يلقب سيرغي يسينين بشاعر القرية عن جدارة، فقد شكلت نشأته في كونستانتينوفو، عموده الفقري الشعري وهويته الفنية. لم تكن القرية مجرد مكان ولد فيه، بل كانت العالم الذي استقى منه كل صوره الشعرية الأولى، والعدسة التي نظر من خلالها إلى الحياة والجمال. فنشأته في أحضان طبيعة قاسية وغنية جعلته يرى القدسية في التفاصيل البسيطة. كانت أشجار البتولا، الحقول الشاسعة، القمر، والأنهار تمتلك حضورا روحانيا.
تعتبر قصيدة يسينين المطوّلة "الرجل الأسود"، إحدى ملاحم الشعر الروسي المميزة في عشرينات القرن الفائت، وحازت على الشهرة والتقدير الفني العالي، وذلك بسبب تضافرعدة عوامل معا، وتكامل فيما بينها، حيث يصور يسينين في القصيدة "رجلا أسود" يجلس على فراشه ليلا، ليس مجرد شبح خارجي، بل تجسيدا لذات الشاعر المظلمة، أو ما يُشبه الضمير المدمر. هذا الرجل يذكّر يسينين بكل أخطائه وضعفه وإخفاقاته، وكأنه يحاكمه بصوت لا يرحم. ويُوجه الشبح اتهامات قاسية للشاعر، يعرض حياته كمحتال ومخادع استهتر بموهبته وأضاعها في السكر والفوضى. هذه الاتهامات تعكس ندم يسينين الحاد على ماضيه، وشعوره بأنه خان فنه ونقاء شاعر القرية الذي كانه".