وتناولت اللقاءات سبل تطوير التعاون العسكري والأمني بين البلدين، وتبادل وجهات النظر حول مستجدات الأوضاع الإقليمية في شرق المتوسط وشمال أفريقيا، كما ناقش الجانبان آفاق التنسيق في مجالات التدريب وتبادل الخبرات، بما يعزز قدرات القوات المسلحة ويسهم في تحقيق الأمن والاستقرار المشترك.
وتعليقا على هذا، قال المحلل السياسي الليبي، حسام الدين العبدلي، إن "زيارة رئيس الأركان العامة للجيش الليبي الفريق أول ركن، خالد حفتر، إلى العاصمة اليونانية أثينا، تعد زيارة ذات طابع عسكري بحت، إلا أن خلفياتها ترتبط ارتباطا وثيقا بملف ترسيم الحدود البحرية بين ليبيا واليونان".
وأوضح في تصريحات لـ"سبوتنيك"، أن "هذه المسألة تعد من أكثر القضايا حساسية بين البلدين، نظرا لوجود خلافات حادة بين اليونان وتركيا حول ترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط".
وأشار العبدلي إلى أن "اتفاقية الدفاع المشترك وترسيم الحدود البحرية التي جرى توقيعها بين حكومة الوفاق السابقة برئاسة، فايز السراج، وتركيا، كانت السبب الرئيسي في توتر العلاقات بين اليونان وليبيا في ذلك الوقت"، معتبرا أن "اليونان رأت في الاتفاق تهديدا مباشرا لمصالحها البحرية والإقليمية".
وأوضح أن "الفترة الأخيرة شهدت تقاربا كبيرا بين السلطات الليبية في شرق البلاد والسلطات التركية، تمثل في زيارات متبادلة بين شخصيات رفيعة المستوى من الطرفين، وهو ما أثار مخاوف لدى الجانب اليوناني من احتمال إعادة تفعيل اتفاقية ترسيم الحدود الليبية – التركية بشكل رسمي".
وبين العبدلي أن "اليونان تخشى أن يصادق مجلس النواب الليبي على الاتفاقية السابقة الموقّعة مع تركيا، والتي كانت قد حصلت على موافقة البرلمان التركي"، مشيرا إلى أن "تصديق البرلمان الليبي عليها سيجعلها اتفاقية شرعية ومعتمدة دوليا".
وأضاف: "هناك مؤشرات على أن مجلس النواب الليبي قد يتجه نحو المصادقة عليها خلال الفترة المقبلة، وهو ما تعتبره اليونان خطوة مقلقة للغاية لمصالحها في شرق المتوسط".
وأكد العبدلي أن "اليونان بدأت بالفعل في فتح قنوات تواصل مع الجيش الليبي في شرق البلاد، في محاولة لبناء تفاهمات جديدة والحفاظ على مصالحها البحرية، كما تسعى إلى الانفتاح على جميع الأطراف الليبية دون استثناء، أملا في التوصل إلى تفاهم حول ترسيم الحدود يحفظ لها سيادتها البحرية، خاصة في محيط جزيرة كريت التي تتهم تركيا بالسعي للسيطرة على مناطق قريبة منها"، بحسب قوله.
وأشار إلى أن "الزيارة تناولت أيضا ملف الهجرة غير النظامية"، موضحا أن "اليونان تعد من أقرب الدول الأوروبية إلى ليبيا، خصوصا إلى مدن شرق البلاد، ما يجعلها الأكثر تأثرا بتدفقات المهاجرين المنطلقين من السواحل الليبية"، وأوضح أن "الهجرة تمثل عبئا أمنيا واقتصاديا كبيرا على أثينا، ولذلك فهي تسعى لتنسيق أمني مباشر مع ليبيا للحد من هذه الظاهرة".
وأوضح العبدلي أن "اليونان تحاول كسب الوقت وتحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية قبل أن يتم الاعتراف رسميا باتفاقية ترسيم الحدود بين ليبيا وتركيا"، معتبرا أن "المرحلة المقبلة ستكون حاسمة في تحديد اتجاه العلاقات بين الأطراف الثلاثة".
وأضاف أن "اليونان تختلف في وضعها عن دول كبرى أخرى مثل تركيا وروسيا وأمريكا، فهي تعاني من أزمات اقتصادية وسياسية داخلية، كما أن دورها داخل حلف شمال الأطلسي "الناتو" محدود نسبيا، غير أنها تُعدّ دولة مهمة بحكم موقعها الجغرافي المحاذي للسواحل الليبية".
ومضى مؤكدا على أن "ليبيا يجب أن تفتح قنوات تواصل فاعلة مع جميع الأطراف الإقليمية، بما في ذلك اليونان، وفق رؤية وطنية موحدة تراعي المصالح الليبية العليا".
