ولم يكن يبحث عن ممتلكات شخصية، بل عن أرشيفه الصحفي الذي خبّأه ظنًا أنه سيكون في مأمن، قبل أن تطوله غارة إسرائيلية، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2024، خلال العدوان المستمر على جنوب لبنان.
وكان الأرشيف كنزًا يحوي صورًا بالأبيض والأسود، وقصاصات صحف صفراء من سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، إلى جانب يوميات حروبٍ دارت على أرض الجنوب منذ عام 1993، وهذا الإرث الصحفي، الذي يشهد على تاريخٍ مليء بالأحداث، هو جزءٌ لا يتجزأ من هوية زيات، الذي لا يزال بعد كل هذا الدمار متمسكًا بالكاميرا، كما يتمسك الإنسان بروحه.
رحلتي في عالم الصحافة والتوثيق
لم يكن الطريق إلى عالم الصحافة والتصوير مفروشًا بالورود، بل كان نتيجة حدثٍ غيّر مجرى حياة محمود الزيات بالكامل، وقال:
عاصر الزيّات مراحل وأحداث عدة خلال فترة عمله وقال: "عند الحديث عن أبرز المراحل والأحداث التي وثقتها منذ عام 1989، لا يمكن لمصور صحفي يعمل في جنوب لبنان إلا أن يكون شاهداً على الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على مدى العقود الماضية. غير أن أبرز حدث شهدته في مسيرتي المهنية كان تحرير جنوب لبنان في أيار/مايو عام 2000".
وتابع: "أما عن العمل في مناطق الحروب والمناطق الساخنة، فقد عاصرت خلال مسيرتي المهنية أربع حروب كبرى، كانت أضخمها حرب تموز/يوليو 2006، والحرب الأخيرة 2023-2024 منحتنا تجربة استثنائية لا تشبه أي تجربة سابقة في العمل الصحفي، وذلك بسبب حجم الدمار والمأساة والمعاناة، إضافة إلى الاستهداف المباشر للمدنيين. شهدنا خلالها مشاهد لم نألفها حتى في الحروب السابقة".
الأرشيف المصور تحت الركام
كان الأرشيف الصحفي بالنسبة إلى محمود الزيات أكثر من مجرد صور، فهو شهادة توثيق وأصلٌ قانوني للمصور، خاصة في زمن التصوير الفوتوغرافي التقليدي الذي سبق العصر الرقمي. وقال زيات:
وأضاف: "حاليًا، ما زلت أبحث عنه بين الأنقاض على مراحل، وقد تمكنت حتى الآن من إنقاذ جزء منه، وهو بمثابة معجزة، إذ لم يتعرض للتلف التام".
وحول سؤاله عن ردة فعله عندما رأى المنزل المدمر لأول مرة، قال:
وأضاف: "رغم الدمار، تمكنت من انتشال عدد كبير من أشرطة النيجاتيف، ولا يزال هناك جزء آخر مدفون تحت الأنقاض، كما عثرت على قصاصات صحف قديمة تعود إلى السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، بالإضافة إلى مقالات كتبتها خلال التسعينيات، وأوراق ودفاتر توثق يوميات الحرب في أعوام 1993، 1996، و2006، مكتوبة بخط يدي".
الحفاظ على الأرشيف الصحفي
"الأرشيف ليس مجرد مجموعة صور أو مستندات، بل هو ذاكرة تاريخية يجب الحفاظ عليها" بهذه الكلمات لخص الزيات أهمية الأرشيف وقال:
على الرغم من كل ما حدث لا يزال الزيات يعبر عن شغفه وتمسكه بالكاميرا، وقال: "بعد فقدان جزء كبير من أرشيفي، لا أزال متمسكًا بالتصوير الصحفي، لأنه جزء لا يتجزأ من هويتي وكياني. لا أستطيع أن أتخيل حياتي بدونه. فالعالم بلا صورة كان دائمًا سؤالًا محيرًا للبشرية".
وختم قائلا: "أما عن الجيل الجديد من الصحفيين والمصورين، فإننا بحاجة إلى نشر الوعي والثقافة الحقيقية بينهم. الحرب الأخيرة كشفت لنا مشاهد مؤلمة، وبعضها لم يكن يخدم الإعلام بل كان مجرد استعراض للفظائع. الإعلام، في جوهره، هو نقل الحقيقة، ويجب على المصور والصحفي أن يكون متواضعًا أمام المأساة التي يوثقها، ليس عيبًا أن نتأثر أمام المعاناة، وليس عيبًا أن نشعر بالخوف على الضحايا بل العكس، علينا أن نترجم هذه المشاعر إلى عمل صحفي صادق، سواء بالصورة، أو الكتابة، أو أي وسيلة أخرى".