصرف في هذه السواحل".
ويقول علي: "تأتي الزيارة الأولى التي يقوم بها المبعوث الأمريكي في إطار هذا التنافس بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، والذي يبدو أن روسيا تقدمت فيه لمسافات قد تعجز الولايات المتحدة الأمريكية عن قطعها لتتساوى معها في المكانة والنفوذ داخل مكتب البرهان، فقد انتظر البرهان خطوة الأمريكان نحوه كثيرا وماطل في الحوار مع الروس، أملا في أن تقبل عليه أمريكا لتحاوره، و يبدو أنه أصبح مقتنعا الآن بأن الجهة الوحيدة التي يمكن أن تقف إلى جانبه هي روسيا".
مخططات الغرب وأمريكا
وأوضح المحلل السياسي، أن روسيا باستخدامها "الفيتو" لنقض مشروع القرار البريطاني، قد أرسلت عدة رسائل للاتحاد الأوروبي والترويكا والولايات المتحدة الأمريكية والإمارات والسعودية وإلى البرهان نفسه، بأنها لن تجلس في مقاعد المتفرجين على مخططات الغرب وأمريكا في شرق أفريقيا والبحر الأحمر، وأنها فاعلة أكثر منهم، وأخبرت واشنطن بأن الحفاظ على المصالح يتطلب الأفعال وليس الأقوال الرقيقة الرومانسية التي لا يتوقف المسؤولين الأمريكيين عن إطلاقها حول الأزمة السودانية، مشيرا إلى أن "فيتو روسيا بعث برسالة للبرهان، أنه لن يجرؤ أحد مهما تحالفت معه أن يفعل ما تستطيع روسيا فعله لأجلك، إذا ما التزمت بعهودك وتحالفك معها الذي تتهرب منه".
وأكد علي "أن الفيتو الروسي لم يكن ضد مشروع القرار البريطاني هذا فحسب، بل هو فيتو ضد مشروع القرار التالي الذي يمهد له هذا القرار، حيث أن بريطانيا تعلم أن الجيش السوداني و الدعم السريع لن يستطيعوا تنفيذ مطلوبات القرار المقترح، وبالتالي سوف يكون الطريق ممهدا إلى مشروع القرار التالي وهو قرار مجلس الأمن بالتدخل لتنفيذ القرار السابق الذي عجزت أطراف الصراع عن الإيفاء به، مما يحتم أخلاقيا إلتزام مجلس الأمن بإيجاد طريقة فعالة لتنفيذه حفاظا على المدنيين وحفاظا على السلم والأمن الدوليين".
ولفت علي إلى أن "روسيا تقول للعالم هنا أنها (تلعب بولوتيكا) أو تجيد رقص التانجو ببراعة مدهشة في أروقة الأمم المتحدة وقاعات مجلس الأمن".
والتقى القائد العام للقوات المسلحة السودانية عبدالفتاح البرهان أمس الاثنين المبعوث الأمريكي الخاص للسودان توم برييلو.
وأفاد السفير عمر عيسى وكيل وزارة الخارجية بالإنابة، بأن اللقاء شمل الحديث عن خارطة الطريق وكيفية إيقاف الحرب، وإيصال المساعدات الإنسانية ورتق النسيج الاجتماعي، وأكد اللقاء أن العملية السياسية تعد مخرجاً نهائيًا لما بعد الحرب "بحسب صحيفة التغيير السودانية".
كما التقى المبعوث الأمريكي الخاص بنائب رئيس مجلس السيادة، مالك عقار، حيث ناقشا عدداً من القضايا بما فيها كيفية إيقاف الحرب في السودان، وتوصيل المساعدات الإنسانية لمستحقيها، كما ناقش الجانبان الدول الإقليمية التي تدعم قوات الدعم السريع بالسلاح والعتاد الحربي.
من جانبه، أعرب المبعوث الأمريكي الخاص للسودان عن سروره بزيارة السودان ولقائه مع عدد من المسؤولين والزعماء بالدولة، لافتا إلى أنه يحمل رسالة واضحة من الولايات المتحدة الأمريكية بأنها "تقف بجانب الشعب السوداني كما كان يحدث دائماً خلال العقود الماضية".
فشل مجلس الأمن الدولي في اعتماد قرار بشأن السودان بعد استخدام روسيا الفيتو (حق النقض)، يطالب القرار القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع باحترام التزاماتها في إعلان جدة بشأن حماية المدنيين وتنفيذها بشكل كامل، بما في ذلك اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتجنب وتقليل الأضرار التي تلحق بالمدنيين، بحسب الموقع الرسمي للأمم المتحدة.
وقال دميتري بوليانسكي نائب السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، "إن بلاده تتفق مع جميع أعضاء المجلس على الحاجة لحل عاجل للصراع في السودان وإن الحل الوحيد لذلك هو اتفاق الجانبين المتحاربين على وقف إطلاق النار".
وأضاف بوليانسكي: "نؤمن بأن دور مجلس الأمن يتمثل في مساعدة (الطرفين) على تحقيق ذلك، ولكن يجب أن يتم ذلك بشكل متسق ومنفتح، وألا يُفرض على السودانيين- عبر قرار من مجلس الأمن- رأي أعضائه المنفردين مطعما بنزعة ما بعد الاستعمار حول كيف يجب أن يكون شكل الدولة المستقبلية".
وقال إن المشكلة الرئيسية في "مشروع القرار البريطاني" تتمثل في "الفهم الخاطئ" لمن يتحمل المسؤولية عن حماية المدنيين في السودان وأمن الحدود والسيطرة عليها، ومن يجب أن يتخذ قرار دعوة قوات أجنبية إلى البلاد، ومع من يجب أن يتعاون مسؤولو الأمم المتحدة لمعالجة المشكلات القائمة.
وأضاف: "ليس لدينا شك في أن حكومة السودان فقط هي التي يجب أن تقوم بهذا الدور، ولكن واضعو مشروع القرار البريطانيون يحاولون بوضوح سلب هذا الحق من السودان خلال كل مراحل العمل على مسودة مشروع القرار، بذلوا كثيرا من الجهد ليزيلوا من المسودة أي ذكر للسلطة الشرعية للسودان في أي من النقاط الرئيسية".
واندلعت الحرب في السودان، في 15 أبريل/ نيسان 2023، بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في مناطق متفرقة من السودان، تتركز معظمها في العاصمة الخرطوم، مخلفةً المئات من القتلى والجرحى بين المدنيين.
وظهرت الخلافات بين رئيس مجلس السيادة السوداني- قائد القوات المسلحة السودانية، عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، للعلن بعد توقيع "الاتفاق الإطاري" المؤسس للفترة الانتقاليةبين المكون العسكري والمكون المدني، في شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، الذي أقر بخروج الجيش من السياسة وتسليم السلطة للمدنيين.