كما دعا إلى "تجاوز الانقسام الداخلي بين مؤسسات الدولة والعمل على توحيد الموقف الخارجي الليبي"، مؤكدا أن "الانفتاح المتوازن على جميع الدول هو السبيل الأمثل لحماية السيادة والمصالح الوطنية الليبية في المنطقة".
تعاون ثنائي
من ناحيته، قال المحلل السياسي، عبد الله الديباني، إن "أبرز الملفات التي برزت في التغطية الإعلامية وبيانات الطرفين خلال الزيارة، تمثلت في مكافحة الهجرة غير النظامية والتهريب، وتنسيق عمليات لمنع انطلاق قوارب المهاجرين، والحد من نشاط شبكات التهريب".
وأشار إلى "استعداد اليونان لنشر سفنٍ وتنفيذ مناورات محتملة، إضافة إلى تنظيم زيارات ميدانية وبرامج تدريب لخفر السواحل الليبيين في اليونان".
وأضاف في تصريحات لـ"سبوتنيك"، أن "التعاون في مجال تدريب وبناء قدرات خفر السواحل والأمن البحري يشمل إعداد برامج لتأهيل البحارة والضباط الليبيين على مراقبة السواحل، وعمليات الإنقاذ البحري، والتعامل مع مهربي البشر، إلى جانب بحث قضايا الأمن البحري وترسيم الحدود والمناطق الاقتصادية الخالصة، وفتح حوار حول حقوق التنقيب والطاقة في شرق المتوسط".
وأشار الديباني إلى أن "النقاشات تناولت أيضا ملف مراقبة وقف إطلاق النار ومنع تهريب الأسلحة عبر البحر، إذ تم التطرق إلى سبل التعاون في احترام حظر الأسلحة، وإلى الاستعداد اليوناني للمساهمة في دعم إجراءات حفظ الهدنة".
وأكد أن "التعاون الليبي – اليوناني يمكن أن تكون له آثار إيجابية على أمن واستقرار شرق المتوسط، من خلال تقليص تدفقات الهجرة غير النظامية وإضعاف شبكات المهربين، خاصة مع تكثيف تدريب خفر السواحل والعمليات المشتركة، ما قد يسهم في تخفيف الضغط الأمني على اليونان والاتحاد الأوروبي".
كما أوضح أن "فتح قنوات تفاوض حول ترسيم الحدود البحرية قد يساهم في خفض التوتر البحري وتفادي الاحتكاكات بين السفن، لكنه شدد على أن نجاح هذا المسار يتطلب توافقا ليبيا داخليا ووحدة في التمثيل الرسمي".
وبيّن أن "هذه الزيارة تحمل رسائل استراتيجية مرتبطة بتزايد تدفقات المهاجرين والضغوط الأوروبية"، مشيرا إلى أنها "تحرك يوناني استباقي لموازنة النفوذ الإقليمي في ليبيا، خاصة في ظل اتفاقات ليبيا وتركيا، ووجود عناصر وشركات روسية وإقليمية".
وأضاف أن "اليونان تسعى إلى تقديم نفسها كوسيط أمني وتقني لأوروبا في المتوسط، وأن هذا التوجّه ينسجم مع محاولات أوروبية أوسع لإعادة الاستقرار عبر شراكات محلية".
وتوقع الديباني أن "تتطور اللقاءات إلى اتفاقيات تعاون أو شراكات عسكرية مستقبلية، في حال تحقق توافق سياسي ليبي وتوحيد المؤسسات، مما قد يفتح المجال أمام اتفاقيات طويلة الأمد في مجالات التدريب والتعاون الاستخباراتي وحماية الحدود البحرية".
وفي المقابل، رجّح أن "الاتفاقات القصيرة والمتوسطة الأمد مثل بروتوكولات تدريب خفر السواحل وتبادل المعلومات حول المهربين ومشاريع الإنقاذ البحري ستكون الأكثر احتمالا في المرحلة الراهنة، باعتبارها عملية وأقل إثارة للجدل".
وختم المحلل السياسي، عبد الله الديباني، بالقول إن "تحول التعاون الليبي – اليوناني إلى شراكة عسكرية رسمية واسعة لا يزال يواجه عوائق عدة، أبرزها تدخلات أطراف خارجية، ومعارضة جهات محلية، ومخاوف من استغلال التعاون ضد أطراف ليبية أخرى، ومع ذلك، فإن السيناريو العملي الأقرب هو إبرام سلسلة من الاتفاقيات القطاعية التي قد تتطور تدريجيا نحو تنسيق أمني أوسع، شرط استمرار الحوار السياسي وضمان التوازن الدولي في التعامل مع الملف الليبي".